قضايا وآراء

لماذا أصبحت فرنسا المغناطيس الجاذب للإرهاب؟!

تحسين الحلبي :

يبدو أنه من غير المستبعد الاعتقاد بأن واشنطن ولندن نصبتا فخاً لفرنسا في موضوع استهداف داعش لفرنسا في باريس مرتين خلال عام (2015) وبأسوأ العمليات الإرهابية غير المسبوقة في تاريخ فرنسا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.. فتحت عنوان: «باريس المغناطيس الذي يجذب الإرهابيين» كتب (بينوي كامب مارك) الكاتب السياسي في مركز «الدراسات الاجتماعية العالمية» تحليلاً كشف فيه أن (الإرهابيين) الإسلاميين في الجزائر (الذين كانت تدعمهم واشنطن) استهدفوا فرنسا لأنها كانت تدعم حكومة الجزائر وقرارها بعدم السماح لهؤلاء الإسلاميين بحكم البلاد. وفي عام (1994) شنت المجموعات الإسلامية الجزائرية المسلحة عمليتين إرهابيتين في باريس وليون وفشلت في ضرب برج (إيفل) بطائرة مخطوفة في نفس العام.
ويتساءل أحد المحللين في فرنسا عن الأسباب التي تدعو إلى عدم استهداف (داعش) وغيرها من المجموعات الإرهابية في سورية للولايات المتحدة وبريطانيا رغم أنهما يعلنان عن شن غارات على مواقع داعش في العراق وسورية.. ويبدو أن التحليل الذي نشره (كامب مارك) يجيب بشكل غير مباشر على هذا التساؤل حين يكشف أن المجموعات الإرهابية من البريطانيين المسلمين والأميركيين تعمل في سورية ضمن مجموعات القاعدة وداعش والنصرة بشكل يوازي عدد أصحاب الجنسية الفرنسية الذين تجندوا في هذه المنظمات لكن استهداف فرنسا هو الركيزة الأساسية لدى داعش رغم أنها لم تكثف غاراتها على مواقع داعش قبل أحداث 13/11/2015 في باريس.
ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن أول دولة غربية أنشأت علاقات تأييد وطيدة مع الإخوان المسلمين منذ عام 1928 كانت بريطانيا في مصر ثم استقبلت معظم قادتهم بعد ملاحقة عبد الناصر لهم في الخمسينيات والستينيات وأصبحت لندن مقراً لقيادتهم الإرشادية وما تزال بريطانيا على علاقة مع حركة الإخوان المسلمين بعد انتشار عناصرها ومؤيديها في سورية والأردن ومصر وتونس والسودان حتى الآن. وبالاستناد إلى هذا التاريخ سمحت لندن لواشنطن وضمن التعاون الوثيق الأنغلوساكسوني للدول الناطقة بالإنكليزية بتسخير الإخوان المسلمين لمصلحة واشنطن.
وبدأ الإخوان المسلمون يتلقون المنح والتسهيلات للإقامة في الولايات المتحدة وكان منهم محمد مرسي وزملاؤه الذين اعتبرتهم واشنطن أهم حليف استراتيجي لهما وعملت على الاستناد إليهم في توسيع انتشارهما في ليبيا وتونس وسورية بشكل خاص واستلام الحكم في هذه الدول.
ولا شك أن فرنسا برئاسة هولاند لم تدرك ما تحمله هذه الحقائق من أبعاد لا تهم غير لندن وواشنطن فانغمس هولاند بلعبة واشنطن ودعمها ضد سورية وفي ليبيا وفي تونس معتقداً أنه شريك في اقتسام نتائج ثمار هذه السياسة الأميركية ونسي أن الإسلاميين الجزائريين الذين وقفت ضدهم فرنسا لحماية الحكم العلماني الجزائري كانوا من صنع الإخوان المسلمين ولندن وواشنطن التي تسعى لفرض نفوذها الكامل على الجزائر فالمجموعات الإسلامية التكفيرية بمختلف مسمياتها وخصوصاً طالبان والقاعدة كانت تعادي واشنطن لأن الإدارة الأميركية أرادت تسخيرها بطريقة أخرى بعد أن وظفتها في الثمانينيات ضد الاتحاد السوفييتي ولأن القيادات الجديدة التي نشأت فيها في الثمانينيات لم تكن تحت الإشراف المؤثر من بريطانيا.
فواشنطن على سبيل المثال كانت تعرف جيداً أن السعودية تمول بعض هذه المنظمات الإسلامية المتشددة في فترة ما بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان ولم ترغب واشنطن بأن تحاول قوى أخرى توظيف هذا الإرهاب لمصلحتها المتناقضة مع المصلحة الأميركية.
وفي كل هذه الحيثيات لم يكن على فرنسا أن تنضم إلى دعم وتأييد هذه المنظمات ما دام سيدها الأميركي والبريطاني يقومان بتوظيفها لمصالحهما وليس لمصلحة فرنسا أو غيرها.. ولذلك تتحمل القيادة الفرنسية مسؤولية ارتكاب خطأ استراتيجي إذا ما اعتقدت أن واشنطن ولندن ستهتمان بمصلحة فرنسا وهذا ما يفسر أن تكون فرنسا وليس بريطانيا أو أميركا هي المغناطيس الجاذب للإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن