ثقافة وفن

داعش.. «فانية وتتبدد» … أنزور لـ«الوطن»: الدين الذي يدفع لقتل الناس ليس ديناً

وائل العدس :

على وقع الاشتباكات وأزيز الطائرات والقذائف، أنهى المخرج نجدة أنزور تصوير كامل مشاهد فيلمه الجديد الذي يحمل عنوان «فانية وتتبدد» في بلدة داريا بريف دمشق، وتحديداً في الأحياء التي حررها الجيش العربي السوري من رجس الإرهاب هناك، بعد 37 يوماً من التصوير اليومي المتواصل.
ويعد الشريط استمراراً لسلسلة تحدث فيها أنزور عن التشدّد الديني في مسلسلات «الحور العين» و«المارقون» و«ما ملكت أيمانكم»، مع التركيز حالياً على إبراز جرائم الإرهاب والإضاءة على أفكار التنظيمات التكفيرية.
بدأت التحضيرات للفيلم في آب الماضي، وشملت تلقي مجموعة أطفال تدريباتٍ على السلاح فيما يشبه معسكراً خاصاً أعدّه مدربّون مختصون، وكان الهدف من تدريبهم إلقاء الضوء على آليات استغلال «داعش» وتجنيدهم.
وتنقّلت كاميرا أنزور خلال التصوير بين مناطق عدة في دمشق، منها كيوان، ومطار دمشق الدولي، ومشروع دمر، وبساتين العدوي، وداريا التي تضمّنت موقع التصوير الرئيس، حيث بُنيت ديكورات القرية الافتراضية في أحياء عدة، عمل فريق الفيلم على تنظيفها، وإزالة الركام وآثار المعارك من أزقتها.
ويؤدي أدوار البطولة كل من: فايز قزق، ورنا شميس، وبسام لطفي، وأمية ملص، وعبد الهادي الصباغ، وزيناتي قدسية، وحسام عيد، وهناء نصور، ورباب مرهج، وعلي بوشناق، والطفلة إيمي فرح.

قصة الفيلم
تدور أحداث الفيلم (نص هالة دياب ونجدة أنزور، سيناريو ديانا كمال الدين، وإنتاج المؤسسة العامة للسينما) في سورية خلال الفترة الحالية، حيث تسيطر التنظيمات الإرهابية على إحدى المناطق التي ينتمي سكانها إلى طوائف مختلفة وتقوم بفرض الجزية على العائلات المسيحية، والتضييق على العائلات الأخرى واضطهادها، كما تشهد البلدة صراعاً بين تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، تنعكس ويلاته على الأهالي.
وتزداد أمور إحدى العائلات سوءاً بعد محاولة الأمير الداعشي «أبو الوليد» أخذ ابنتهم الطفلة «نور» إلى فراشه زوجةً، فتقوم والدتها «ثريا» بالاستنجاد بابنها «مازن» الجندي في الجيش السوري، الذي يهب مع رفاقه لمساعدة القرية وإنقاذ شقيقته من براثن مغتصبها، ويتعاون في ذلك مع «أبو دجانة» أحد عناصر التنظيم المنشقين، الذي يعود إلى رشده وينحاز إلى إنسانيته بعد ما شاهده من فظائع «داعش».
ويركّز الشريط على إظهار تنظيمي «داعش»، و«جبهة النصرة» من الداخل وتقديم صورة مخالفة لما تحاول تلك التنظيمات تسويقه عن نفسها عبر وسائل الإعلام. كما يعكس الصراع بين التنظيمين على توزيع الغنائم ومناطق السيطرة فيما بينهما.

إنسانية الإنسان
يقول نجدة أنزور لـ«الوطن»إن فيلمه يركّز على إنسانية الإنسان، ولدينا رسالة مهمة نريد تأكيدها من خلاله، مفادها أن الدين الذي يدفعك لقتل الناس من أجل رفع رايته ليس ديناً، والإله الذي يدفعك للقتل لكي تنال رحمته ليس إلهاً. حتى أولئك الذين يصنَّفون على أنهم وسطيون في فهمهم للدين، يحملون مفاهيم مغلوطة عنه. رغم أنّنا نتطرّق أيضاً للمواجهة في ما بينهم، وبين أصحاب الفكر المتطّرف، الذين أحلّوا هذه الإيديولوجيا المتوحشّة محل العقل الإنساني، لنصل في النهاية إلى ما وصلنا إليه.
وأضاف: حين يتدخل الدين بالسياسة ينتج عن ذلك حرب في البلاد وهذه هي نتيجتها، نحن نقول إن دورنا اليوم كفنانين أن نرى «داعشاً» بطريقتنا وليس بالطريقة التي يقدمون فيها أنفسهم على الشاشة.
وأكد أن رسائل الفيلم متعددة، إذ يحكي عن فسيفساء المجتمع السوري، ومحاولة الغرب تخريبه. وتأتي محاولة الفيلم لنقل رسائل عكسية، مفادها أن هذا التخريب سيمتدّ ويصل إليهم. فالنار لا يمكن أن تلتهم البيت السوري فقط، إنما ستلتهم كلّ ما حولها. وهم معرّضون لها في العقود المقبلة إن لم يتنبهوا ويعيدوا صوغ مجتمعاتهم. فالمهاجر اليوم لا يندمج بالمجتمعات الغربية، إنما يبقى على الهامش. لذا من السهل اصطياده وتوجيهه بشكل خاطئ لتنفيذ أجندات سياسية.
هل هذا الفيلم يصب في إطار الشراكة بينك وبين الكاتبة هالة دياب بعد سلسلة من الأعمال المشتركة؟ يجيب أنزور: هالة دياب قدمت الفكرة والنص وتعاونت معها بهما، أما كتابة السيناريو فهي لديانا كمال الدين، هذا الفيلم هو نتيجة للتعاون مع هالة دياب، وهو يأتي بعد فيلم «ملك الرمال»، ونتائجه هي هذا الخراب الحاصل اليوم على أرض سورية والذي نتج منه مخلوق جديد اسمه «داعش»، ونحن نقدم الحلول من خلال الفيلم وكيفية دحض هذا الفكر.
وأوضح أن فيلمه يظهر أن لدينا إسلاماً معتدلاً وهو المعيش في سورية، وهناك تطرّف يحاول تشويه هذا الاعتدال. كما يوجد بينهما رأي مختلف عنهما.
وحول المشهد الأخير الذي يشهد رفع العلم السوري بأيدي الجيش العربي السوري بمساعدة أحد الأشخاص المنشقين عن «داعش» يقول: هذا الوطن لجميع أبنائه المدافعين عنه، هناك كلمة للسيد الرئيس بشار الأسد «إن من لا يدافع عن هذه الأرض لا يستحق الحياة عليها»، إن كانت أيدي أحدهم غير ملوثة بالدماء وكانت لديه الإمكانية بأن يتراجع ويقدم العون للجيش في سبيل الخلاص من الإرهاب، سيكون ذلك أمراً عظيماً، لذا فإننا نريد ترسيخ هذا المفهوم، فهي إشارة في حال وجود من يُقدم على ذلك، ونحن نظهر في الفيلم أحد من يقومون بذلك، وهو شخص من أبناء هذه البلدة التي تحتلها «داعش».
وبالإضاءة على مدينة داريا التي تم تصوير معظم مشاهد الفيلم فيها نوه مخرج الفيلم لعدم توافر إمكانات إنتاجية ضخمة لتعمير مدينة لتصويرها، لذا وجب التوجه لما هو موجود على أرض الواقع، لذلك فإن اختيار منطقة داريا هو موضوع إنتاجي بحت. إذ تتم عمليات التصوير بجانب البراميل المتفجرة وبجوار عمليات القتال، هناك تهديد قائم أينما كان وفي أي وقت، لكن المهم متابعة العمل من دون توقف.
وعن العمل مع المؤسسة العامة للسينما في أول تجربة له قال: كان دورها مهماً وفعالاً. وهي قدمت كل إمكاناتها مشكورة، المؤسسة صاحبة تاريخ كبير في السينما العربية وكان العمل معها مهماً ومفيداً.

التجربة كاملة
بدورها تقول الكاتبة ديانا كمال الدين إن هدفنا الإضاءة على حقيقة «داعش» من الداخل، والتركيز على القصّة الإنسانية. قصة الطفلة «نور» التي تبلغ من العمر 11 عاماً، ومحاولة الأمير «أبو الوليد» اغتصابها تحت مسمى الزواج. هكذا، نحاول استدراج المشاهد لعيش التجربة كاملةً، وتوضيح أن هذا الأمير وأمثاله يفهمون اللعبة تماماً، وهم ليسوا بوارد السعي وراء دولة إسلامية، بل يطمعون بتحقيق مكاسبهم الدنيوية من ذلك: السلطة، والمال، والجنس.
وعن عنوان الفيلم تؤكد كمال الدين أن اختيار هذا العنوان جاء ردّاً على شعار «داعش» «باقية وتتمدّد»، ويركز من اللقطة الأولى في الفيلم، على فكرة التبدّد والفناء برمزية الحبر الذي سنراه ينحلّ في الماء. وهي نظرية الفوضى القائم عليها «داعش». كما أن شخصية «نضال» المدرّس الذي يُشنَق، فمنصبّة على تعليم الأولاد أن ذاك الشعار الذي يزرعه «داعش» خاطئ. فهو جماعة فانية لا باقية. وهذا ما دفع «نضال» حياته ثمناً له.
ولفتت كمال الدين إلى محاولة تقديم شخصيّات تمثّل معظم شرائح المجتمع بهذا الفيلم بقولها، لندحض ما يُقال بأنه لا يوجد سوريون في صفوف «داعش» أو التنظيمات الإرهابية الأخرى.
وأكدت أن الرمزية حاضرة في الفيلم بدرجة كبيرة، سواء بالسينوغرافيا وحركة الكاميرا والحوار. ولا يقدّم أي مشهد مجاناً. وكلّ كلمة جاءت في الحوار في مكانها، وفي توظيف معيّن حيث لا مجال لأي زوائد أو إطالة مع الفيلم الذي تتراوح مدته بين 90 و120 دقيقة بحسب كمال الدين.
وأشارت إلى أننا نضيء في الفيلم على الخلافات العقائدية بين «داعش» و«جبهة النصرة». ونطرح تساؤلات كثيرة عبر الشخصيات. فعبر «أبي دجانة» نطرح الأسئلة: لماذا يقاتل السوري من أجل أمير يسبي نساءه، ويخطف طفلة، ويجمع الأموال ويسرق الآثار؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن