قضايا وآراء

أزمة العائلة المالكة السعودية الداخلية والملاحظات الأميركية عليها

تحسين الحلبي :

إذا استعرض المرء أسماء كثيرة لرؤساء وملوك ساندوا السياسة الأميركية ووظفت قدرتها لحمايتهم بعد أن وظفوا أنفسهم في خدمة مصالحها فسيجد أن واشنطن تخلت عن بعضهم بعد سقوطهم ولم تستطع حماية استمرار وجود آخرين، فشاه إيران والسادات ومبارك وزين العابدين بن علي وكذلك مرسي وعلي عبد اللـه صالح ومن خلفه الهادي عبد ربه منصور وغيرهم في آسيا وأميركا اللاتينية جرى إخراجهم من السلطة بالقوة وتخلت واشنطن عنهم بكل بساطة.
وفي يومنا هذا بدأ عدد من مراكز الأبحاث الأميركية التي تساهم في عرض مقترحاتها السياسية على إدارة أوباما بالتركيز على الوضع الداخلي في السعودية ففي تحليل كتبه (سيمون هانديرسون) مدير البرنامج السياسي لدول الخليج والطاقة في (معهد واشنطن) يكشف عن وجود (حالة انقسام داخل العائلة المالكة السعودية) وأن الإدارة الأميركية تتوقع بموجب تقاريرها أن تظهر النتيجة الحاسمة لهذا الانقسام خلال وقت قريب جداً. ويشير (هانديرسون) إلى وجود اختلاف بين ما قد يراه ولي ولي العهد ابن الملك سلمان وما قد يراه ولي العهد محمد بن نايف ابن شقيق (سلمان)، وأن واشنطن تجد في (ابن نايف) شخصية معروفة في مكافحة الإرهاب وأن واشنطن تصل إليها معلومات تحمل انتقاداً للسياسة التي ينتهجها ابن سلمان وزير الدفاع (ولي ولي العهد) ويرى فيها آخرون كارثة على مستقبل السعودية بموجب ما ذكره (هانديرسون) الذي يضيف: إن الملك (سلمان) يعاني تدهوراً في (صحته الجسدية) و(في قدرته الذهنية) ويضع هانديرسون عدداً من السيناريوهات المحتملة لمستقبل هذه الأزمة الداخلية في البيت السعودي الحاكم ومنها: أن يعزل الملك سلمان ولي العهد محمد بن نايف ويعين ابنه محمد ولياً للعهد وفي هذه الحالة قد ينشأ عن هذا القرار مواجهة بين أتباع محمد بن نايف ومنهم قائد الحرس الوطني متعب بن الملك الراحل عبد اللـه مقابل محمد بن سلمان وإما أن يتخلى الملك سلمان عن منصبه كرئيس للحكومة ويعين ابنه محمد ويكون نائبه محمد بن نايف «ولي العهد» لكن هذا لم يمنع وجود نقاط ضعف يستغلها كل طرف مقابل الآخر، فمحمد بن سلمان يتعرض لنقد حاد نتيجة الحرب على اليمن ومضاعفاتها، ومحمد بن نايف يتعرض لمسؤولية ونقد نتيجة كارثة (شعيرة منى) التي راح ضحيتها أكثر من ألفين من الحجاج، إضافة إلى ثلاثة آلاف جريح أثناء موسم الحج. ويختتم (هانديرسون) سيناريوهاته بمحاولة أن تجد العائلة المالكة نفسها مضطرة إلى إجراء تغييرات في قادة الجيش تتيح للقادة الكبار الذين انتقدوا الحرب على اليمن امتلاك زمام قيادة الجيش.
ويبدو أن أكثر ما تهتم به واشنطن من هذه الأزمة الداخلية هو كالعادة مضاعفات هذه الأزمة على المصالح الأميركية من النفط السعودي وعائداته المالية وخصوصاً لجهة تحديد سعر البرميل بما يخدم المصلحة الأميركية لأن واشنطن تعتبر نفسها متحكمة بقواعد لعبة إدارة الصراع بين الفرقاء في العائلة المالكة بما يوفر إدارة البلاد على الطريقة التي لا تخسر فيها واشنطن أي نظام سعودي جديد أو قديم بوجوه جديدة.
لكن (هانديرسون) يضيف ويقول: إن إدارة أوباما يهمها أن تبقى العائلة المالكة داخل الإطار القيادي للحرب الطائفية وتحافظ على وتيرتها سواء على الصعيد الداخلي (وجود الشيعة داخل المملكة) وعلى الصعيد الخارجي قيادة (حرب السنة على الشيعة) في المنطقة ضمن شعار (خطر الهلال الشيعي)، ومع ذلك يبدو أن (هانديرسون) يقلل من أهمية أن يتسبب هذا النزاع الداخلي في البيت السعودي الحاكم بنتائج تتجاوز خياراته وتوقعاته هذه خصوصاً لأن الحرب على اليمن ونفقات التمويل السعودي للحروب الداخلية في المنطقة قد تفرض تطورات داخلية شعبية داخل المجتمع في السعودية لأن هذه الأزمة في القمة القيادية السعودية قابلة على إنتاج وتوليد أزمات داخلية وإقليمية في شبه جزيرة العرب وعلى مستوى دول الخليج التي قد يرى بعضها أن السير وراء سياسة محمد بن سلمان ووالده الملك سلمان ستحمل الخراب لهذه الدول دون مسوّغ وجدوى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن