قضايا وآراء

الانتخابات التركية في ميزان الصراع الإقليمي

القاهرة – فارس رياض الجيرودي :

لا شك في أن النتائج التي رست عليها الانتخابات التركية الأخيرة تشكل خيبة أمل للمعولين على تسوية إقليمية قريبة للصراعات التي اندلعت في المنطقة منذ ضربتها عواصف الربيع العربي الدموي، حيث أعادت هذه الانتخابات ضخ الدماء في عروق حزب العدالة والتنمية الذي حول تركيا إلى قاعدة أساسية لدعم وإسناد الجماعات الإرهابية الملتحفة برداء الإسلام في سورية بشكل مباشر، وفي العراق وليبيا ومصر بطريق غير مباشر، لكن هل تغير هذه النتائج حقاً في ميزان القوى المتشكل في المنطقة في مواجهة قوى الإرهاب والظلام المدعومة من قوى الغرب الاستعماري وأدواتها؟ وهل ستتسبب في انقلاب الحقائق بالنسبة للصراع الأهم المندلع في سورية، وذلك بعد صمود الدولة السورية خمساً من السنين، وبعد أن أثبت حلفاؤها إصراراً على دعمها لم تعد جديته بحاجة لبرهان؟
إن النتائج الأخيرة للانتخابات التركية لن تتسبب في الواقع في إضافة أي رصيد جديد لحساب الحرب التي تشنها الجماعات المسلحة المقاتلة على الأرض السورية، حيث سبق لأردوغان أن وضع سلفاً الرصيد التركي بأكمله في خدمة دعم هذه الجماعات قبل الانتخابات الأخيرة بزمن طويل، مغامراً حتى بالاستقرار الداخلي التركي، لكن مشروعه انتهى بالمجمل إلى حال مأساوية، حيث وجد نفسه في النهاية في مواجهة إمكانيات دولة عظمى في سورية هي روسيا، تقف إلى جانبها دولة كبرى على مستوى الإقليم هي إيران المتهيئة لدور أكبر بعد الاتفاق النووي، مع موقف مهم وإن لم يكن ظاهراً بشكل كاف في وسائل الإعلام من قبل العملاق العالمي القادم الصين والذي نفذت سفنه الحربية خلال شهر أيلول الأخير مناورة مشتركة مع الأسطول الروسي مقابل السواحل السورية، يواجه أردوغان كل ذلك بعد أن تعرى من دعم حلفائه في الناتو والذين قرروا في اللحظة الحاسمة سحب بطاريات الباتريوت التي تم نشرها جنوب تركيا عام 2012 تمهيداً لتدخل جوي محتمل شمال سورية.
يواجه مشروع العدالة والتنمية إذا قراراً حاسماً من حلف عمالقة آسيا الذين شكلوا إثر مؤتمر شنغهاي مشروع قطب جديد مواز للناتو، وخلاصة هذا القرار هو أنه ممنوع نجاح الغرب في لعبة الثورات المصنعة، وفي لعبة استخدام الجماعة المتأسلمة الإرهابية لهز استقرار الدول، ولإعادة تركيب الخرائط السياسية في العالم بما يناسب أهواءه ومصالحه، فهذه الدول الكبرى تدرك جيداً ما يمكن أن يشكله نجاح الغرب في ألعابه الفوضوية من أخطار على أمنها القومي، كما تدرك أن سورية تقدم بصمود جيشها ودولتها فرصةً ذهبيةً لهزيمة الجموح الغربي، ولإيقاف ألعابه الخطرة عند حدها، بالمقابل وصلت لعبة الإرهاب إلى حدودها القصوى في العين الغربية، وأصبحت مخاطرها أكبر على أمن أوروبا والعالم، فعالم اليوم أصبح أشبه بالأواني المستطرقة، لا يمكن أن يؤدي دعم تنظيمات الإرهاب في أحد بلدانه إلا لانتعاش الإرهاب في بلدان العالم كلها، كما أن مشكلة اللاجئين تتفاقم مع استمرار الحرب السورية، وبالتالي لا يبدو الغرب مستعداً بأي حال من الأحوال لخوض مواجهة مع روسيا وإيران ومن خلفهما الصين في سورية، وبالتالي أصبح أفق التحرك الغربي بالنسبة للمسألة السورية لا يتعدى أمل الخروج بتسوية تحفظ ماء وجه الزعامات الغربية التي بالغت في الصعود عالياً على أغصان الشجرة، وهنا لا تجد السياسة الروسية مشكلة في أن تضع للمكابرين سلم النزول في مشهد شبيه بمشهد عودة الأساطيل الأميركية من أمام السواحل السورية عام 2013، وهذه هي الخلاصة التي انتهى إليها مؤتمر فيينا الأخير.
بالمجمل ستجد قيادة العدالة والتنمية نفسها بعد تشكيل الحكومة التركية الجديدة أمام خيارين أحلاهما مر في مواجهة الأزمة التي صنعتها في سورية، فإما تراجع مهين أو صدام مع روسيا ستضطر لخوضه بجبهة داخلية تركية ممزقة، أثبتت الانتخابات الأخيرة تخندق مكوناتها العرقية والطائفية في مواجهة بعضها بعضاً، وقد ينتهي الأمر بانقلاب أبيض داخل حزب العدالة والتنمية نفسه يأتي بقيادة جديدة، وخصوصاً أن الفوز النسبي للحزب لا يتيح تعديل الدستور وتقليد أردوغان رئيساً بصلاحيات سلطان عثماني كما كان يخطط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن