ثقافة وفن

تعزيز البنية المعرفيّة والثقافيّة والأخلاقيّة للمواطن السوري … العمل على تعزيز دور الثقافة والعلم تلافياً لأخطاء الماضي

عامر فؤاد عامر – تصوير: طارق السعدوني :

يبقى للفكر ونضوجه المكانة الأسمى في المجتمع الحريص على بناء نفسه، وصقل مقدراته، فمن تبادل الخبرات بين أفراده تبدأ الحالة التفاعليّة، الهادفة لصناعة أجيال أكثر وعياً، وأكثر صفاء، إلى تبادل الخبرات يولد الحوار الحقيقي، وتولد النتائج التي يمكنها أن تصنع سياجاً حامياً للجميع، فلا بدّ من الانتباه للجوانب المعرفيّة كلّها من أخلاق، وعلم، وثقافة، وتراث، ولا يهمل جانب ويترك آخر، لأن ذلك لن يحقق الهدف من الحوار الحضاري، وتبادل الفكرة والخبرة.
ضمن هذا السياق الذي يتمحور حول تعزيز البنية المعرفيّة، والثقافيّة، والأخلاقيّة للمواطن السوري، جاء المنتدى الحواري برعاية وزارة الثقافة، والهيئة العليا للبحث العلمي في 11 و12 تشرين الثاني في مكتبة الأسد الوطنيّة.

الهدف
شارك في المنتدى مجموعة من المحاضرين ناقشوا قضايا جوهريّة في الجوانب الثقافيّة، والإعلاميّة، والدينيّة، والتربية، والتعليم، والحياة الاجتماعيّة، والسكانيّة، وما يهمّ المواطن السوري في المرحلة الراهنة، وكانت المشاركة أيضاً في جانب كبير من الحضور المتلقي، ما بين القيادات الحزبيّة، والنقابيّة، والطبيّة، وقامات مهمةّ في الأدب والفكر والثقافة، وبدأ المنتدى بدقيقة صمت تلاها النشيد العربي السوري، وجاء تعريف الحفل بجهود المذيعة «صفاء أحمد» التي قدّمت د. «غسان عاصي» مدير الهيئة العليا للبحث العلمي، الذي قدّم توضيحاً حول المنتدى، والهدف من إقامته، وأشاد بتعاون وزارة الثقافة وإسهامها في المبادرة تجاه أي خطوة تهدف لبناء الإنسان والمعرفة، وقد بين أن هذا المنتدى يأتي امتداداً لفاعليّات مؤتمر نظمته هيئة البحث العلمي في تشرين الثاني من العام الماضي، عن دور المؤسسات العلميّة في بناء الإنسان وثقافته، وأشار إلى وجود إشكاليّة حقيقيّة تواجه المواطن السوري في هذه الفترة من تخلف وفساد وتراجع أخلاقي، وهذا ما دفع الهيئة لإقامة المنتدى الحواري، وأنّ من واجب كلّ المثقفين الوطنيين الانتباه لهذه المشكلة والسعي لمعالجتها بكلّ السبل وصولاً إلى الهدف في تعزيز التماسك الوطني، ومقاومة العدو الأساسي المتمثّل بالصهيونيّة.

من التاريخ للجغرافية
وزير الثقافة أ. «عصام خليل» بدوره؛ وفي كلمة تخصّ وزارة الثقافة، ودورها في الإحاطة بالمشكلة ومعالجتها، وسبل تطوير الأدوات، أضاف بعد تحيّته لإنجازات الجيش العربي السوري، والانتصار الأخير في كويرس، والتأكيد على هذا النصر وأهميته، بأنّه يجب علينا كمجتمع عملي أن نخرج من التاريخ للدخول إلى الجغرافية، وأنّ هناك فارقاً كبيراً بين حياة في الذاكرة وذاكرة في الحياة، ونحن لا ندعو لمقاطعة التاريخ، ولكن ندعو لقراءة نقدية صادقة لما عشناه ولما توارثناه حتى اكتسب شكلاً من القداسة التي ازدادت قساوة في النهاية، لأن الحياة مقدّسة يجب ألا تحمل وقتاً من الندم، وعلينا أن نؤسس ثرواتنا البشرية على مبدأ يخدم الإنسان والاستفادة القصوى من طاقاته، وعلينا الاتفاق على صحة الأهداف ونبلها، ومتى كانت الهويّة مسألة ملتبسة في أذهان السوريين! ومتى كان الموقف من السلطة السياسيّة دافعاً للاصطفاف ضدّ الوطن، والعمل على تمزيقه، بذريعة مناهضة السلطة! وبيّن أن الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها هو بسبب عدم العمل على البنية المعرفيّة والثقافيّة والأخلاقيّة، وتحريضها والعمل على صقلها بعيداً عن التعصب والانفتاح الساذج، فالأجيال لا ترث المفاهيم في الحياة، وإنما تتعلمها وبذلك نكون ناجحين في الحياة وبين جميع الحضارات، وعلينا العمل على بناء الفرد واستثمار المؤسسات وتفعيلها في الوصول للهدف ومقاومة الإرهاب والحرب الظالمة التي تحاول تدمير الثقافة والهويّة، ولذلك يجب أن تحتشد العقول لإيجاد الحلّ والتحكم بمستقبلنا والاستجابة لمقتضياته، كما أشاد بهذا المنتدى الذي يسعى لرصد بدايات الطريق للمستقبل وبين أن هنا ثلاثة أجيال في ميدان البحث. جيل مستمر في قناعاته يصعب إقناعه، وجيل ما زال يمكن التأثير فيه وتصويب طريقه، على الرغم من تعدد المحاولات، فهو جيل مهمّ وخلاّق، وجيل الأمل الذي لا يتحقق بالرغبة، فعليه أن يتحرر من كوابح العقل، ويعبر الزمن بالوعي، ودعا أخيراً لتكاتف الجهود وبناء البشر بالإعمار السليم والانتباه للقاعدة الصلبة في مجتمعنا وهي المرأة.
بين الدين والتربية

قسم المنتدى إلى جلستين فالأولى كانت بمشاركة المحاورين د. عبد الفتاح السيد، ود. كوليت خوري، ود. علي القيّم، ود. حسين جمعة. وفي كلمة وزير الأوقاف د. محمد عبد الستار السيد التي حملت عنوان «دور المؤسسات الدينية في تعزيز البنية الثقافية للمواطن السوري» والتي بيّن فيها عدم تطور الخطاب الديني محليّاً وعربياً وإسلاميّاً وفي كل دول العالم، وهي مشكلة قديمة حديثة، وأشار إلى ضرورة عدم التشتت في الخطاب والتركيز على جوهر الدين والأخلاق دون الاهتمام بالتفاصيل والغوص فيها، وأشار إلى الانتباه لموضوع الأخلاق والتركيز عليه سواء في الكنيسة أو الجامع. بدور د. «حسين جمعة» تحدّث عن موضوع ترسيخ مفهوم الهويّة والمواطنة في الحقوق والواجبات والانتماء الوطني في الثقافة والإعلام وفيها بين دور التربية من مؤسسات ومن تربية تحتاج لتكاتف بين الأسرة والمدرسة ومراحل التعلم جميعها، والبحث عن سبل التربية الصحيحة في اختيار المادة العلمية ومن يقدمها ويدرسها للأجيال في المدرسة وصولاً لمواطنة حقيقية تخدم الدولة المدنية الحضارية في الانطلاق من الذات للآخر ومن الآخر للذات والعلاقة بين الإنسان والآخر لتعزيز الهوية والثقافة والقانون. والإخفاقات التي كانت ووقعنا فيها.

بين الإعلام والثقافة
الأديبة «كوليت خوري» وعن دور المؤسسات الإعلاميّة في تعزيز البنية الثقافيّة للمواطن السوري، علقت حول وجود البنية الثقافية وهل هي مكوّنة فعلاً حتى نتمكن من تعزيزها؟ وبينت أكثر حول مفهوم الثقافة وعلاقتها بالزراعة والإنسان المزروع في أرض وطنه واختلطت ذراته في ذرات الأرض وارتوت من مياهها، وكلمة الثقافة في العربية ومعناها في الأصل، وتعاريفها الغنيّة وصولا لعدم فصل الثقافة عن الأخلاق والوطنيّة، وما بينته المرحلة الأخيرة التي سمتها المحك فظهرت المعادن على حقيقتها فتراجعت الأخلاق لدى الجيل الوسط، وأشادت بالشعب العظيم على مرّ التاريخ الذي ثبت أنه المثقف الأول بين الشعوب، ولا يمكن له التراجع والانهزام لكن يقع العتب على جيل الوسط منه فقط والتي يمكن النهوض به مع مرور الوقت ولو شعرنا بالضعف بسبب ذلك، وأشادت بدور الإعلام ومعناه وأهميته في الحياة العصريّة، مع التركيز على موضوع الأخلاق وأهمية دور المرأة في حياتنا، وبدوره د. «علي القيّم» وعن دور المؤسسات الثقافيّة في تعزيز البنية الثقافيّة للمواطن السوري أشار إلى الهدف من الملتقى والعمل أكثر عليه وعلى تعريف الثقافة المتجدد فهناك 182 تعريفاً في منظمة اليونيسكو وعلى دور الثقافة في حياة المجتمع وتأثيرها وفي تصريح خاصّ لـ«الوطن» يقول أيضاً: «هذا المنتدى هو أول تعاون مثمر بين وزارة الثقافة والهيئة العليا للبحث العلمي، وعنوانه كبير تشارك فيه مؤسسات ثقافية وعلمية مختلفة وما نرجوه أن نصل من خلال هذا الملتقى إلى إعادة الألق لدور الثقافة في حياة الفرد والمجتمع وهذا الدور في حركة مستمرة وبقدر ما للثقافة من دور وأهمية فهي ترسخ هوية الفرد من المجتمع بقدر اهتمامنا بها، وتاريخ وآثار سورية راسخة في الوجدان والفكر والقلب والأبحاث والدراسات، ولكن المهم اليوم هو العودة لفكرنا ورؤانا وأبحاثنا وأهمية الثقافة في حياة الفرد».

قبول الآخر
في القسم الثاني كان المحاورون د. فرح المطلق، ود. موفق دعبول، ود. كمال بلان. في حين جاء اليوم الثاني من المنتدى مع المحاورين: د. أكرم القش، ود. عدنان مسلم، ود. إنصاف الحمد، وأ. أنس يونس. وكانت المحاور في ترسيخ مفهوم الهويّة والمواطنة في المؤسسات الاجتماعية، ودور المجتمع المدني في تعزيز التنمية الاجتماعية في سورية، وتمكين المرأة ودورها في التربية وتماسك الأسرة والمجتمع والهجرة وسبل حلّ مشكلاتها وقد أدار هذه الجلسة د. أيسر ميداني والتي قالت في تصريح خاص للوطن: «هذه بداية لتكون هناك مبادرات كثيرة وشاملة في كل أنحاء الوطن للتصدي لنتائج الحرب التي مورست على سورية والتصدي للجراح الفكرية والجسدية والنفسية وكيف يمكن بلسمتها في سبيل إعادة البناء والوطن، واليوم هناك أعداد كبيرة من الأطفال سيطر عليهم فكريا وفعليا وجندوا في الفكر التكفيري وتمّ تعليمهم لغة القتل والفصائل العديدة التي تعلمت الإرهاب وكيف يمكن استعادة هؤلاء الأطفال والفصائل لحضن الوطن، أيضاً كيف يمكن مداواة الجراح الناتجة عن الفكر الإرهابي والإجرامي، ولا شكّ أن مجتمعنا أفرز أناساً نشيطين وهبوا لمساعدة الآخرين والمجتمع الأهلي ومئات الجمعيات التي تكونت وهذا شيء يجب المحافظة عليه باتجاه ثورة ثقافية وفكرية ونعيد فيه تملك تاريخنا وثقافتنا من دون إلغاء ورفض وبقبول الآخر واحترام الطفل والمرأة قائم على الفكر المتبادل وقائم على الحوار والعمل على محاربة الجهل، فمن لا يملك الحجة فسيستخدم سياسة القوة والضرب فالمطلوب اليوم أن ننمي الفكر النقدي وأن نتناقش في كل شيء وأيضاً يجب على مجتمعنا أن يقوم على احترام حقوق الإنسان وخاصة في حقوق المرأة التي تعد نصف فرد في هذا المجتمع على الرغم من كل الإنجازات التي تحققها لكن هي في الأسرة لا تأخذ حقها والمرأة من هنا تبدأ الحقّ وأن تكون على قدم المساواة وأن يكون لها صلاحيات رب الأسرة كما للرجل».

تعزيز المعرفة
أيضاً من المشاركين في المنتدى الحواري أ. «فادي برهان» الذي أضاف في كلمة له للوطن: «الحوار يعزز تبادل الخبرات وتبادل الخبرات يؤكد تحقيق المفاهيم العادلة في المجتمع فعندما بدأت سموم الحراك في الدول العربية البعض قال إن هذا ربيع عربي والبعض قال بأنه صحوة إسلامية والبعض قال: إنه ثورة شيوعية وآخرون قالوا: إنه ثورة إنسانية ولكن في سورية الجميع أكد أن ما يحدث في المنطقة العربية هو إرهاب ولو كان المواطن العربي لديه من الخبرات المعرفية والعلمية والأخلاقية لتشخيص الداء منذ البداية لما اختلفت التحليلات . إذاً المطلوب تعزيز معرفة وثقافة وعلم المواطن العربي والسوري الذي يهمنا أكثر ليكون قادراً على معرفة الحقائق كما هي من دون مسميات بعيدة وكل ذلك من أجل استشراف المستقبل».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن