ثقافة وفن

الخطأ عمداً ..

د. اسكندر لوقا :

من البديهيات في الحياة أن ترتكب أخطاء عن قصد أحياناً، وأحياناً أخرى عن غير قصد. هذه الحالة تنطبق، من حيث المبدأ، على المجتمعات كافة كما تنطبق على الأفراد كافة.
ومن البديهيات أيضاً أن يكون جزاء الخطأ المرتكب عمدا مختلفا عن جزاء الخطأ المرتكب عن غير عمد، ليس حسب منطق القانون، بل أيضاً حسب المنطق الجمعي العام.
ولكن، ماذا عن اختلاف الرؤية إلى مثل هذه المعادلة في سياق إصدار الحكم على مثل هذه الأمور بتأثير عاملي المكان والزمان، سواء لتبرير أو إدانة المخطئ في حال وقوع الخطأ وما يكون قد ترتب عليه من نتائج؟
لا ريب في أن لاختلاف زوايا الرؤية لوقائع الحياة عموماً دوره في نوع الحكم الذي يصدر على مرتكب الخطأ، سواء باسم القانون أو المنطق أو العرف وسوى ذلك، ولهذا نردد أحياناً مقولة: إنه كثيراً ما يظلم بريء ويبرأ ظالم عن طريق الخطأ. ولكن ما الذي يجعل تداعيات خطأ مضاعف كهذا إذا ما ارتكب عن عمد.
في المجتمعات التي لا تدين بعوامل الخطأ والصواب، طبقا للقوانين الوضعية أو تلك المستمدة مما تعارف عليه الناس بحكم توارث التقاليد، فإن خطأ لا بد أن ينتج عنه خطأ، وبذلك تضيع الحقيقة، وبالتالي قد يظلم بريء حقا وقد يبرأ ظالم حقا. ومن هنا يراهن أحدنا، دائما، على مصداقية القاضي وقدرته على معرفة أين الحقيقة التي تجعله لا يرتكب الخطأ الذي، هو نفسه، يحاول أن يتعرف إليه بين طرفين يتبادلان التهم، أحدهما يدين الآخر، بانتظار صدور الحكم له أو عليه.
هذه المسألة غالبا ما تطرح على بساط المناقشة، في سياق البحث عن دوافع جعل أحد الأطراف المتنازعة أنه، بوجهة نظره على حق، ولا تجد لها حلا إلا باللجوء إلى القانون وإلى قدرة القاضي على تلمس من الذي على صواب ومن الذي على خطأ، ولدور القاضي أهمية بالغة وخصوصاً عندما يكون مسندها الضمير الحيّ، وبذلك يكون الحكم على مرتكب الخطأ حقا، حكما فيه بعد إنساني، وغير قابل للاستئناف كما يقول المنطق.
وكما هو الحال بالنسبة للأفراد، من الطبيعي أن يكون الحال على هذا النحو بين الدول، وإن تكن معرفة أين الصواب وأين الخطأ أحياناً من المستحيلات لعدم خضوع الخلافات بينها لقانون معترف به عالميا وبالتالي قادر على فرض نفوذه في ساحات الخلاف. والزمن الراهن الذي نعيشه، نحن في سورية، على مدى أربع سنوات ونصف السنة مثال على عجز قانون كهذا ملزم للجميع أن يحترموه، كي لا تتفاقم تبعاته على مستوى المكان وما وراءه مع مرور الوقت.
في سياق خطورة ارتكاب الأخطاء الخطرة، يقول العالم والناقد السويسري هنري فريدريك آمييل: «يكون الخطأ أكثر خطراً إذا ما تضمن حقيقة أكثر». والحقيقة هنا ليست بخافية على أحد ممن يتتبع فصول المؤامرة التي تشن ضدنا وضد الدول والشعوب غير القابلة للخضوع لإرادة أعدائها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن