قضايا وآراء

السعودية وواشنطن وجدول العمل الجديد في لبنان

| تحسين الحلبي

في تموز الماضي أعد الباحثان ماتيو بيتي وتريتا باريسي دراسة لمعهد كوينسي الأميركي للأبحاث، عرضا فيها كل أشكال التدخل العسكري التي جرت في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2010 حتى تموز 2021، وتبين أن الولايات المتحدة وظفت دولاً خمساً في المنطقة في كافة تدخلاتها هي إسرائيل والسعودية وقطر والإمارات وتركيا لمشاركتها في هذه السياسة ضد دول أهمها إيران وسورية وليبيا واليمن، وظهر هذا التدخل بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق استخدام قوات لهذه الدول، وكذلك بتقديم الدعم العسكري والمالي والتدريب والمعلومات الاستخباراتية لمصلحة من جرى دعمه والتدخل لمصلحته من المجموعات المسلحة التي زاد عددها في الدول المستهدفة على 200 منظمة مسلحة وفي كل هذه التدخلات والحروب كانت الولايات المتحدة اللاعب الذي يقود ويضع الخطط ويحدد الأهداف والتعليمات وطبيعة المشاركة بالتدخل.

يستنتج الباحثان من سجل بياناتهما عن الحروب والتدخلات العسكرية التي شهدتها المنطقة منذ عام 2011 أن عدم الاستقرار لم تولده دولة واحدة بل عدد من هذه الدول الخمس المتحالفة مع الولايات المتحدة، كما أن الوجود العسكري الأميركي شكل سبباً لاستمرار أشكال التدخل برغم أنه يستخدم دولاً حليفة للتدخل ضد أخرى، ولذلك يبدو أن استخدامه لتدخل هذه الدول جعله يفضل سحب نسبة من جنوده بل ربما كل جنوده في بعض الدول مثل أفغانستان والاعتماد عليها كوكيل للتدخل في المستقبل، ومع ذلك أعرب عدد من المسؤولين في دول الخليج في لقاءاتهم مع وزير الخارجية الأميركي توني بلينكين عن مخاوفهم من استمرار واشنطن في سحب قواتها أو تخفيض عددها في المنطقة، وهذا ما تطلب من بلينكين القيام بطمأنة عدد من وزراء خارجية بعض دول الخليج أثناء اجتماعه بهم في نيويورك في أيلول الماضي وأبلغهم بأن السياسة الأميركية تجد في تطوير قدراتهم العسكرية هدفاً يعزز استقرارهم برغم خطتها لتخفيض عدد القوات نسبياً وكان الرئيس بايدن قد أرسل في شهر أيلول الماضي مستشاره لشؤون الأمن القومي للاجتماع مع عدد من المسؤولين في دول الخليج ولا بد أن يكون من الطبيعي أن يبحث في اجتماعاته هذه موضوعين رئيسين هما: موضوع احتمال أن تتوصل واشنطن إلى اتفاق مع طهران أو لا تتوصل، وتحديد جدول العمل المقبل معها في كلتا الحالتين، وموضوع مستقبل علاقات هذه الدول بسورية بعد انتصارها في الحرب التي شنت عليها بمشاركة عدد من الدول المتحالفة مع واشنطن، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في ظل هذا الوضع: هل ستشهد المنطقة تصعيدا أميركيا ضد إيران وسورية وحزب الله وهل ستستخدم له حلفاءها علناً بطريقة مكشوفة أكثر من أي وقت مضى لكي تكون هي في موقع الوسيط أو المرجع وحدها؟ وهل سيكون لبنان أول من سوف يجري تطبيق هذه السياسة عليه؟

لا أحد ينكر أن القرارات الأخيرة التي أعلنتها الرياض ضد لبنان أول أمس على طريقة الإنذار في موضوع وزير الإعلام جورج قرداحي فاجأت الكثيرين وسوف تحمل معها جدول عمل ملحاً على المنطقة كلها طالما أن الرياض بدأت تسعى لحشد دول أخرى للاصطفاف معها ضد لبنان إذا لم ينفذ شروطها غير المنطقية وغير الشرعية وكأنها في هذا التوقيت الدقيق للوضع في لبنان تريد دفعه نحو الخضوع دون قيد أو شرط وهو الذي انتصر على إسرائيل أكبر قوة حربية في المنطقة، ولم يخضع لها ولا للولايات المتحدة التي تقف خلفها.

يبدو أن الرياض اتخذت قراراً لم تعرضه مسبقاً على أي من حلفائها في مجلس التعاون الخليجي قبل الإعلان عنه، ومن المتوقع أن يؤدي إلى زيادة حجم الانقسام السائد حتى الآن في مجلس التعاون الخليجي بين دول لا تتفق مع السياسة السعودية مثل عمان وربما قطر وبين دولة تخضع للرياض وهي البحرين وأخرى هي الإمارات التي ظهر أنها تختلف مع السعودية في مسائل وتتفق معها في مسائل أخرى، وحين تتأكد هذه النتيجة ستصبح السعودية مثل الدولة التي أعلنت الحرب ثم خسرتها قبل أن تضمن نتيجتها فتظهر ضعيفة جداً بعد استخدامها سلاحاً ارتد عليها، ولا شك أن معظم اللبنانيين الذين يتمسكون باستقلال لبنان وكرامة حكومته يرون المسألة بهذا الشكل وخاصة أن لبنان بكل أطيافه السياسية لم يعلن أي رد له الحق باتخاذه ضد السعودية حين اختطف ولي العهد السعودي رئيس حكومته إلى أن أجبرته دول كبرى على إنهاء هذه العملية المدانة التي شاهد فصولها العالم كله وبرغم ذلك لم تعتذر الرياض عن هذا الانتهاك الصارخ لسيادة لبنان.

في النهاية ستضاف هذه الجولة السعودية الخاسرة إلى سجل الخسائر التي سببتها الرياض لنفسها بعد التحولات التي فرضها الملك سلمان على نظام الحكم السعودي منذ توليه الحكم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن