ثقافة وفن

لشخصية المثقف ودوره أيضاً

إسماعيل مروة :

اليوم وقد اكتمل عقد الأدب والثقافة، ما الخطوات القادمة؟ ها قد ظهرت نتائج انتخابات اتحاد الكتاب العرب، وتوجهت القيادة بالتقدير للأدباء، واحترمت خياراتهم في انتخابات القيادات النقابية، وتبين للناجحين في الانتخابات أنهم مستقرون لسنوات قادمة لا تخضع للتعيين والتغير والتبديل، فما على الاتحاد اليوم إلا أن يبدأ رحلته الجديدة المغايرة في استقطاب المثقفين حتى الذين يخالفون المكتب التنفيذي ومجلس الاتحاد، ولا أقصد الاستقطاب المادي، لأن كثيرين من عديمي التبصر والمصلحيين يفسرون أي نوع من الانتقاد على أنه رغبة في موقع أو مصلحة!! الكثيرون من المنتمين لم يقدموا أنفسهم كمرشحين، وهم زاهدون في المواقع، ولا يكترثون بالفوائد المادية وحدها، وإنما الذي يعنيهم أمر آخر مهم للغاية، وهو شخصية هذه الهيئة الاعتبارية النقابية التي ينتمون إليها، إن أمل أي كاتب أو مثقف أن يكون الاتحاد شخصية اعتبارية ذات قيمة عليا، وأن يكون مؤثراً للغاية، وأن يكون له صوته واستقلاليته، أما قال أحد أعضاء القيادة في كلمته للكتاب في مؤتمرهم أنتم نخبة النخبة؟ وكيف يكون هؤلاء نخبة النخبة؟ ليس في طبع كتاب لا يستحق، وليس في الضمان الصحي فهو حق له، وليس في صندوق التقاعد فهذا واجب على الاتحاد النقابي، وليس في المرض والصحة، وليس في الوفاة، وليس في أي مظهرية تعطيها النقابات الأخرى وبشكل أفضل، فعند الوفاة يقدم لأسرة العضو مبلغ مالي لكنه ينفق على حساب الأحياء، إذ يوزع عليهم المبلغ ويتم تقاضيه، بينما ذلك لا يتم في النقابات الأخرى، بل يقتطع المبلغ وهو أكبر من هذا المبلغ بكثير من الاستثمارات، فأين فضل الاتحاد فيما يقدم؟ على الكاتب المتوفى أن يكتب شكراً لزملائه الذين بقوا بعده ليدفعوا كما دفع هو عندما كان عضواً فاعلاً.. كل هذا لا يعني شيئاً للإنسان والكاتب ضمناً، ولا يكفي أن يعدد المكتب التنفيذي إنجازاته، وجميعها تصب في الجوانب المادية، وكأن الكاتب كتب من أجل هذه المكاسب! شكراً لكل الإنجازات التي ستكون متحققة مهما تبدل المكتب التنفيذي، فسيرورة الزمن هي التي تحقق، والتطور والظروف يفرضان نوعاً من الإنجازات الشكلية والنوعية مادياً وغير ذلك من إنجازات.. لكن المطلوب اليوم من المكتب الجديد، وإن كان مطعّماً بالمخضرمين أن يحققوا للكتاب شخصية ذات قيمة ودلالة وتأثير، وأن ترفع المرحلة القادمة من مستوى التعامل مع الأدباء، فليس كل من يخالف يوصف بالمأجور والمدفوع والطامع بموقع! وليس المنتقد غير محب ويحمل أغراضاً في نفسه.. إنها مرحلة جديدة في حياة أدبائنا وكتابنا أرجو ألا تكون استمراراً لمراحل سابقة زينت بالإنجازات، أخذتم ثقة الزملاء الكتاب، وتبين لكم أن الكاتب غير مأجور وغير مدفوع، وأنه يندفع إلى مؤسسته، فليتم العمل على شخصية اعتبارية ومهمة للكاتب والمثقف، ولندرك أن المثقف يستحق ما يقدم له وزيادة، وأن الثقافة والأدب ليستا موافقة وحسب، وليبذل المكتب التنفيذي الجديد جهده على صورة المثقف، وتغيير الصورة النمطية السلبية، وليكن مثقفنا أينما كان هدفاً للاتحاد، لتوسيع دائرة النقاش والاختلاف والإبداع، فأي مؤسسة لا يختلف أفرادها تصاب بالترهل، وتفقد ضرورتها.
الخلاف ليس شخصياً، وقد ظهر ذلك والرأي ليس طمعاً بمكان وقد تأكد ذلك، إنها الغيرة على الثقافة والأدب، وهذا التصالح والتعاون بين الاتحاد ووزارة الثقافة ليتم استثماره لما فيه خير الثقافة والأدب، ورفع مستوى المثقف، وبث روح التنافسية في الإبداع والتفاني لخدمة سورية.
أقول هذا وفقاً لما يجري في سورية والوطن العربي حالياً، فعندما بدأت الأحداث الدموية التي افتقدت الاسم المزعوم (الربيع) هرعت الأنظمة العربية والمعارضات معاً إلى الاستنجاد بالمثقفين، وكل نداءات الاستغاثة ذهبت عبثاً، فقد كرست الأنظمة نوعين من المثقفين، المثقف السلطوي الذي يأخذ كل العطايا وقد لا يكون مستحقاً، وعلى الأغلب لا يكون على قدر المسؤولية، والمثقف المعارض الذي أهملته السلطات العربية إهمالاً تاماً، فلم يعد يشعر بأي حرج أو انتماء، وغالباً ما تهصره أسباب الحياة فينحاز إلى من يقوم بمساعدته على أعباء الحياة!! ولكن المثقف الوطني، المثقف الشخصية الاعتبارية لا وجود له، واستطاعت سياسات السلطات العربية تذويب الشخصيات الثقافية الوطنية في أحد الاتجاهين السابقين، وأرى أنه آن الأوان للبحث عن هذا المثقف، وليذهب مثقف المنفعة إلى الجحيم سواء كان من مثقفي السلطة أو المعارضة.
تخيل معي أن أي مثقف ينتقد ويريد الإصلاح ينعته المديرون والوزراء والمصلحيون بأنه مستنصب ويبحث عن موقعّ فما من أحد انتقد إلا اتهم بأنه يريد منصباً، وعندما تم اختباره ورفض أن يكون لم يجرؤ الذي اتهمه أن يعترف له بما قاله وانتقده! وعندما أخفقت محاولات إسكاته أو إعطائه شيئاً ما استمر أصحاب المواقع في اتهامه وشتمه! وفي الوقت نفسه الجانب الآخر المعارض للأنظمة يرى أن كل مثقف وطني- لا يزال يقاوم الطاعون والأمراض في الوطن- جزء من النظام والسلطة!
إن السلطات العربية هي التي تحمل الذنب في إسباغ هذه الصفات على المثقفين، ولم تدر السلطات فيما قامت به في عقود طويلة أنها فرّغت الأوطان من حملة المسؤولية من المثقفين الذين يشكلون سياجاً للثقافة والفكر! ولم تدر أنها حاربت نفسها قبل أن تحارب الآخر!
المثقف منارة وطنية وفكرية تنتمي إلى الوطن، تهب إلى نجدته عندما يدعوها، وعندما تشعر من ذاتها أنه يدعوها من دون أن يفعل شريطة أن تشعر باحترامها وانتمائها، وقد آن الأوان في بلداننا العربية عموماً أن نعمل على شخصية المثقف، وفي سورية تحديداً، المكتظة بالمثقفين المهمشين لمصلحة مجموعة من العلائق والانتماءات التي أفقدت المثقف دوره وأهميته فهل نفعل؟
إن أخفقت بعض المؤسسات الثقافية عن فعل ذلك، فهل تخفق باقي المؤسسات؟ أرجو أن يتقزم دور المستحاثات والطحالب، ونحن تجرّف النهر استعداداً لاستقبال مطر الثقافة المنهمر الذي سيجرف ما في طريقه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن