قضايا وآراء

ماذا يجري في كامب ديفيد؟!!

باسمة حامد

 

استبق الإعلام السعودي قمة كامب ديفيد بتسويق عناوين افتراضية حولها على أساس أن اللقاء سيشهد توجيه «رسائل شديدة اللهجة» لسيد البيت الأبيض من قبل دول خليجية وفي مقدمتها السعودية!!
لكن الرسائل «الشديدة اللهجة» في واقع الحال كان أوباما قد بادر إلى توجيهها للخليجيين عند توقيع الاتفاق الإطاري بين إيران والسداسية الدولية، فالرئيس الأميركي قالها صراحة: «أمن دول الخليج مرتبط بالتهديدات الداخلية وسخط الشباب وليس بالملف النووي الإيراني»، ويبدو أن الولايات المتحدة استدعت ملوك وأمراء الخليج لإعادة تقييم الأوضاع في المنطقة ومن ثم وضع النقاط على الحروف قبيل إنجاز التسويات الإقليمية المنتظرة.
وثمة مؤشرات تعزز التوجه الأميركي الجديد منها:
– اجتماع فلاديمير بوتين بوزير الخارجية الأميركي في سوتشي مؤخراً وهو أول لقاء شخصي بين الرئيس الروسي ومسؤول أميركي رفيع المستوى (منذ تدهور العلاقات بين البلدين على خلفية الأزمة الأوكرانية)، وتأكيد جون كيري أهمية «الحفاظ على خطوط التواصل بين الولايات المتحدة وروسيا في الوقت الذي نقوم فيه بحل قضايا عالمية»، وضرورة التوافق بين موسكو وواشنطن على الملفات الدولية «كحاجة ملحة».
– اتفاق لافروف وكيري على: «ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى إطلاق حوار متكامل بين دمشق والمعارضة السورية»، وتأكيدهما تسوية الأزمة الأوكرانية «بالطرق السياسية» بحسب بيان الخارجية الروسية.
– التشدد الروسي الإيراني في موضوع مكافحة الإرهاب، فموسكو تعتبر نفسها «شريكاً مهماً في محاربة التطرف العنيف»، ودعم طهران الكامل لسورية هو «قرار إستراتيجي لإيران» وفق تصريحات مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللـه يان.
– انتقاد المنظمات الحقوقية الدولية مثل (هيومن رايتس ووتش) لدول الخليج بسبب دورها في تكوين الجماعات المتطرفة وانتهاكها لحرية التعبير وحقوق الإنسان والمرأة، مع الإشارة إلى أن هذا الصوت ارتفع بشكل ملحوظ بعد إخفاق عاصفة «الحزم» ومخاوف الدول الكبرى من الانعكاسات الأمنية والاقتصادية على مجتمعاتها بعد صعود المتطرفين المدعومين من الرياض والدوحة وأنقرة.. (وغني عن الذكر أن تلك المنظمات لا تتحرك بدوافع إنسانية كما تدعي لأنها منضبطة على الإيقاع الأميركي).
وبالنظر إلى خسائرها الثقيلة في العراق وليبيا وحرب اليمن والملف السوري ولبنان والبحرين وفلسطين.. تسجل «جردة» الحساب الأميركية الكثير من النتائج التي لا تصب في مصلحة تلك الأنظمة التي أخفقت بتنفيذ المهمة الرئيسية الموكلة إليها أي إضعاف أعداء «إسرائيل»: إيران وحزب الله، فسقوط المشروع التكفيري في سورية وخروج جماعاته المتطرفة عن السيطرة خلط الأوراق وبدل الأولويات، وواشنطن – مع وجود مصادر متعددة للطاقة- ليست مهتمة اليوم بمعالجة استياء الدول الخليجية من سياساتها في المنطقة قدر اهتمامها بتحقيق «توازن إستراتيجي» يناسب مصالحها ويجنبها التدخل العسكري رغم ضخامة الثروة البترولية لدى دول الخليج.
وبناء على ما سبق، ولأن أمنها واستقرارها باتا مرتبطين بالتفاهمات الإقليمية والدولية القادمة، يتعين على الأنظمة الخليجية – وعلى رأسها السعودية وقطر – التخلي عن المكابرة والتكيف مع التحولات التي تشهدها المنطقة على وقع توجه «المجتمع الدولي» نحو لملمة حالة الفوضى العبثية التي عصفت بالشرق الأوسط لتغيير خرائطه دون أن تحقق الهدف المطلوب (وهذا ما سيقوله الأميركيون لها في منتجع كامب ديفيد)، أما تلويحها باستبدال الحليف الأميركي بحلفاء أكثر «مصداقية» كفرنسا وبريطانيا «لكبح النفوذ الإيراني» فهو ليس إلا رهاناً خاطئاً وانفصالاً عن الواقع بسبب تبعية أوروبا لواشنطن، ومضي الأوروبيين نحو إنجاز الاتفاق النووي بصيغته النهائية نهاية الشهر القادم لحاجتهم إلى شراكة حقيقية مع إيران تدفع عن مجتمعاتهم شرّ التنظيمات الإرهابية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن