قضايا وآراء

تصحيح بوصلة الحرب على الإرهاب

رفعت بدوي :

قرار محاربة الإرهاب والقضاء عليه ليس بالقرار السهل الممكن تنفيذه بزمن قصير أو بمجرد اتخاذ قرار دولي أو بتأليف تحالف دولي أو أممي أو تحت مسميات وعناوين مختلفة.
إلا أن محاربة الإرهاب سيأخذ هذه المرة طابعا مختلفا ومنحرفا عن بوصلته الصحيحة لأن القوى والدول التي دعمت وسهّلت وسلّحت ودرّبت وموّلت هذا الإرهاب المتفلت من دون ضوابط ودون وازع ولا رادع بقيت خارج دائرة المحاسبة لا بل أنه يُمنع منعا باتا الإتيان على ذكر اسم تلك الدول من قريب أو بعيد خوفا من الإضرار بمصالح وأجندات سياسيه واقتصاديه تعود بالنفع لتلك البلدان التي تُعتبر الراعي الرسمي لهذا الإرهاب المتوحش الملصق زورا بالإسلام والدين الإسلامي.
ولان الإرهاب صار مع سبق الإصرار والترصد مقرونا بالإسلام والمسلمين فإن المرحلة ستكون طويلة ومعقّدة عملياً ونظريا لأن من سيدفع ثمن مكافحة هذا الإرهاب ليس مموليه ولا مشغليه أو داعميه بل المجتمع المسلم الذي يحاول الانخراط بالمجتمع الغربي من خلال بث سموم الحقد والكراهية وشد عصب العنصرية والعداء ضد الإسلام والمسلمين من المتطرفين الغربيين..
الغرب بالعموم سيتخذ إجراءات استثنائية ليس بهدف القضاء على أصل العلة وأصل الإرهاب بل أن الغرب سيجد الفرصة متاحة أمامه لتحقيق ما كان يصبو إليه منذ زمن بعيد تنفيذا لدراسات عديدة من مراكز الأبحاث الغربية الأميركية والأوروبية والإسرائيلية تفيد أن أوروبا إلى زوال وأن الحكم بأوروبا في نهاية العام 2050 سيصبح حكما إسلامياً خصوصاً بعد تزايد أعداد المسلمين في أوروبا، وعلى سبيل المثال فإن فرنسا وحدها لديها أكثر من ستة ملايين مسلم يقطنون فيها وهذا العدد مرشح للزيادة بالطبع إذا ما اخذنا بالحسبان التزاوج وكثرة الإنجاب لدى هؤلاء المسلمين على غير عادة الأوروبيين الذين يكتفون بعدد محدد للإنجاب..
الإرهاب الذي ضرب أوروبا هو نتاج للسياسات الخاطئة التي اتبعتها دول أوروبا ومنها فرنسا تحديدا مفضّلة المليارات من عقد الصفقات الكبيرة العسكرية منها وغير العسكرية على أمنها وأمن أوروبا، تنفيذا لشروط ورغبات الدول الممولة لهذا الإرهاب المتنامي بشكل متسارع، ، ومن تلك الشروط:
تسهيل تجنيد وتدريب وتمويل وتسليح وغض الطرف عن تهريب الإرهابيين عبر مطارات أوروبا إلى الدول التي يراد لها إما أن تكون طيّعة لسياسات تلك الدول الممولة والمسهلة التي تساهم وبشكل فعال بخدمة المشروع الصهيوني الهادف إلى إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين العربية، وإلا فإن أي نظام أو حكومة أو بلد يمتنع عن الإذعان والانصياع لسياسات ورغبات أميركا بتسليم خيراته وخبراته ونفطه وغازه وثرواته لأميركا وللعدو الصهيوني، عندها يتم إرسال واستعمال هذا الإرهاب بهدف التخريب وقلب النظام في الدول الممانعة والعمل على إسقاط رؤسائها وضرب اقتصادها وتهديم تراثها وسرقة آثارها وطمس تاريخها والعمل على التغيير الديموغرافي والسكني وتغيير جغرافيا البلد الممانع وتمزيقه وتفتيته وزعزعة الأمن وإثارة الفوضى فيه على مختلف أنواعها ومسمياتها تماما كما حصل في العراق وليبيا ومصر وسورية.
ليكن معلوما أن الحملات العسكرية وتحريك حاملات الطائرات باتجاه بحرنا ومناطقنا وشن الضربات الجوية وحتى الاجتياحات البرية وتطهير بعض المناطق من الإرهابيين لن تكون امرا ناجعا ومفيدا يسهم بانجاح عملية القضاء على الإرهاب لأنها تبقى بمثابة الالتفاف على الذات لأن الحملات العسكرية التي تشهدها بعض بلادنا العربية بهدف القضاء على الإرهاب تبقى محدودة النتائج إذا لم يتم تصحيح المسار الحقيقي والجدي والمفيد بالحرب على الإرهاب أي بالوصول إلى أصل العلّة للقضاء على العلّة ذاتها وهو تجفيف منابع التمويل العسكري والمادي والكشف عن أسماء الدول الداعمة للإرهاب ومحاسبتها أمام مجلس الأمن الدولي.
ما نشهده اليوم من هجمة عنيفة ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا وأميركا دون الكشف عن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إنشاء وتعاظم قوة هذا الإرهاب يعتبر انحرافا كاملا عن البوصلة الأساسية لتحقيق الهدف المنشود أي القضاء على منبع الفكر وأصل التمويل والتسليح والتدريب والتجنيد لهذا الإرهاب المقيت.
يبقى أمر الاعتراف بخطأ السياسات الغربية الرعناء التي اتُبِعت من حكومات الغرب وأميركا تجاه شعبنا العربي عموماً والمسلم خصوصاً كان ولم يزل أحد الأسباب الأساسية لنشوء وتعاظم الإرهاب في بلادنا العربية وبالارتداد على داعميه في أوروبا والعالم.
بشار الجعفري مندوب سورية في الأمم المتحدة ومنذ سنوات عدة كشف عن وثائق دقيقة حدد فيها بالأسماء دولا ترعى وتغذي الإرهاب في سورية ولم يحرك العالم ساكنا لمواجهة هذه الآفة.
الرئيس الروسي ڤلاديمير بوتين في اجتماع دول العشرين G20 قال إن 40 دولة تشارك في دعم الإرهاب وإن بعضا من تلك الدول هي مشاركة في مؤتمر انطاليا في تركيا كاشفا بالوثائق والأدلة الدامغة والصور عبر الأقمار الاصطناعية وبالإيصالات واللوائح مُظهِرا أماكن التدريب وطرق التمويل وغسل الأموال عبر البنوك التركية وأسماء الدول التي ينبع منها الإرهاب الدولي والممولة له وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا مستضيفة المؤتمر إضافة لمشاركة فرنسا وبريطانيا والولايات والمتحدة الفعالة والمسهلة للإرهاب والإرهابيين.
جاك ميار. نائب وعضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي يقول: علينا عدم دفن رؤوسنا في الرمال وفتح ملفات حلفائنا السعودية وقطر وبعض الدول في الاتحاد الأوروبي التي ساهمت بتغذية هذا الإرهاب.
الجنرال جيمس ماتيس قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي وعند الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس الأميركي في 2013 قال إن اعتماد سياسة التعمية والتضليل من قبل CIA بعدم الإفصاح عن المنبع الأساسي للإرهاب وغض النظر عن ممارسات حلفائنا الخليجيين أمر مخيف وقد نضطر للاستمرار بمحاربة الإرهاب حتى العام 2050.
نقول إن تصحيح اتجاه بوصلة الحرب على الإرهاب هو في الولوج في أصل الداء لإيجاد الدواء، وأسرع الطرق للحصول على الدواء تكمن بوقف الدعم سياسيا وماديا وإعلاميا. وتجفيف منابعه الايدولوجية والضغط على الدول الداعمة له وانصياعها لاعتماد سياسات مغايره لسياساتها المتبعة في المنطقة والبدء باعتماد مسار صحيح وجدي في محاربة الإرهاب، ، وإلا فإننا سنبقى مسمّرين أمام شاشات التلفزة نشهد على عمليات إرهابيه متكررة مملوء بالدماء البريئة في شتى أنحاء المعمورة، باستثناء المستفيد الأول… إسرائيل..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن