ثقافة وفن

السيد وزير الثقافة: دمشق ليست «المياه العائمة» فمن أجاز تلويثها مع الإصرار؟!

إسماعيل مروة :

صميم الشريف واحد من المثقفين المهمين والرواد في أكثر من صعيد، رحل مكرماً لأنه استحق التكريم، وترك إرثاً غنياً في الأدب والموسيقا، صدرت له عن وزارة الثقافة/ الهيئة السورية العامة للكتاب مؤخراً رواية «المياه العائمة»، وهي رواية تتناول حياة دمشق في الأربعينيات من القرن العشرين، وفي هذه الرواية ما فيها من إساءة، ولو كان المعروض حقيقة، فقد انغمس الروائي من أولى صفحات الرواية إلى خاتمتها في تصوير عالم الجسد المأجور، فتحولت دمشق التاريخ والحضارة إلى مجموعة من البغايا، ما من واحدة منهن ترفض امتهان الدعارة، وأخص الدعارة لا الحب!! فماذا عن قصة الرواية؟!
بداية أنا لست مع الرقابة، وأتمنى أن تتحرر النصوص الأدبية والفنية من الرقابة الوصائية، لكن ما أقف عنده هو الجهة التي تصدر العمل، فمن حق أي دار نشر أو أي كاتب أن يكتب ما يحلو له ويموّله، ولكن عندما تقوم الدولة بإنشاء مؤسسات رديفة لها، فالغاية منها تقديم ما يرقى بالذوق العام، ويقربنا من الحب لا من الدعارة!
عندما قرأت الرواية تذكرتها، وحتى لا يظن أحد أن لدي دافعاً أخلاقياً أو وطنياً يزيد عمّا لديه أسرد حكاية الرواية، فقد كنت قارئاً في الهيئة، وقرأت الرواية مغفلة اسم الكاتب، وكتبت فيها تقريراً بأنها رواية مشوقة، وبأنها تتناول حقبة محددة، والبيئة فيها مدروسة بعناية، لكن المشكلة أن كل هذه الأهمية ضاعت في اللهاث وراء المتعة وبيع الجسد للدمشقيات في ذلك الوقت، ولا يجوز أن يطبع عمل يسيء إلى مدينة أي مدينة، وليس إلى دمشق وحدها، خاصة على مطابع وزارة الثقافة… وبعد أكثر من شهر على هذا الرأي، وأنا لا أعرف الكاتب، جلست مع مدير عام الهيئة السابق في جلسة كانت الرواية الغاية منها، وأعلمته أن الرواية مؤذية للمجتمع الدمشقي، فما بالك إن طبعت في الهيئة، وندّ عنه ما يشي بأن القراء الآخرين لهم الرأي نفسه ومانعوا في نشر الرواية.. استغربت سؤاله يومها: أما من طريق لنشرها؟ لقد عدّل ابن الكاتب.. وكأنه أوحى بأن جهة ما تطلب نشرها!! فأخبرته أن ذاك شأنه ويتحمل مسؤوليته، وكم من كتاب صودر لجملة أساءت لمجتمع أو مذهب أو طائفة أو جماعة، فكيف إذا كان العمل يسم المدينة التي يتغنى بها أبناؤها والأغراب؟!
أظهر الدكتور جهاد يومها اقتناعه، وقال: ماذا نفعل هناك إجماع على رفضها؟!
وصدرت الرواية أسرع مما كنت أتخيل، وبتعديل كلمات من ابن الروائي، وسؤالي اليوم: إذا كانت الهيئة لا تعتد بآراء جملة قرائها، وتنشر فلمَ تكلف نفسها وتتعب القراء في التقويم؟ وإن كان الكتاب يطبع بهاتف أو عبارة من دون اكتراث لآراء القراء فما الذي يقوم به هؤلاء بعملهم؟
والسؤال الأهم: أرجو من السيد وزير الثقافة، وهو أديب وشاعر أن يستدعي ملف الرواية كاملاً، لمراجعة آراء القراء الذين قوّموا الرواية، ولاستيضاح آلية طباعة الرواية، إن لم يكن له من دور في دفعها!!
بعد رفض ثلاثة قراء كما علمت من د. جهاد في تلك الجلسة كيف يتم دفع العمل إلى الطباعة وبسرعة فائقة؟ من المستفيد من ذلك؟ كيف يصادر كتاب لعبارة مؤذية ويعاقب من قاموا بطباعته مع أن القارئ أجازه، ولا يسأل عن كتاب يحوّل دمشق إلى بيت بغاء وماخور، ويحوّل دمشق إلى عاهرة لمن يدفع؟
المطلوب من السيد الوزير أن يحقق بنفسه في الأمر لاستجلاء حقيقة الطبع مع وجود التقارير التي ترفض، ليعزل ذاته عن الأمر على أقل تقدير.
للمرة التي لا أعرف رقمها يحدث هذا الأمر في وزارة الثقافة السورية، فكتاب يشتم سورية «سورية في كتابات مستشرقين روس» وقد كتبت عنه وتمت مصادرته ولكن بعد أن طبع على نفقتنا وهو يشتمنا، ولم يكترث المعنيون يومها حتى وصل الأمر إلى الجهات الحريصة على سورية وإحساس أبنائها… وكتاب يطبع من عمق التاريخ ليسيء إلى سورية ويصادر كذلك، وكتاب يختار من التراث وهو آخر كتاب أحدث مشكلة، لأنه أساء إلى شريحة كريمة من السوريين، وتمت مصادرته، وأعفي من أعفي بسببه، ألم نجد في تاريخنا سوى الإساءات لنشرها؟!
قلت الاعتراض الوحيد على هذه المطبوعات أنها تطبع على نفقة الوزارة، أي على نفقة السوري، ويتقاضى مؤلفها مكافأة، ويستفيد المروج لها..!
بإمكان المؤلف أو المحقق أن يختار المنبر الذي يشاء، ولكن ليس في وزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب العرب.
أفهم أن يكون أحدهم جريئاً، لكن بذاته ولذاته!
أفهم أن يرفض أكثر من كاتب قارئ نصاً بسبب مستوى فني، ومع ذلك يصبح هذا الكتاب متداولاً بين الناس، ويضرب بالرأي الناقد عرض الحائط.
لكن الذي لا أرغب أن أفهمه هذه الإساءات بالجملة، وعلى نفقة السوريين، وعلى مطابع وزارة الثقافة، حتى لتكاد رزمة الكتب التي تصلنا من الهيئة لا تحوي كتاباً يتحدث عن الحب أو يدعو للحب!!
الرواية كما عرفت بعد صدورها للراحل صميم الشريف، وهب أنها كانت له أو لي أو لك محبوبة بدوي الجبل وشوقي ونزار قباني وسعيد عقل ومحبوبتك ومحبوبتنا جميعاً من أجاز تشويهها مع وجود الحالات الفردية؟ من سمح لنفسه إجازة تعهير مدينة بحجم دمشق وتاريخها وكثرة عشاقها؟
هل تتحول الوزارة إلى ناشر رديء ينشر ما يروق وما يسوّق؟
الأمر بعهدتك، ونرحب بالرأي لإطلاع القارئ بما وصلتم إليه، فالإساءة لدمشق تصبح الإساءة إلى الأنبياء والآلهة، ولأنني لا أريد الإساءة إليها لم أستخرج أمثلة.
أضع هذه القصة بين يديك راجياً تحديد من أساء إلى دمشق عمداً مع سابق الإصرار، دمشق المدينة التي يعجز الكون عن تلويث نقائها.
هل يحدث أم أن دمشق مثل حمزة بن عبد المطلب «لا بواكي لها»؟!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن