ثقافة وفن

حيّ الشاغور بدمشق… الإنسان والمكان!! … تاريخ مغرق وزلازل لم تستطع أن تنال منها

دمشق- منير كيال :

ييقع هذا الحي في الجانب الجنوبي الغربي من سور مدينة دمشق بحيث أن قسماً يقع ضمن ذلك السور وقد عُرف باسم الشاغور الجواني، والقسم الآخر خارج ذلك السور ويطلق عليه اسم الشاغور البراني ويمتد الحي من تفرّع جادة الدقّاقين عن سوق مدحت باشا مقابل تفرع سوق البزورية عن هذا السوق… فيأخذ الحي اتجاهه من الشمال عند البزورية إلى الجنوب مروراً بباب الحديد (الصغير) فالباشورة ومن ثم المصلبة فالسروجي ثم تحت المادنة (المئذنة) فالمزاز. وعلى جانبي هذا الامتداد تتفرع جادات أو حارات عن اليمين و(الغرب) واليسار (الشرق).
ويذهب الباحثون إلى تأويل كلمة شاغور أكان ذلك في أصل هذه الكلمة أم معناها أم اشتقاقها اللغوي… ولعل الأقرب منها قبولاً ما كان ما يدل على غزارة المياه التي تحفر مجاريها تحت دور الحي لتذهب إلى أراضي بساتين الشاغور وتروي أراضيها، ومنها ما كان من مياه نهر بانياس وتورا، وما كان من مياه نهر قليط الذي تحمل مياهه (تغلط) قاذورات المدينة لتلك الأراضي.
فإذا حفرت المياه مجاريها تحت الأرض يقال إنها شغرت ومن ذلك كلمة شاغور التي تعني كثرة المياه التي تمر تحت القشرة الظاهرية لأرض هذا الحي، أي تحت دورها.

جادة الدقاقين
عرفت جادة الدقاقين بهذا الاسم لتميّزها بدقّ قطع قماش الحرير المعروفة باسم (الصاية) وقطع قماش القطن المعروفة باسم (الديمة)، فضلاً عن دق قماش (الألاجة).
وكان من الأسر التي تقيم في هذه الحارة: آل دلول وست البنين والقوتلي وآل الببيلي الذين كانت دارهم من أميز الدور الدمشقية في حي الشاغور، أكان ذلك من ناحية ارتفاع أسقف مخادعها ومربّعاتها وقاعاتها، أم في الرخام الذي يفرش أرض باحتها (أرض الديار) فضلاً عن أحواض الزريعة التي تنتشر في هذه الباحة، ومن الممكن أن يختبئ عدد من الأطفال تحت نبتة من نبتات الشمشير التي بأحواض هذه الباحة.
ويقابل هذا التفرع للدقاقين تفرع آخر يقابله نحو جهة الغرب، وهو الذي يوصل إلى ما يعرف بنزلة طاحون السجن بالخضيرية. وكان من الأسر التي قطنت بالدقاقين: البارودي والفقير والكيال وكيوان والشربجي، وقد تحولت الدقاقين في أيامنا إلى شارع عريض يشغله من الجانبين عدد كبير من المحالّ التجارية ومخازنها لشتّى المجالات الغذائية.

جادة الإصلاح
يتفرع عن شارع الدقاقين عند باب الحديد جادتان الأولى نحو الشرق وتؤدي إلى ما يعرف بجادة الإصلاح والأخرى نحو الغرب وصولاً إلى الصمادية والخضيرية والياغوشية.
فجادة الإصلاح والحال هذه تعتبر من الشاغور الجواني فهي موازية لسور مدينة دمشق من جانبه الجنوبي.

الصمادية والخضيرية والياغوشية
يؤدي التفرع الذي إلى الغرب من نهاية الدقاقين والمقابل لجادة الإصلاح إلى الياغوشية والخضيرية المؤديتين إلى الصمادية. فالياغوشية إلى جامع يحمل هذا الاسم، وتسند تسمية الخضيرية إلى القاضي المملوكي قطب الدين الخضيري وإلى دار القران الخضيرية الموجودة فيها، وإلى الغرب من الخضيرية ثم إلى الشمال تكون الصمادية التي تتصل بسوق الصوف بنزلة (أرض منحدرة) تنعطف في نهايتها إلى الغرب بدخلة مسدودة إلى اليسار من نهايتها كانت مدرسة أبي عبيدة بن الجراح، وقد كان من معلمي هذه المدرسة الابتدائية المرحوم صدقي إسماعيل ومحمد القنواتي وخالد الرفاعي وميشيل كرشة والشيخ بشير الخطيب الذي كان بيته بزقاق البرغل وله مدخل ينفتح على حارة مدرسة أبي عبيدة، وعن طريق هذا البيت كان أبناء زقاق البرغل يداومون بالمدرسة وقد أصبح منهم في أيامنا مهندسون وأطباء.
وكان من الأسر التي عرفتها هذه المنطقة آل حافظ والصفدي وآل الكزبري وخدّام السروجي.

طاحون السجن
فضلاً عن هذا فإن الصمادية تتصل بنزلة طاحون السجن التي تنحدر من نهاية سوق الصوف، وقد أطلقت عليها تسمية طاحون السجن لوجود طاحون في نهاية هذه النزلة، وقد كانت الطاحون في أوج نشاطها في أربعينيات القرن العشرين.

باب الحديد
يقع باب الحديد أو الباب الصغير في نهاية جادة الدقاقين من ناحية الجنوب، وقد أطلق عليه هذا الاسم لأنه من الحديد أو أنه مصفح بالحديد وهو أحد الأبواب التي اختطها اليونان الهلنستيون لمدينة دمشق، وقد خصّ اليونان السلوقيون والرومان الباب بكوكب المريخ، ومن هذا الباب دخل القائد يزيد بن أبي سفيان دمشق يوم فتح العرب دمشق… كما دخل من دمشق السفاح تيمورلنك وأحرقها.
جدد باب الحديد زمن الأيوبيين وسميت مقبرة الحيّ باسمه.
الباشورة
وهي إلى الجانب الشمالي من باب الحديد ونجد إلى الشرق منها محلّة الباشورة التي تميزت بجامع يسمى باسمها، ولما كان موقع الباشورة خارج سور مدينة دمشق الحالي فإن من الممكن القول إن قيام أيّ باشورة كان في الأصل إيجاد سويقة ينجّى منها السكان إذا حوصروا من عدوّ خارجي، وهذا يجعلنا نقول بوجود سور إلى الجنوب من باب الحديد يقابل السور الموجود حالياً وبين هذين السورين تقع الباشورة، ونجد مقابل جامع الباشورة دخلة ضيقة أو حارة تعرف باسم حاردة ستي نفيسة، ويوجد في وسط هذه الحارة صخرة بارزة اعتبروها بطن ستي نفيسة الحبلى!!

مصلّبة الشاغور
وبالاتجاه جنوباً نحو خمسين متراً نجد ساحة (مصلّبة) يطلق عليها اسم مصلبة الشاغور وهي الساحة التي يتفرّع عنها غرباً ما يعرف بشارع البدوي غرباً وبين التربتين جنوباً ثم غرباً إلى ما يعرف باسم النحاتة.

شارع البدوي
يمتد هذا الشارع من مكان تفرّعه بالمصلبة إلى السنانية مقابل حارة التوبة، وكان هذا الشارع يعرف باسم مرقص السودان، ويشغله في فترة الانتداب (الاحتلال الفرنسي) ما يعرف بالمحلّ العمومي أو الكرخانة التي كانت مغلقة عند الشاغور إلا من باب يسمح بمرور شخص أو شخصين معاً، وغالباً ما تكون أبواب البدوي مفتوحة.

بين التربتين
وهي تتفرع عن التفرع المؤدي إلى شارع البدوي قبيل مدخل مكتب الشيخ إبراهيم، ونجد فيها إلى الجنوب جامع الجراح وبعد نحو مئة متر منطقة سكنية تُعرف بالنحاتة، ويسكنها أسر دمشقية كان منها آل الهواري وآل الحلواني، وكان لآل الحلواني الفضل بإيجاد ما يعرف بحلوى الجرادق والحلاوة الجردقية وأنواع أخرى من الحلاوة تمدَّ في صوان، ومنها ما كان بالفول السوداني (فستق العبيد أو القنبز أو القضامة)، وإلى الغرب من النحاتة نجد تربة آل البيت جنوباً وتربة الباب الصغير غرباً.

السروجي
يأتي مقام السروجي في خاتم المصلبة من ناحية الجنوب، ويعرف السروجي باسم بطّاح الجمل، وهناك من يذهب إلى اعتبار أن السروجي مقام لأحد الأعيان في العصر المملوكي ثم تحول إلى مسجد، ومع الزمن اصطلح سكان الحي على اعتبار السروجي مقاماً لوليّ صالح وهم يقولون إن شيخهم هو السروجي، حتى إنهم يقولون في مواكب العراضات التي كانت تقاوم الاحتلال الفرنسي:
هوجي يا شاغور هوجي
نحنا شيخنا السروجي
وتقام في هذا المقام طقوس النوبة أو الذكر في العديد من المناسبات، كما اعتاد بعضهم تقديم النذور للمقام من زيت للإنارة وشموع، وفي هذا المسجد كانت تقوم صلاة الجماعة ولا تزال.

القراونة
جادة تتفرع من محور حي الشاغور الممتد من الدقاقين إلى المزاز، يبدأ هذا التفرع إلى الشرق من مقام السروجي، ويتجه شرقاً إلى ما يعرف بساحة الأليانس أو نهاية شارع الأمين، وفي وسط امتداد تفرع القراونة جادة تأخذ ثلاثة تفرعات ألأولى منها إلى الشرق وفيها دخلة أو حارة مسدودة تعرف باسم دخلة أم نعيم الداية.. وهذا التفرع ينتهي عند بيت القزاز ومن سكانه آل الحمصي.
والتفرع الثاني يأخذ طريقاً ضيقاً يوصل إلى ما يعرف باسم تحت المادنة (المئذنة) عند جامع القربي، ومن سكان هذا التفرع آل الحمصي وشيحا وزغلولة.
أما التفرع الأخير للقراونة فإنه يوصل إلى ما يعرف باسم تحت الحمام (حمام السروجي) وكانت الأنوال التقليدية اليديوية تنتشر على نطاق واسع على الجانب الجنوبي من هذا التفرع ومن أهم سكانه آل بكداش عند أقميم حمام السروجي. ثم يمتد هذا التفرع ليلتقي بالطريق الرئيس لحي الشاغور الممتد من الدقاقين إلى المزاز كما أشرنا.
فضلاً عن ذلك نجد تفرعاً آخر للقراونة يلي التفرع السابق يوصل إلى دار أمانو أو ما يطلق عليه اسم: الحوش وتفرعاً آخر ثالثاً كان يوصل إلى محلة تحت المادنة فزقاق الحكر، وقد حل مكانه في أيامنا ما يعرف بمنطقة عمرانية حديثة تعرف باسم بستان القوتلي.

شارع الأمين
وبالاتجاه شرقاً بجادة القراونة نصل إلى ساحة حسن الخراط عند مدرسة الإليانس حيث نهاية شارع الأمين الذي يشكل الطريق الواصل بين محلة الخراب وبين التقاطع الذي يوصل جادة الإصلاح من الغرب وحارة اليهود من الشرق.
ولعل من الجدير أن نذكر أن تسمية هذا الشارع باسم الأمين إنما هو نسبة إلى السيد محسن الأمين ابن عبد الكريم الحسيني العاملي الدمشقي. وقد كان مكثراً في التأليف.
أما منطقة الخراب المشار إليها، وربما كانت تسميتها بالخراب، إنما هو إشارة إلى الزلزال الذي أصاب دمشق عام 1173 للهجرة ودمر هذه المحلة أو أن التسمية المذكورة كانت نتيجة لما قام الوالي العثماني من ضرب لمدينة دمشق لرفضها إياه وكانت هذه المنطقة أشد تأثيراً حتى أصبحت خرائب فغلب عليها اسم الخراب.

تحت المئذنة
تعد محلة تحت المئذنة عقدة في منتصف الطريق الواصل بين مصلبة حي الشاغور والمزاز، ويتفرع عنها طريق يؤدي إلى زقاق الحكر، وطريق آخر يؤدي إلى زقاق الشيخ، ومن الأسر التي تسكنها أسرة آل دلول.
1- زقاق الحكر: يتفرع زقاق الحكر بالجانب الشرقي من تحت المئذنة ثم ينعطف شرقاً نحو خمسين متراً ليتجه جنوباً موازياً لطريق المزاز فيكون ثلاثة تفرعات الأول يعرف بدخلة النابلسي نسبة لآل النابلسي والثاني هو دخلة الجليلاتي، وكان عند تفرعها بحرة صغيرة تعرف باسم لبحرة التربة، والتفرع الثالث الأخير بدخلة الصباغ لوجود دار الصباغ في بدايته، وفي وسط هذه الدخلة كان سكن آل مريش وكان آخر بيت فيها لآل خنفس، وهذه الدخلات تتجه كلها من الغرب إلى الشرق وقد حل مكانها في أيامنا المنطقة المعروفة باسم بستان القوتلي، مما أشرنا إليها في نهاية فقرة القراونة قبل قليل.
2- زقاق الشيخ: يتفرع زقاق الشيخ عن الجانب الغربي لطريق تحت المئذنة- المزاز عند جامع القربي، كما يوصل إليه عن طريق جادة تتفرع عن جهة الجنوب من طريق مصلبة الشاغور شارع البدوي وذلك من مدخلين متوازيين الأول منهما يؤدي إلى بيت سعد الدين فبيت مجرفة ثم بيت الدن.
ثم ينعطف شرقاً إلى بيت عرفة ثم إلى بيت مريش ثم شمالاً منتهيا إلى بيت دمشقية ليصل إلى محلة تحت المادنة (المئذنة).التفرع الثاني الموازي يوصل إلى نهاية زقاق الشيخ جنوباً مروراً بدار آل الخال (البندقجي) وهؤلاء من وجهاء حي الشاغور شأنهم في ذلك شأن آل الحمصي وخدام السروجي فإذا تابعنا الاتجاه من تحت المئذنة نحو المزاز، نجد إلى اليمين حارة مسدودة تعرف بحارة الرحبي، وهؤلاء كان منهم من يرافق ركب الحج الشامي بصفة عكامة ولهم كلمة مسموعة بين سكان أهل هذه الحارة.
ويقابل تفرع حارة الرحبي بعد نحو مئة متر تفرع آخر لحارة على يسار الذاهب إلى محلة المزاز تعرف بحارة الحصني ونجد في هذه الحارة زاوية لبيت الحصني.

حارة المزاز
تعتبر حارة المزاز المنطقة أو الحارة التي ينتهي إليها امتداد حي الشاغور من ناحية الجنوب. ولعل منشآت هذه التسمية يعود إلى تفرعات للمياه يطلق على الواحد منها اسم المزاز. وما تجدر الإشارة إليه ذلك التفرع للمزاز نحو الشرق فالشمال ما يؤدي إلى بساتين الشاغور التي كان يطلق عليها اسم الشيخ شمعون وقد كان من سكان ذلك التفرع أسرة شيخ الصباغين فضلاً عن تفرع آخر للمزاز ينطلق نحو الغرب يؤدي إلى دار أو منزل المجاهد حسن الخراط، ثم يتابع هذا التفرع اتجاهه نحو الغرب فيوصل إلى مقابر أهل البيت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن