قضايا وآراء

بين «ديكورات» فيينا والعلمانية «الوهابية»: هل أتاك حديث المقاتل السوري؟

فرنسا – فراس عزيز ديب :

مع بداية التحضير لفكرة إنشاء «مجلس إسطنبول» وتعيين «برهان غليون» رئيساً له، انتشر فديو لزعيم حركة الإخوان المسلمين الإرهابية «علي البيانوني» يقول فيه لبعض المجتمعين بأن هناك اتفاقاً لتعيين الغليون رئيساً للمجلس من باب الديكور، لكونه علمانياً، كي لا يُقال إن الإسلاميين هم من يقومون بالحراك. هناك من يريد اليوم أن يستنسخ هذه الديكورات، فهو لا يكتفي بتجميل صور الشخصيات والتنظيمات، لكنه يتعداها لتشمل أيضاً مقررات المؤتمرات التي تناقش ما يجري في سورية والحلول المقترحة، فإلى أي حدٍّ نجحوا في ذلك؟!
لم يكد الاجتماع قبل أمس ينتهي حتى انهالت التحليلات في الصحف العربية، التي تبدو وكأنها مصرَّة أن تكون انعكاساً لصورة التشرذم في الوعي والفكر والخيارات لما تبقى من النظامين الرسمي والشعبي «العربي». بعض الصحف والمحللين المحسوبين على الخط المقاوم يصرّون أن يكونوا ملكيّين أكثر من الملك، فلم يروا من الاجتماع إلا أهمية حضور إيران، وأن هذا الحضور هو نتيجة منطقية لما سموه «انكفاء آل سعود»! وما زلنا حتى الآن نتساءل أي انكفاء هذا الذي يتحدثون عنه وهم قادرون أن يصلوا عبر إرهابييهم لأي منطقة في العالم؟!
بعضها الآخر رأى أن ما جرى هو نقطة تحول تاريخية ستُفضي لانتهاء الحرب في سورية، وربما لو أنهم دققوا في أرشيفهم بعدد «الكتائب الإرهابية» التي تقاتل في سورية وارتباطاتها الإقليمية والدولية لأجهشوا بالبكاء قبل نشر تفاؤليات كهذه.
أما القسم الأكثر «ظرافة»، فهي الصحافة التي تصر أن تورد ما قاله دي ميستورا عن النموذج اللبناني لتطبيقه في سورية أو ما يعرف باسم «طائف لبناني»، ربما بعض اللبنانيين يشعر بالغبطة عندما يتم تداول الحديث عن نظامه السياسي كنموذج لتطبيقه في سورية، فتجربة «النظام اللبناني» أثبتت عبر عقود أهميتها والدليل تحويل لبنان من «قطعة سما» إلى «فدرالية النفايات»، هنا من المفيد أن نذكر أن تداول هذا المصطلح «البغيض» كان يتم عبر محللين لبنانيين وعلى الإعلام السوري، حتى قبل طرحه من «دي ميستورا» وطبعاً كالعادة كان (المذيع/المذيعة) يصمتون، لأنهم لا يجرؤون على مناقشة هذا الضيف حتى لو نطق كفراً.
كان من الممكن النظر بعين الاهتمام لمقررات اجتماع فيينا، لو لم يسبقه حدثان مهمان، ربما لا يقلان أهمية عنه، الأول هو تصريح لمسؤول أميركي أعلن فيه موافقة أوباما على إرسال قوات أميركية لمساعدة قوات «المعارضة المعتدلة» في حربها على داعش، أما الحدث الثاني فهو تصريحات «غلام مملكة الكبتاغون» «عادل الجبير» خلال لقائه وزير الخارجية البريطاني، بأن الحرب على اليمن شارفت على النهاية.
في الواقع كلا التصريحين لا يحمل في طياته ما هو إيجابي. لكنه يحمل الكثير من التساؤلات التي تقودنا لكل ما هو سلبي، بمعنى آخر قد يكون ما قلناه في الأسبوع الماضي يتحقق، أي إننا مقبلون على شرق من دون الولايات المتحدة، لكن هناك من لا يزال ينازع ويتمسك ببارقة الأمل، ليعود بنا لما قلناه منذ أشهر… إنه «الشرق بلا أوطان».
لا يبدو أن التصريحات الأميركية حول إرسال المستشارين للشمال السوري هو نوع من التكتيك لرفع سقف التفاوض قبل الاجتماع، هنا علينا أن نتساءل أي معارضة معتدلة سيتم دعمها في الشمال السوري؟
في الواقع لا يوجد إلا جهة واحدة فقط وهم الأكراد، فكيف ستسمح تركيا للأميركيين بدعم الأكراد؟ لنتخيل مثلاً أن الطيران التركي الذي خرج ليقصف مقرات لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي»، سيقابله وجود قوات أميركية على الأرض تدعم «حزب الاتحاد الديمقراطي»؟! هل هو مجرد تناقض، أم هو نوع من القنابل الدخانية التي ترميها الولايات المتحدة تمهيداً لانسحابها؟ أم هو الخيار الأسوأ: صفقة من تحت الطاولة تكون كمسمار جحا في وجه التمدد الروسي.
في المقلب الثاني من الواضح حسب الوقائع أن «عاصفة الحزم» لم تنجح إلا بتحقيقِ هدفٍ واحد وهو تدمير البشر والحجر وتهجير وتجويع الشعب اليمني الأعزل، وما ترافقه من مجازرٍ بحق الإنسانية، فلماذا قرر «آل سعود» اقتراب انتهائها ليسبق هذا الإعلان اجتماع فيينا؟
لا يمكن لنا بأي حالٍ من الأحوال الحديث عن انسحاب سعودي بقصد «الانكفاء»، بل الأدق هو نوعٌ من تجديد الأولويات. كذلك الأمر لا يمكن فصل ما ينطق به «آل سعود»، عن الكلام الأميركي، بالتالي بدت هذه المناورات كنوعٍ من ضرب مؤتمر فيينا قبل أن يبدأ. أي الاستثمار بالمقررات قبل الاتفاق عليها، هذا الأمر يبدو واضحاً من خلال التناقضات الكثيرة بين رغباتهم، وبين ما وافقوا عليه، فما الجديد في بنود الاتفاق؟
في الواقع، لا يمكننا اعتبار أن هناك ما هو جديد في بنود الاتفاق، فالبنود ليست خلافية، لكن المشكلة لا تبدو أبداً ببنود الاتفاق، المشكلة بالتحديد في الالتزام، فإذا كان هناك دول مارقة لا تطبق قرارات مجلس الأمن بما يتعلق بمكافحة الإرهاب، والتواصل مع المنظمات المصنفة إرهابية أو المتفرعة عنها، أو احترام سيادة الدول حسب مبادئ الأمم المتحدة، فكيف لنا أن ننتظر منها الوفاء بالتزاماتها ببنود الاتفاق؟ من دون أن ننسى أن «آل سعود» بدوا كمن أُجبروا «أميركياً» على القبول بالبنود، لكنهم لم يخفوا انزعاجهم منها فهل هناك من سيعرقل التنفيذ؟
يقوم المثل الشعبي «خود أخبارها من صغارها». يكفي أن نقرأ ما كتبه اليوم الصغار في أحد دكاكين «آل سعود» الإعلامية لنفهم حجم التناقضات والموقف الحقيقي لـ«آل سعود».
يبدو أن «آل سعود» استاؤوا من فكرة طرحها الروس تقضي بمحاربة كل من يرفض الاتفاق، بالقول عبر كتَبتِهم إن هذا الكلام هو فخ وقع به كيري يشبه فخ سحب السلاح الكيميائي السوري مقابل منع أوباما من ضرب سورية. أما الأمر الأهم فهو محاولة «آل سعود» وبشكلٍ واضح البدء بتعويم حركة «أحرار الشام» الإرهابية كجزء من «المعارضة المعتدلة» التي سيتم فرضها مستقبلاً، لتكون ذراعهم المستقبلية في مستقبل سورية، هنا نعود لفكرة «الديكور»، فمحاولتهم التسويق للحركة ليس بجديد، يعود لتموز الماضي عندما نشرت إحدى الصحف الأميركية مقالاً لأحد مسؤولي الحركة يروج فيها لاعتدال حركته، علماً أن مؤسس الحركة بالنهاية هو أحد الذين قاتلوا تحت راية «بن لادن» في أفغانستان. وصل المسعى لتلميع الحركة لدرجة أن «مقرباً من آل سعود» كتب يمجد شخصية رئيس الحركة، ولأن حبل الكذب قصير فإن هذا المستكتب وقع بتناقضٍ عندما وصف رئيس الحركة بالمهندس الشاب ذي الخلفية السلفية الذي يسعى لسورية «تشاركية» تحكمها الشريعة. لندقق كثيراً بعبارة سورية التشاركية التي تحكمها الشريعة، ونتساءل هل شاهد هذا المستكتب مقاطع فيديو لعناصر الجماعة يجلدون شابين لتأخرهم عن الصلاة؟ لأي «قطيع» من القراء الذين يصدقونه يكتب هذا الصغير! أم إن وجود بند يحدد أن سورية يجب أن تبقى «علمانية» جعلهم من الآن يحسبون الحساب لقادمات الأيام؟!
فإذا كانت سورية «علمانية» تستوعب الجميع، عندها أي مكانٍ لـ«آل سعود» وعصاباتهم الوهابية سيبقى، أم إن «آل سعود» يروجون لمصطلحٍ جديد هو العلمانية على الطريقة الوهابية، مع التذكير هنا بأن العلمانية ليست ضد الأديان «كما هو رائج في مجتمعاتنا العربية»، تحديداً إن هناك من يدّعي العلمانية أساء لها تماماً كما أساء بعض المتأسلمين للإسلام لدرجةٍ باتوا فيها يقدمون علمانيتهم فقط من خلال مهاجمة الإسلام.. فماذا ينتظرنا؟
من كل ما تقدم ربما نحن بانتظار وصول دي ميستورا إلى سورية اليوم، لمناقشة تطبيق الاتفاق وبنوده بما يضمن احترام السيادة السورية واستقلال القرار السوري، لكن خلال هذه الفترة واهمٌ من يظن أن «آل سعود» ومعهم الأتراك سيتراجعون قيد أنملة، هم يخوضون حربهم، والعقلية الصحراوية التي تحكمهم لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تدفعهم للتعقل، لدرجةٍ بات فيها تعاطيهم مع مسألة «مصير الأسد»، كما يروجون (موقفاً إستراتيجياً ثابتاً لن يتغير)، حتى لو تظاهروا بالموافقة على هذه البنود فسيحاولون بشتى الطرق الضرب بكل الأماكن للتشويش على أي إمكانية للحل حتى يأتي تغييرٌ ما، وهذا التغيير ليس مرهوناً بالتركيبة المتهالكة للحكم هناك، بل مرهونٌ فقط بالميدان السوري ولا شيء غيره، لأن التقدم في الميدان وحده ما سيصنع الفارق وليس «ديكورات فيينا». بل إن هذا التقدم يجب أن يستمر بوتيرةٍ متسارعةٍ تنتقي أهدافها حسب الأولويات، بالأمس قام الروس بقصف مواقع للإرهابيين في منطقة «تل الحارة» التي استمات الكيان الصهيوني لضمان سيطرة المسلحين عليها، أي إن الروسي بات يرسم للآخرين حدوداً لهم في سورية بعكس ما كان البعض يروج بأن هناك حدوداً مرسومة للروسي في سورية، فمن وضع حدوداً عسكرية ستتجسد بالمقاتل السوري الثابت على الأرض، فلن يعجز عن وضع حدود سياسية. عليه لا تنتظروا ما سينتج عن جنيف 17 ولا فيينا 18، انتظروا فقط اجتماع «دمشق1» عندها فقط سنقول إن الحل السياسي قد بدأ، وما دون ذلك نبدو مضطرين لتكرار فكرة يحبها القراء… دعونا فقط نصغ لخبطة أقدام رجال اللـه في الميدان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن