قضايا وآراء

من حرب على سورية إلى حرب مع سورية

تحسين الحلبي :

لم توفر الإدارة الأميركية منذ استهدافها لسورية في آذار عام (2011) استخدام أي وسيلة أو إجراء وحشي من أجل بسط سيطرتها ونفوذها على سورية وكانت تنتقل من خطة لأخرى كلما تمكنت القيادة السورية والقوات المسلحة السورية من إحباط خطتها.. وبلغ أوج الفشل والإحباط الأميركي بعد تراجع أوباما عن شن حرب شاملة بقوات أميركية حشد معظمها في المتوسط فقد قرر الامتناع بعد أن وجد أن القرار السوري بمجابهة واشنطن يُعززه دعم روسي عسكري ودعم إيراني ومن المقاومة اللبنانية فسقطت فكرة الاستفراد الأميركي بسورية لتظهر بعدها فكرة حشد أكبر عدد من الدول ضد سورية وتحويل الحرب عليها إلى حرب العالم كله، وبدأت حملة (شيطنة) القيادة السورية وجيشها على المستوى الإعلامي والسياسي إضافة إلى زيادة إرسال الأسلحة للمجموعات الإرهابية وزيادة عدد قواها البشرية تحت قيادة داعش والنصرة والقاعدة، وفي النهاية تمكنت سورية وحلفاؤها في المنطقة وعلى المستوى الدولي من إحباط خطة أوباما من «حرب العالم على سورية».
وتحويل هذه الحرب إلى حرب العالم على الإرهاب التكفيري ومجموعاته من داعش بعد تنفيذ الخطة الروسية- السورية المشتركة في الحرب على داعش وأمثالها وبعد تحقيق نتائج حاسمة على الأرض السورية في دحر داعش…
وحمل هذا التطور نقطة تحول إستراتيجية لمصلحة جميع القوى والأطراف المتضررة من السياسة الأميركية في المنطقة ومن تسخير واشنطن للمجموعات الإرهابية من أجل تحقيق مصالحها…
وفي هذه المرحلة الحساسة من تطور الصمود السوري وإنجازاته أبعدت سورية خطر السيطرة الأميركية على قرارها المستقل والسيادي قيادة وجيشاً وشعباً وتعزز تحالفها مع قوى إقليمية ودولية لم يعد بمقدور واشنطن تجاهل دورها في المنطقة والعالم، وانهارت قواعد اللعبة الأميركية الأحادية في الشرق الأوسط والعالم لتبدأ قواعد العمل الدولي المشترك بين جميع القوى الكبرى في فرض نفسها داخل ميزان قوى تبدلت فيه نسب القوة بين موسكو وبكين من جهة وبين واشنطن وحلفائها من جهة أخرى لمصلحة جميع القوى المناهضة للهيمنة الأميركية، فقد أصبحت واشنطن بعد تطورات الصمود السوري وأحداث المنطقة وتفاعلات الدور الروسي والإيراني مجبرة على التسليم بما فرضته موسكو وبكين من علاقات مع مصر والعراق واليمن ولبنان… ويعترف المحللون في (البنتاغون) بموجب تحليلاتهم في المواقع الإلكترونية أن الرئيس بوش الابن أراد فرض (سايكس-بيكو) جديدة في المنطقة بالتحالف مع بريطانيا لأن زمن السيد (بيكو) الفرنسي لم يعد صالحاً حين احتل العراق وكان بوش يهدف إلى (ملء الفراغ) الذي تولد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في المنطقة بدءاً من العراق وامتداداً إلى سورية وخطة الشرق الأوسط الكبير بالاستناد إلى تقسيم يحمل اسم (بوش- بلير) هذه المرة… وهذا ما حملته خطة واشنطن- لندن لتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم بموافقة مجلس دول الخليج والذي يقاومه اليمنيون بكل ما لديهم بعد أن أدخلت التطورات عاملاً جديداً في دائرة الصراع الإقليمي وهو التورط السعودي والخليجي بحرب مباشرة مع الأشقاء في اليمن.. وفي هذه الحرب أيضاً لا تزال واشنطن تجد نفسها عاجزة عن تحقيق إستراتيجيتها القديمة الجديدة في منطقة شبه الجزيرة العربية وإحكام السيطرة الشاملة عليها، ولذلك يستنتج البروفيسور الأميركي (توم إينغيل هارت) في تحليل نشره في موقع «انتي وور» الإلكتروني أن السياسة الأميركية ستولد دولاً فاشلة في أفغانستان وليبيا والعراق وهذه الدول شهدت مع واشنطن علاقات صداقة وتحالف قبل أن يُحولها الغزو الأميركي إلى دول فاشلة ولن تتمكن من استعادة استقرارها إلا بعد انعتاقها من الهيمنة الأميركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن