قضايا وآراء

قفزة نوعية في مسار التسوية

باسمة حامد :

بعيداً عن محاولات التشويش الإعلامية التي تمارسها بعض الأنظمة للتغطية على إخفاق رهاناتها بالملف السوري، فإن لقاءات فيينا أحدثت فعلاً «قفزة نوعية» في مسار تسوية «الأزمة»، وخصوصاً أن التقاطعات بين موسكو وواشنطن بعد مباحثات فيينا باتت أكثر وضوحاً.
وفي هذا السياق، لم يأت تصريح /ميخائيل بوغدانوف/ حول حدوث «قفزة نوعية في مسار تسوية الأزمة في سورية» من فراغ، فثمة معطيات تؤيد استنتاجه هذا، فدعوة بيان فيينا إلى: «تشكيل حكومة جديرة بالثقة» دون التطرق لمصير الرئيس السوري هو نعية دولية للرغبات السعودية، والتركيز على «إبقاء سورية موحدة» و«السعي لوقف إطلاق نار شامل، وتشكيل حكومة جديدة، وإجراء انتخابات» يعني أن «عقدة الأسد» في الواقع لم تعد تشكل عقدة إلا للنظام السعودي وحده، فالخيار المطروح بالنسبة للولايات المتحدة حالياً في ظل هذا الوضع الإقليمي المعقّد هو «بين الحرب والسلام» وعلى هذا الأساس«لا شيء حتمياً من وجهة نظرها حول مستقبل سورية» حسب /جون كيري/.
وتجاوز البيان لهذه المسألة التي لم تُناقش أصلاً في العاصمة النمساوية «لأن المستقبل السياسي للرئيس يحدده السوريون فقط ولا أحد غيرهم» كما أوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية /ديمتري بيسكوف/ وكما أشار أيضاً وزير الخارجية الأميركي في كلمة له أمام معهد كارنيغي للسلام الدولي قبيل مغادرته إلى فيينا: «واشنطن وموسكو تريدان سورية متحدة وعلمانية حيث يمكن للمواطنين اختيار رئيسهم من خلال الانتخابات».. يؤشر إلى اهتمام «المجتمع الدولي» بالحل الدبلوماسي دون التدخل بالشؤون الداخلية للبلاد، وسعيه للحفاظ على مؤسسات الدولة وإبقاء سورية «بلداً علمانياً يحفظ حقوق جميع مكوناتها»، وجديته لتوحيد الجهود ضد الجماعات الإرهابية بمختلف مسمياتها (الجانب الروسي أعد قائمة بالتنظيمات والزمر التي تعتبرها موسكو إرهابية وتتضمن 38 مجموعة يمكن توسيعها وهذا الإجراء حال تبلوره سيحشر الإرهاب ورعاته في زاوية ضيقة). ولاشك بأن التركيز على هذه الأولويات سيطوق الإرهاب من جهة وسيضع حداً لأزمة الهجرة غير الشرعية من جهة أخرى.
وما يعزز هذا المسار:
1- حضور إيران لمباحثات فيينا كتعبير عن موقف سعودي ضعيف، وكإقرار من محور واشنطن «بقبول الحقائق» المتعلقة بالحالة السورية.
2- تصريحات رئيس الأركان الأميركي قبل أيام حول: «الكفة الراجحة لمصلحة النظام»، إضافة إلى عمليات نقل الإرهابيين جواً من الساحة السورية إلى الساحة اليمنية يؤشران إلى أهمية الإنجازات الميدانية التي يحققها الجيش العربي السوري بالتعاون مع حلفائه على الأرض، والمزيد من هذه الإنجازات سيظهر خلال فترة الأسبوعين القادمين أي قبل انعقاد الجولة الثانية من محادثات الأطراف الدولية.
3- معظم الدول العربية بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت أقرب إلى الرؤية المصرية لجهة التمسك بأدوات «الحفاظ على الدولة الوطنية»، فالهاجس المشترك لدى الجميع الآن عبّر عنه الرئيس المصري في خطابه الأخير بمنتدى المنامة: «الميليشيات والجماعات الخارجة عن القانون والحاملة للسلاح في سباق مع ما هو مستقر من مبادئ احتكار الدولة لأدوات فرض القانون»، وتجدر الإشارة هنا إلى الموقف المصري الإماراتي الصادر يوم الثلاثاء 27 من الشهر المنصرم والمتضمن تأييد حل سياسي يضمن «أمن وحماية سورية الموحدة، والحفاظ على مؤسساتها الوطنية وبما يحقق تطلعات وآمال الشعب السوري ويدعم إرادته وخياراته الوطنية»، وفي ضوء زيارة وزير الخارجية العماني لدمشق الأسبوع الماضي من المتوقع أن تشهد العلاقات السورية الخليجية المزيد من الانفتاح قريباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن