ثقافة وفن

إيمار.. لا فصل بين الواقع والاسطورة!! … لغة واحدة لشخوص الرواية على اختلاف مستوياتهم

محمد الحفري :

من يقرأ رواية إيمار لكاتبتها نجاح إبراهيم الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب عام 2010م سيلاحظ حتماً هذا الاستعراض الثقافي الذي تقدم عليه الكاتبة منذ البداية حين حاول بطلها عساف تذكر قصيدة الأرض الخراب لـ«ت. س إليوت» أو حين قالت: «اخرجي يا من تكونين إيمار، باربليسيوس، بيتابليش، بالس إلى الرجوم» ثم ختمت ذلك بالتحدث عن طقس «كيسبوم» وننوه هنا أن هذه الكلمات كتبت على الغلاف الأخير للرواية.

وهذا الاستعراض يستمر ويتتابع في كلمات كثيرة «دجن، تيشالم، وردة الجيرانيوم، ديلمون، جارودا، فينيق، سيمورغ، قندس، براق، رخ، يا بنو الفرعوني الوهاج، يا طائر الفاو، سمرمر، سمندل» وقد نكتفي بهذه الأمثلة لنسأل هل كتبت هذه الرواية للنخبة مثلاً؟ ولماذا لم تشرح الكاتبة ولو بخطوط صغيرة بعض هذه الكلمات تحسباً لوقوعها بيد قارئ عادي أومن العوام على سبيل المثال؟ وهل المراد هنا كتابة كلمات الغزل التي سمعناها والتي لم نسمع بها ثم نضعها في كتاب؟ وأخيراً والأسئلة لا تنتهي نقول: إذا كانت الكاتبة تريد إنتاج نصٍ له علاقة بالميثولوجيا والتاريخ والأسطورة فلماذا دمجته بالواقع الراهن؟ على أننا نعتقد بأنها لو فصلت بين الواقع والأسطورة لاستطاعت أن تنتج نصاً أجمل من هذا بكثير وهذا الكلام لا يعني أبداً مصادرة لفكرة الكاتبة فهي حرة وسلطتها هي العليا في عالمها السردي إنما هي وجهة نظر وحسب.
فاتحة لبوابة الضجر: عنوان صغير تبدأ منه الرواية حيث يتجهز عساف للقاء إيمار يمتزج ذلك بعنوان آخر وهو قد يزهر البرق، ليتم اللقاء بين إيمار وعساف تحت جسر الثورة حيث يبلغها موت صديقه جواد وتبلغه نيتها السفر إلى المغرب بحثاً عن تميمتها المفقودة ولا شيء سوى وصف يشهد له بالجمال والرقة ثم ينقطع ذلك لتعود بنا الروائية إلى زمن طويل عندما يرزق الشيخ روحاني بطفلة من زوجته الثالثة «مطرة» وتعلن في الديار الأفراح وتذبح الخراف والبروفسور «باتريك» يمسح المعبد بدم القربان وذلك ما كتب تحت عنوان: «تلك الرجوة ذلك المكان» ثم جعلت بينها وبين العنوان التالي أي أجراس الرجوم، فجوة كبيرة جداً حيث كبرت البطلة وشعرت بمن يناديها كي تذهب إلى الرجوم وهناك كان البروفسور «باتريك» قد وجد اللوحة التي كتب عليها: «هنا يلتقي عاشقان ويفترقان» عندها يطلب منها البروفسور أن تتعانق مع ابن الذبيان ذلك الذي لم يجرؤ في الأيام السالفة على رفع بصره فيها أو النظر إليها بسبب الفارق بينهما فهي ابنة الشيخ روحاني وهنا من الضروري القول: إن البروفسور باتريك من الشخصيات التي بقي مصيره مجهولاً ويبدو أن الكاتبة قد نسيت أمره بعد الذي حدث لبطلتها.
شموع الخضر: في هذا المقطع تصاب البطلة باضطراب وهذيان يدفعها للذهاب للدرويش لكنها لا تلبث عنده سوى لحظات إذ تذهب إلى الرجم لتلتقي ابن الذبيان وتذوب معه عشقاً هناك وبذلك تحققت النبوءة التي كانت مكتوبة على اللوحة أو التميمة وصوت الدرويش يرن في قلبها «اطفئي اللهب قبل أن يصبح حريقاً مدمراً» وفي المقطع الذي يحمل اسم ابن الذبيان يدخل ذلك الشاب مع أقاربه وجماعته لطلب يد البطلة وسط اندهاش الشيخ روحاني والإخوة وأبناء العمومة لكن إيمار تدخل المجلس متحدية جمعهم وتبلغهم موافقتها وفي «تيشالم» بدت إيمار ملكة متوجة ومترفة بالغموض والسحر والرموز حيث تتزوج من ابن الذبيان وتذهب معه ليلاً إلى المعبد برفقة البروفسور لتقديم النذور وهناك قرأ أمام مصطبة الإله دجن نصاً يخص عقد الزواج ثم عادا إلى البيت وفي الصباح وجدا التميمة قد سرقت حيث ذهب ليبحث عنها ولم يعد وكذلك فعلت هي وهنا كان يجب أن تنتهي الرواية أو القسم الأسطوري والخيالي منها على الأقل ذلك لأنه الأجمل والأروع من وجهة نظرنا الخاصة.
يبدأ النص بالتراجع والترهل بدءاً من عنوان «كم هم جميلون» حيث حضور إيمار إلى دمشق واللقاء مع عساف بلدياتها الذي بدوره يعرفها على مجموعة من الكتاب والصحفيين وفي رواق الأسئلة المضللة يتذكر إيمار وأيامه السالفة معها ومن ثم قصة الفنان تامر الذي يتذكر زوجته ماغي التي قتلت بتفجيرات بيروت وما زاد في حزنه موت صديقه جواد ومن ثم تأتي قصة الأستاذ عبد اللـه الذي يكتب مقالاً في مجلة أسبوعية فهو مطلوب من قبيلة بني مطلق وقد غير اسمه من محمد المشعان إلى عبد اللـه الراجي، ماتت والدته وهي تنتظر عودته وعرض شقيقه عليهم أن يأخذوا بثأرهم منه، لكنهم رفضوا وقالوا نريد تاجكم، أي الأستاذ عبد اللـه الذي بقي ينتظر من يقتله ليدفع ثمن جريمة لم يرتكبها وليس له بها علاقة من قريب ولا من بعيد وعلى كل هذه هي العادة والعرف الذي يحكم بعضاً منها مجتمعاتنا ونحن لا ندري السبب الذي دفع بالكاتبة لتضع هذه القصص؟ وأقصد هنا الأستاذ عبد اللـه وعساف من قبله والفنان تامر وزوجته ولاحقاً جواد وانتحاره وحبه لعنقاء ورماح الذي يزور دمشق ويحاول التسول فيفشل حيث وجده عساف الذي أطعمه ودبر له عملاً وأعتقد هنا أن الكاتبة حين نفدت ذخيرة حكايتها الأسطورية أي التميمة وابن الذبيان قد لجأت إلى عساف ليعرفها على مجموعة من الكتاب والصحفيين لتروي لنا فيما بعد حكاية كل واحد منهم وهذا يجوز لكنه هنا وفي هذه الرواية بالذات لم يأت في موقعه الصحيح.
آخر الخراب.. آخر الجنون: في هذا المقطع يعقد جواد قرانه على عنقاء ثم ينتحر في اليوم التالي فتصاب بحالة من الإحباط واليأس والمرض ليأتي الأستاذ عبد اللـه ويقول لها: «يا أنت يا جارودا يا فينيق يا سيمورغ» الخ تلك الكلمات التي ذكرنا ليتجدد معها سؤالنا هل المسألة هي استعراض فقط وهل كل ما تريده المرأة هي كلمات المدح والدلال وحسب؟ وهذا يدفعنا في هذه العجالة للقول إن شخوص هذه الرواية هم على مستوى واحد ولغة واحدة ولا فرق بين الشخصيات على المستوى العام وهذا دليل على أن صوت الكاتبة قد حل بديلاً لكل الأصوات في الرواية، صحيح بأنه صوت جميل وعذب ومستساغ لكنه لا يجوز في عالم الأدب ويصبح مثلبة من مثالب النص حتى لو كان أبطاله من الكتاب والصحفيين والفنانين الذي يجمعهم نادي الفرسان مرة أو مرتين في كل أسبوع.
في رسائل الجهات الأربع يفتح عساف رسائل إيمار ويتذكر حبه لها منذ الطفولة وهي كما تقول: «كانت محبوبة من كل شباب الديرة» وربما هذا ما تريده أي فتاة في أعماقها، كان وقتها في صف «البكالوريا» وكانت في المرحلة الابتدائية حين قال: «إيمار أحبك» وهذه المعادلة غير صحيحة وقد تكون مخالفة للعرف والتقاليد وشاذة لكنها وكما تقول الكاتبة حين أعاد إليها الطلب ثانية رفضت لا لعيب يتعلق به وإنما ادعت أنها لا تعرف الحب ونحن نقول هنا إن من يعرف عيوب الناس ويفكر بالحب يعرفه حتماً وعندها علينا أن نتخيل بطلتها كما تتخيل في عقلها بأن كل رجال الدنيا يركضون خلفها وحتى «مسيو جان» قد رغبها وأحبها وقد كانت تعتقد أن ما يشبه تميمتها بحوزته.
وفي جناح مكسور استيقظت إيمار من نومها وتعبه ليدور هذا الحوار بينها وبين عساف ونحن نأخذ منه كلمات فقط لندلل على قولنا
أتمنى لو كنت شاعراً الآن
لماذا؟
لأقول لك بيتاً شعرياً واحداً وبعدها أموت، أضع رأسي هنا على ركبتيك وأفك أسر روحي.
ويبدو من خلال هذا الحوار التساوي ليس في منطوق الشخصيات وحسب بل يشمل صفاتها أيضاً فعنقاء تساوي إيمار وقد لا يختلف عساف عن عبد اللـه أو جواد أو رماح وغيره وهذا التشابه قد يمس مصائر أولئك الأبطال أنفسهم، جواد ينتحر وتختفي عنقاء، إيمار تسافر والأستاذ عبدالله يقتل بيد إرهابي. لم تمهد الروائية لوصوله ولا نعرف من أين خرج فالرجل كما علمنا مطلوب لعشيرة معينة ونحن حين نقرأ كلمات الرواية الأخيرة نجد هذا التشابه في المصير.. تسافر إيمار على الرغم من ممانعة عساف الذي يحبها، اتصل عساف برماح ولم يجده، عنقاء رحلت هكذا قالت والدتها.. «وحين صار في الشارع بهت لما رأى الناس كلهم يحملون حقائب ويمضون متراحلين، جن السؤال في حلقه، كتمه بعنف ومضى خلف تميمته» وإذا كنا سنشهد لهذه الرواية ولمؤلفتها السيدة نجاح إبراهيم فلابد من القول إنها قد أبدعت حقاً في تقسيم زمنها وفي تقديمه وتأخيره على الرغم من الفجوات الكبيرة الفاصلة والعاثرة ولا بد أن نبارك لها على هذه اللغة الساحرة والمحلقة عالياً ولنختم بسؤال معتاد هل تكفي اللغة وهل تغني عن بقية الأشياء؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن