الأولى

فيينا: ربط نزاع سياسي

بيروت – محمد عبيد :

شكلت المواجهة الكلامية المباشرة التي جرت في اجتماع فيينا بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووزير خارجية السعودية عادل الجبير ذروة التعبير عن الاحتقان السياسي الحاد بين الطرفين، والذي كادت ارتداداته أن تفرط عِقدَ هذه الفرصة الأولى وربما تكون الأخيرة لإيجاد تسوية سياسية تنهي الحرب في سورية وعليها.
فالوزير السعودي الذي حاول التحايل على المجتمعين من خلال دعوته إلى تحديد مهلة زمنية للمرحلة الانتقالية المُفترضة والتي يرحل بنهايتها الرئيس السوري بشار الأسد، فوجئ برد الوزير ظريف الذي اعتبر أن البحث في هذا الاجتماع ليس للحديث عن مهل زمنية ولا عن مستقبل الرئيس الأسد، لأن كل ذلك هو من حق الشعب السوري وحده الذي يقرر ما يريد من خلال انتخابات تجري في ظل أوضاع أمنية وعسكرية وسياسية مستقرة. فبادر الجبير إلى الإيحاء باستهزاء بأن الواقع تجاوز هذه المعادلة وبالتالي لا معنى لبقاء الأسد، فجاوبه ظريف بحدة «الرئيس الأسد تم انتخابه بأكثرية شعبية سورية.. فمن الذي انتخب ملكك؟».
على أن تصدي القيادة الإيرانية الدائم لمحاولات نظام آل سعود تحقيق مكتسبات سياسية بعدما عجز عن فرض وقائع ميدانية تُغير موقع سورية ودورها العربي والإقليمي كحلقة ذهبية في محور المقاومة، يتكامل مع المشاركة الفعلية والعملانية إلى جانب الدولة في سورية وشعبها وجيشها العربي بوجه العدوان الخارجي والذي تشكل السعودية أحد أهم وجوهه، وهو اليوم لم يعد منفصلاً عن حالة الاحتدام القائمة بين إيران والسعودية نتيجة الممارسات العدوانية لهذه التركيبة التي تتولى زمام القرار في هذا النظام الهجين، بدءاً من البحرين مروراً بسورية وصولاً إلى اليمن مع مارافق ذلك من محاولات تخريب لاستقرار دول أخرى كالعراق ولبنان، وأخيراً وليس آخراً الموت والأذى الذي سببته للحجاج المسلمين من جنسيات متعددة نتيجة إجراءاتها البدائية، وبالأخص الغموض الأمني الذي لفَّ ومازال مصير نحو 37 حاجاً إيرانياً ومن بينهم ديبلوماسيون أربعة في مواقع قيادية حساسة. وقد حدت هذه الممارسات بمعاون وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية أمير حسين عبد اللهيان إلى التحذير في بعض المجالس الديبلوماسية من أن «صبر طهران ينفد تدريجياً..».
ليست السعودية في موقع يسمح لها بأن تفرض في فيينا رؤيتها للحل في سورية، وهي الغارقة والمستنزفة في هذه الحروب والمواجهات التي يبدو أن الخوف من ارتداداتها عليها وعلى راعيها التقليدي واشنطن، دفعت بوزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى القيام بزيارة تحذيرية للرياض مؤخراً ناقلاً الهواجس الأميركية من انفلات الأوضاع وعدم القدرة على السيطرة عليها، ومتهرباً من الإلحاح السعودي لإنجاز صفقة أسلحة وذخائر أميركية طال انتظارها متذرعاً بضخامة هذه الصفقة وبالتالي الموانع القانونية التي تفرض مرورها بآليات في البنتاغون والإدارة ولا تنتهي في الكونغرس.
وكذلك ليس الكثير من الدول الجالسة إلى طاولة فيينا في مواقع تسمح لها بأن تفرض مفاهيمها حول الديمقراطية ولا تجربتها في احترام إرادة الشعب وحقوقه ولا نموذجها في إجراء انتخابات حرة ونزيهة ولا حتى توقيتها لإنهاء الحرب على سورية وفق أجندة معدة سلفاً لإفراغ سورية من محتواها القومي ومن دورها المتقدم في مواجهة محور واشنطن وأذرعها. ذلك أن هذه الدول ليست في واقع حضاري يتقدم على ما كانت قد بلغته سورية قبل شن هذه الحرب عليها.
قد توحي فيينا بالنهايات السعيدة انطلاقاً من ولادة الاتفاق النووي الإيراني-الغربي في أحضانها، لكن النهايات السعيدة لابد لها من مقدمات إيجابية وهو ما لم نشهده في الجلسات المبعثرة للقوى الإقليمية والدولية المشاركة وما لم يرد في البيان الذي أكد التوافق على الذي لا تختلف عليه هذه القوى.
قد تصح تسمية هذا الاجتماع والاجتماعات التي ستليه بآلية «ربط نزاع سياسي» ترسم صورة الغالب والمغلوب فيه التطورات الميدانية التي مازلنا في بداياتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن