اقتصاد

«عقلنة الدعم» مجددا؟!

علي هاشم :

مع رفع السعر الرسمي لدولار الحوالات الشخصية بحدود 26 ليرة وأقل بقليل لدولار تمويل المستوردات خلال الاسبوعين الأخيرين، يكون المصرف المركزي قد لوح بيده مودعا شهر تشرين الأول على ارتفاع اكثر من 12% في قيمة الدولار أمام الليرة، وهي نسبة وازنة تماما في الحسابات النقدية والاقتصادية.. والمعيشية.
يخيل للمرء – في أغلب الأحيان- أن «مجلس النقد والتسليف» عبارة عن مكتب خشبي يتحلق حوله بيروقراطيو المصرف المركزي وأقران آخرون لهم من مؤسسات اقتصادية محددة، وما إن يقرع جرس جلسة تدبيج النشرة اليومية لأسعار للعملات الأجنبية، حتى يمد كل منهم يده إلى جيبه فيخرج ورقة دون عليها أحد المجاهيل اللازمة لملء الفراغات في معادلة رياضية مدرسية يحتفظ بها الحاكم في خزنته، وعقب إنجاز سلسلة من عمليات الجمع والطرح، تولد النشرة العتيدة بأرقامها الدقيقة التي تمتد لرقمين من أجزاء الليرة، قبل أن ينفض الجمع كل إلى مكتبه بانتظار جلسة اليوم التالي.
في الواقع، لا يجد المرء مهربا من تخيل الإدارة النقدية الوطنية على هذه الشاكلة لاستيعاب السهولة البالغة في قدرتها على إقرار انخفاض مخيف في سعر الليرة خلال شهر واحد محاكية بطريقة صماء العمل المستودعي الذي يقدس توازن مدخلات قطع الحوالات ومخرجات تمويل المستوردات، وسط حيادية حكومية بالغة يترجمها تعاطيها البارد مع الأمر وكأنه شأن نقدي بحت يعني المصرف المركزي والاقتصاد الكلي، ولا يتطلب من أعضائها شرح ما سيجره الأمر من أثقال مضافة تهدد الصمود الحرج للمواطنين، أو الكيفية الاقتصادية التي سيتم من خلالها تقليص ما أمكن من آثاره الكارثية المتوقعة على معيشتهم.
وبرغم الإيجابية التي يتسم بها تعديل سعر قطع الحوالات وأثره المتوقع في تدفق دولاراتها إلى خزينة المركزي، فإن اقترانه بتعديل مواز على دولار المستوردات سينقلب تضخما متراكما مباشراً لن يلبث أن ينعكس –تلقائياً- ارتفاعات مقابلة في أسعار السلع سواء المنتجة محليا أو المستوردة.
الأسوأ لما يأت بعد، فقياساً لـ«العقل المستودعي» الذي برز خلال الآونة الأخيرة كمورثة حكومية طاغية، يمكن للمرء منذ الآن ترقب العرض القادم لحلقة ممتازة من مسلسل «عقلنة الدعم» مفعمة بـ«التناص الأدبي» مع الحلقة السابقة التي قدمها قبل مدة وجيزة وزير «حماية المستهلك»، العضو الممتاز الجديد في «حكومة الحرب»، وجرعنا خلالها قرار رفع سعر الخبز، مع إضافات جوهرية في الحلقة الجديدة قد تنطوي على لقطات مطولة تمتد فيها يد الحكومة مجدداً إلى جيوب المواطنين لإعادة التوازن السعري إلى السلع الأساسية بما فيها المشتقات النفطية، وما يلي ذلك -عفويا- من ولوج الأسواق في متوالية متجددة من فوضى الأسعار.. «إلى أن ينقطع النفس».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن