قضايا وآراء

قوائم فيينا وذروة التناقض

مازن بلال :

ظهر التعقيد السوري في التسريبات حول القوائم المقترحة للحوار، فبغض النظر عن الملاحظات بشأن التمثيل لكن الأسماء ترسم مشهدا تراجيديا للمرحلة السياسية القادمة، حيث تركت الأطراف الدولية والإقليمية خلافاتها داخل إطار من التضارب ضمن وفود المعارضة، وإذا كانت شريحة التمثيل أوسع وتتجاوز «الحظر» الذي فرضه «الائتلاف السوري المعارض»؛ لكن طبيعة القوائم ستتركنا أمام موزاييك المصالح؛ دون أي تقاطعات على «لونٍ» سوري يمكن أن يتجاوز الخطوط الإقليمية الحالية.
ورغم غياب الرؤية التي يمكنها انتشال سورية لكن ظهور القوائم مؤشر على انطلاقة سياسية، وعلى احتمالات مرافقة تبدو أكثر غرابة من التحولات التي شهدناها داخل الأزمة منذ بدايتها، ويمكن هنا التركيز على النقاط التالية التي يحملها الحوار السوري وفق معطياته الحالية:
– المواجهة السياسية يريدها البعض خارج الصراع العسكري، وهو ما دفع لإيجاد فرز للمجموعات المسلحة وإعادة تصنيفها وفق مفهوم الإرهاب، ورغم أن معظم الأسماء المقترحة لا تملك سلطة واضحة على المسلحين فوق الأرض السورية، لكنها تملك خط اتصال مع دول إقليمية مؤثرة على الأقل في عمليات التمويل، فالتفاوض على ما يبدو سيسير نحو إيجاد أجنحة سياسية لبعض الفصائل المسلحة.
– يمكن اعتبار إيجاد جناح سياسي هو بداية عملية لتظهير بنية سياسية داخل سورية، بحيث ينطلق التفاوض وتبدأ محاولات وقف إطلاق النار لتتحول الفصائل من «متمردين» (rebels) إلى قواعد سياسية يمكن استخدامها في أي آلية قادمة.
– بالنسبة لـ«ستيفان دي ميستورا» فإن التحول السياسي يستند إلى المحفزات التي سيطلقها وقف إطلاق النار، حيث سيتحول المسلحون إلى «الإدارة» لتوزيع المساعدات، وهذا سيعزز موقف الداعمين الإقليميين للعديد من التشكيلات، وللأسماء المقترحة للحوار من بعض الأطراف الإقليمية.
عمليا فإن الآلية الدولية تريد أن تعكس توازنا داخليا متناسبا مع التوزع العسكري على الأرض، ثم القيام بعملية (process) سياسية استنادا للقوى وفق توزعها الجغرافي، ولكن السؤال هل سيفيد هذا الأمر «محاربة داعش»؟! المسألة هنا تكمن في إيجاد «إغلاق سياسي» على التنظيمات المصنفة إرهابية، فالدول الإقليمية التي تستخدمها ستجد البديل السياسي عبر القوائم المرفوعة للحوار، وتحويل التشكيلات المسلحة إلى قواعد سياسية محمية بحكم الاتفاقات الدولية، ورغم أن هذا السيناريو يبدو طويلا وشائكا لكنه يشكل حالة من «نمذجة» الصراع السوري من خلال التحكم به بطريقة جديدة، فالعمليات السياسية الدولية غالبا ما «تشل» معظم الأطراف، كما حدث في فلسطين أو في دول يوغوسلافيا السابقة أو حتى في بعض الدول الإفريقية، لأنها تغرق الأطراف بالتفاصيل والتفاوض والبرامج الطويلة.
نحن اليوم أمام تصورات لسورية تسعى لحصار «داعش»، ولكنها في المقابل لا تشكل مخرجا للأزمة، ولا تفتح باب الحل السياسي بشكل متوازن يضمن وحدة وسلامة الأرض السورية، رغم أن هذه الوحدة والسلامة يتم تكرارها بشكل دائم في البيانات الدولية، وما نشهده يقدم مؤشرات على أن السيناريو الدولي يتجه لجعل سورية، والعراق أيضا، جغرافية تفصل القوى الإقليمية، وتخلق جبهة سياسية دائمة لاختبارات القوة لمعظم الدول الإقليمية والدولية، فرغم وجود القوات الروسية لكن الاحتمالات القادمة ربما تدفع بقوات متعددة الجنسيات خصوصاً في الشمال الشرقي لسورية، وهو ما لوحت به الولايات المتحدة، فالتوازنات القادمة تسعى إلى «ربط مطلق» بين البنية السياسية السورية وأي توازن إقليمي قادم، فالحل السياسي مازال يراوح ضمن مسار إلغائي لأي عامل سوري داخلي، ويحاول كسر القيم التي أوجدت «الجمهورية» منذ الاستقلال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن