ثقافة وفن

«أتمنى إذا خسرت ثروتي ألا أخسر جمالي وأناقتي» … صباح في الذكرى الأولى لرحيلها.. بأغنياتها دخلت إلى كل بيت.. وبإنسانيتها وشفافيتها تربعت على كل قلب

وائل العدس :

قبل خمسة أيام مرت الذكرى الـ88 لولادة الفنانة اللبنانية صباح الملقبة بـ«الشحرورة»، وبعد عشرة أيام تمر ذكرى وفاتها الأولى.
رغم تقدمها في السن، رفضت أن تشيخ وأن تعتزل الغناء، واستمرت في إجراء المقابلات والمشاركة في الاحتفالات الفنية، ومن آخر أغنياتها «شو فيها الدني» التي تم تصويرها بطريقة الفيديو كليب.
وكانت صباح رمزاً للأناقة، وعرفت بشعرها الأشقر الغزير المتدلي على كتفيها حتى ارتبطت تسريحتها باسمها، وكانت تردد: «أتمنى إذا خسرت ثروتي ألا أخسر جمالي وأناقتي»، فاستمرت تقاوم الشيخوخة بالغناء والحفاظ على أناقتها واستمرارية حضورها الإعلامي، حتى الرمق الأخير.

خيبات وجراح
تعد صباح كتاباً مفتوحاً على الأمجاد ويحار الباحث في رحلتها عند أي محطة يقف فيها، فلم يكن مشوارها في الحياة مكللاً بالورود، بل كانت هناك خيبات وجراح لم تغص الأسطورة في تفاصيلها لأنها أرادت أن تشق طريقها بالفرح إلى قلوب الناس، وكان لها ذلك، فهي من خلال أغنياتها دخلت إلى كل بيت، ومن خلال إنسانيتها وشفافيتها تربعت على كل قلب.
وُلدت صباح في 10 تشرين الأول في العام 1927 في وادي شحرور، بدايتها الفنية كانت في صغرها في لبنان، واستطاعت أن تتميز بشهرتها المحلية، حتى استطاعت لفت انتباه المنتجة السينمائية اللبنانية الأصل آسيا داغر التي كانت تعمل في القاهرة، فأوعزت إلى وكيلها في لبنان قيصر يونس لعقد اتفاق معها لثلاثة أفلام دفعة واحدة.
ذهبت الصبوحة إلى مصر برفقه والدها ووالدتها ونزلوا ضيوفاً على داغر في منزلها بالقاهرة، وكلف الملحن رياض السنباطي بتدريبها فنياً ووضع الألحان التي ستغنيها في الفيلم، وفي تلك الفترة اختفى اسم «جانيت الشحرورة» وحل مكانه اسم «صباح» في فيلم «القلب له واحد»، ويقال إن السنباطي لاقى صعوبة كبيرة في تطويع صوتها وتلقينها أصول الغناء لأن صوتها الجبلي كان معتاداً على الأغاني البلدية المتسمة بالطابع الفولكلوري الخاص بلبنان وسورية، وهي شقيقة الممثلة لمياء فغالي.
شاركت في السينما المصرية، ولها عدد كبير من الأفلام التي تعتبر هي إحدى نجماتها، ذلك بالإضافة إلى عدد كبير من الأغاني.
وتعتبر الشحرورة ثاني فنانة عربية بعد أم كلثوم في أواخر الستينيات تغني على مسرح الأولمبيا في باريس مع فرقة روميو لحود الاستعراضية وذلك في منتصف سبعينيات القرن العشرين، كما وقفت على مسارح عالمية أخرى عديدة.
«كنز الأسطورة»، هي آخر مسرحياتها وكان إلى جانبها بالمسرحية الفنان جوزف عازار وزوجها السابق فادي لبنان والفكاهي كريم أبو شقرا وورد الخال والأمير الصغير.
أما آخر أعمالها فكانت أغنية «يانا يانا»، التي سبق لها تقديمها بالسابق، إلا أنها عادت وقدمتها بتوزيع موسيقي جديد وشاركت معها الغناء رولا سعد.
ولم يحل ذلك دون احتلالها المركز الأول في المهرجانات اللبنانية والعربية وكذلك الأوروبية، فهي أول فنانة ترجمت الموال والأوف إلى الفرنسية وغنت «ع الندى الندى» في نيويورك، وبلجيكا، ولاس فيغاس، وقدمت خمسة آلاف أغنية وأكثر من 20 مسرحية غنائية، إلى جانب عدد كبير من الأفلام التي احتلت بطولتها والمسلسلات التي شاركت فيها على مدى 60 عاماً من العطاء والنجاح والإيمان بالإنسان.

زيجات
اشتهرت صباح بزيجاتها العديدة، حيث تزوجت نجيب شماس خمس سنوات، وخالد بن سعود بن عبد العزيز آل سعود، وقضت معه عدة أشهر وحصل الطلاق بسبب ضغط من عائلته لتطليقها منه، وتزوجت أنور منسي (عازف كمان مصري ووالد ابنتها هويدا)، وقضت معه أربع سنوات، وأيضاً أحمد فراج (مذيع مصري)، وقضت معه ثلاث سنوات، والفنان رشدي أباظة، وقضت معه خمسة أشهر، والفنان يوسف شعبان واستمر الزواج شهراً واحداً، والنائب يوسف حمود، وقضت معه سنتين، والفنان وسيم طبارة، وقضت معه أربع سنوات، والفنان فادي لبنان، وقضت معه سبع عشرة سنة.
وكانت ترى أن أغلبية أزواجها كانوا يستغلون شهرتها وثروتها لمصالحهم، وهي تقول إنهم يسمونها «مدام بنك» لأنها تنفق المال من غير تفكير على من تحب.

أعمالها
شاركت في السينما المصرية، ولها عدد كبير من الأفلام التي تعتبر هي إحدى نجماتها، ذلك بالإضافة لعدد كبير من الأغاني.
لها 83 فيلماً بين مصري ولبناني، و27 مسرحية لبنانية، وما يزيد على 3000 أغنية، ووقفت على مسارح عالمية أخرى كأرناغري في نيويورك ودار الأوبرا في سيدني، وقصر الفنون في بلجيكا وقاعة ألبرت هول في لندن، وكذلك على مسارح لاس فيغاس وغيرها.
كما شاركت في الكثير من المهرجانات أمثال: بعلبك، جبيل، بيت الدين. ومن المسرحيات التي قدمتها: «موسم العز»، «دواليب الهوا»، «القلعة»، «الشلال»، «ست الكل»، «حلوة كثير»، «عصفور سطح»، «فينيقيا»، «شهر العسل»، «الأسطورة 1»، «كنز الأسطورة» وهي آخر مسرحياتها، وكان إلى جانبها بالمسرحية الفنان جوزف عازار وزوجها السابق فادي لبنان والفكاهي كريم أبو شقرا وورد الخال والأمير الصغير.
أما أشهر أفلامها فهي: «أيام اللولو»، و«المخطوف»، و«ليلة بكى فيها القمر»، و«غيتار الحب»، و«هذا ما جناه أبي»، و«القلب له واحد»، و«الأيدي الناعمة»، و«شارع الحب»، و«الآنسة ماما»، و«مجرم في إجازة»، و«طريق الدموع»، و«شارع الضباب»، و«معبد الحب».
غنت لملحنين كبار أمثال فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وكمال الطويل ومحمد فوزي ومحمد الموجي.
من أبرز أغنيتها: يا دلع دلع، ساعات ساعات، ليلتنا سعيدة، زي العسل، عالعصفورية، أحبك ياني، عاشقة وغلبانة، يا رموش العين.

حياتها في مسلسل
خلال عام 2011 أعد مسلسل يسرد قصة حياة الشحرورة التي جسد دورها الفنانة اللبنانية كارول سماحة.
ورصد مسيرتها على الصعيدين الفني والشخصي من سن السابعة عشرة، ويغوص في حياتها تفصيلياً، ولم ير صباح كإنسان من دون سلبيات، بل كشف ما هو إيجابي وسلبي في شخصيتها في آن معاً.
ويعالج المسلسل المشاكل التي تعرضت إليها الشحرورة منذ مراهقتها في لبنان، وتبنيها في مصر، أولادها، والأزواج، إضافة إلى عائلتها، والكثير من الأمور المتأزمة، والمفرحة على حد سواء.

شهادة
يتذكر الفنان السوري الكبير دريد لحام اللقاء مع صباح العام 1964 حيث كانت بطلة «عقد اللولو» وكيف شعر في أول مشهد تصويري بالرعب والارتباك بوقوفه أمام نجمة النجمات وهو كان في بداية مشواره.

وصية
بعد وفاتها، أعلنت كلودا عقل ابنة شقيقة الشحرورة وصية خالتها، فتوجهت للجماهير قائلة إنها تودعهم وتوصيهم بعدم البكاء وبالفرح والرقص وأنها تمنت أن يكون يوم وفاتها فرحاً وليس حزناً.
كما كتبت أن الشحرورة أوصتها بأن تقول لجمهورها إنها تحبهم وتطلب منهم أن يظلوا يتذكرونها ويحبونها.

شائعات مميتة

قبل وفاتها، أصابتها شائعات كثيرة كانت تفيد بأنها ودعت الحياة، لكنها أكدت بأيامها الأخيرة أنها لم تعد تنزعج من شائعات الوفاة التي تلاحقها كل أسبوع، ولكنها في المقابل تزعج أهلها بمصر وبيروت لتلقيهم برقيات تعزية مع كل شائعة ما يثير قلقهم عليها.
الشحرورة قالت: «لا أخاف الموت أبداً خاصة أنهم يقولون إن من يمت يرَ أحباءه الذين توفوا منذ زمن وأنا اشتقت لأهلي وأقاربي وأصدقائي الذين فارقوني وأود رؤيتهم بعد كل هذه السنوات».
أكثر ما يسعد صباح في أزمتها الصحية أنها تستطيع الإنفاق على نفسها، وهذا ما أوضحته قائلة: «الحمد لله أتلقى علاجي أثناء حضوري هنا ببيروت فقد أصابتني عدة جلطات بمناطق مختلفة من الجسم، ولكن أنا سعيدة أن باستطاعتي أن أتلقى العلاج على نفقتي، وخاصة أن هذا المرض يمنعني من القيام بأشياء كثيرة لذلك أنا استعنت بممرضتين للاهتمام بي، بالإضافة إلى وجود أقاربي بجانبي وجوزيف غريب الكوافير الخاص بي والذي يهتم بي ويعتبرني مثل أمه.. فأنا عمري ما شعرت بالوحدة في وجودهم».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن