قضايا وآراء

رسائل إيرانية من المنابر الدمشقية: هل ينقذ أوباما أتباعه قبل 2017؟

فرنسا- فراس عزيز ديب

 

يُعلمنا التاريخ أن الدويلات التي انبثقت عن سقوط الدولة العثمانية المشؤومة في المنطقة، انطلقت مآسيها ببساطة من خطأين لغويين: الأول عند إنشاء «الجامعة العربية»، فالوثيقة الأولى الموقعة في تشرين الأول 1944 تحدثت عن «جامعة عربية»، لكن هناك مقترح استعماري استفاد من جهل بعض القادة فعُدِّلت لتصبح «جامعة الدول العربية». على الرغم من اعتراض البعض إلا أن هناك من أصرّ أن إضافة كلمةٍ ليست بكارثة، مع العلم أن الكلمة حولت الفكرة ببساطةٍ من مفهوم جمعي إلى مفهوم «التبعيض» التشرذمي.
أما الخطأ اللغوي الثاني، بعد هزيمة 1967 جاء القرار 242، الصادر عن مجلس الأمن ليدعو الكيان الصهيوني للانسحاب من الأراضي التي احتلها، لم يكترثوا لغياب (الـ) التعريف وغياب كلمة (كل) من نص القرار. بالتالي بدل أن يكون القرار إلزامياً للمعتدي بإعادة ما استولى عليه بالقوة، أصبح القرار يعطي المعتدي حق اختيار الأراضي التي سيعيدها. سُحبت (الـ) التعريف، لنعود لمفهوم (التبعيض) ولم نستطع حتى الآن استردادها، ليس للتعريف بأراضينا ونكباتنا ونكساتنا فحسب، لكن للتعريف بهويتنا على الأقل.
لم يكن من المصادفة أنه وعشية ذكرى النكبة أن عادت إلينا ذكرى «كامب ديفيد» المشؤوم، الذي كان يوماً بمفهومه الخياني مرتبطاً بشخص، بات اليوم مرتبطاً «ببعض»، فهل حقاً أن ماقبل «كامب ديفيد» ليس كما بعده؟!
غاب من غاب عن هذا الاجتماع، نستثني من حديثنا هذا- من باب الموضوعية- سلطان عمان الذي اعتاد على عدم حضور القمم أو الاجتماعات الخارجية، إضافة للموقف الواضح والمتمايز لسلطنة عمان عن كل الجنون الذي يضرب حكام تلك المشيخات. بمعنى آخر تمكنت عُمان من إيجاد آلية للحوار مع إيران تُنهي وبشكل قاطع فكرة الخطر الإيراني عليها، بتجسيد لما كرره السيد «علي خامنئي» بالأمس بأن توفير الأمن في الخليج يجب أن يكون من ساكنيه، فلماذا لا يجرب الآخرون هذا النهج؟
كُدنا «نجهش بالبكاء» ونحن نستمع لبيان الديوان الملكي لمملكة «آل سعود»، وهو يعلن عدم سفر سلمان للقاء أوباما بسبب انشغاله بمتابعة «ملف توزيع المساعدات على اليمنيين». كثرت التحليلات عن غياب سلمان- أما الباقون فلا مجال لتناول غيابهم لأنهم ظل لـ«آل سعود» لا أكثر فهذا يقول إنه تمرُّدٌ على التوجهات الجديدة للولايات المتحدة في المنطقة، والآخر يقول إن سلمان امتعض من برنامج الزيارة التي سيحاول فيها أوباما إقناع حلفاءه بأن الإستراتيجية الجديدة يجب أن تنطلق من فهم المتغيرات الحاصلة في المنطقة- لا نعلم حقيقةً كيف كان بإمكان أوباما إفهام سلمان هذه العبارة-.
تبدو جميع هذه التحليلات تنطلق من فرضية أن هناك رئيس دولة يستضيف رؤساء دول، لكنها أسقطت سبباً على بساطته يبدو هو العائق الوحيد لحضور سلمان مهما حاولوا الترويج لبطولاتٍ وهميةٍ. إن سبب غياب سلمان لا يعدو عن أنه رجل كما مملكته مترهل لا يقوى على السفر، وليس بإمكانه حضور اجتماعات مطولة، وبطريقة تبسيطية أكثر:
حاله كحال «الشيخ لقيس» في رائعة الرحابنة «ميس الريم» الذي توفي قبل وصوله للاجتماع، لكن هل حمل المؤتمر بالفعل تطمينات لمشيخات النفط؟!
مما لاشك فيه أن هناك خلافات واسعة بين حكام الخليج والولايات المتحدة، ليس على محاباة الولايات المتحدة لإيران فحسب، لكن الأهم هو ما صرح عنه أوباما نفسه يوماً بأن الخطر عليهم يأتي من المشيخات نفسها. لكن ما من عاقل يصدق يوماً أن هذا الخلاف قد يتحول لتمرد، فلا الولايات المتحدة بوارد السماح لها بذلك لما لهذه المنطقة من أهمية، ولا تلك الأسر المتحكمة قادرة أساساً أن تتمرد، تحديداً إنها مشيخات كرتونية، فما حدود مطالبها؟!
دخل الحاضرون للاجتماع متفائلين بثلاثة مطالب، قد يستطيعون الحصول على أحدها:
إما حصول ضمانات التدخل الأميركي المباشر في حال حدوث مواجهة «خليجية ـ إيرانية»، أو الكف عن اللجم الأميركي للاندفاعة «الإسرائيلية» تجاه توجيه ضربة لإيران، وفي أحسن الأحوال قبول دول الخليج بالاتفاق، لكن ضمن شروط وضوابط يمكننا اختصارها بعبارة: (أمن الولايات المتحدة من أمن إسرائيل ومشيخات النفط).
تبدو الولايات المتحدة تسخر من فرضية تدخلها المباشر في المواجهة، كذلك الأمر لا يمكن لها أن تضمن أمنهم باتفاقية دفاعية. لا يبدو أن هناك معلومات لسبب رفض الولايات المتحدة توقيع اتفاقية كهذه، لكن هناك استقراء عملي يوجهنا نحو وجهة نظر تفترض أن الانفجار الداخلي في هذه المشيخات قادم لا محالة، لذلك لا تريد الولايات المتحدة أن تظهر بمظهر المدافع عن حكام لا أكثر، بمعنى أن اتفاقية كهذه ستجعل من الولايات المتحدة حامية لـ«أسر وحكام وعائلات» بطريقةٍ رسميةٍ؛ ليس كما هو الوضع الآن.
النقطة الثانية وهو ما تطمح له الشركات المُصنِعة للأسلحة والتي يُفترض أنها تؤثر في القرار الأميركي، ترى أن اتفاقية كهذه لا يمكن لها أن تكون كيساً للمال، كما هو الحال لقيام الولايات المتحدة بتوسيع الهوة بين إيران ومشيخات النفط لضمان المزيد من إمدادات السلاح «دفاعية أو هجومية؛ لا فرق». الولايات المتحدة لم تعد خائفة من فرضية كسر التوازن مع الكيان الصهيوني، باعتبار أن نتنياهو يعلم تماماً أن هذا السلاح بمأمن ولن يُستخدم يوماً ضد «إسرائيل»، بالطريقة ذاتها التي تكفَّل فيها حكام المشيخات عدم قيام جبهة النصرة وهي أحد فروع تنظيم القاعدة بالمساس بأمن الكيان الصهيوني، حتى إن تصريحات رئيس استخبارات «آل سعود» السابق حول سعي مملكة عائلته لامتلاك برنامج نووي يُجاري النووي الإيراني، لم تلقى أي امتعاض من نتنياهو. أي إن الولايات المتحدة تفضل إمدادات سلاح مقرونة بدرع صاروخي يجعل مشيخات النفط خطاً أولّياً للدفاع عن الكيان الصهيوني، بذريعة وهم الأمن والاستقرار، على معاهدة دفاعية ملزمة للولايات المتحدة، لكن هل أن إيران باتت تنظر للحلف التركي مع مشيخات النفط كاستكمال لتبعية تلك المشيخات؟
بالتأكيد هذا الاحتمال لا يمكن فصله إطلاقاً عن الزيارة التي قام بها رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني «علاء الدين بروجردي» إلى دمشق منذ أيام. لم تكن تصريحات الرجل عادية على الإطلاق. إن رفع سقف الخطاب من على المنابر الدمشقية ضد «آل سعود»، هو بالتأكيد إعلان أن لا إمكانية للتلاقي أبداً- كما نوهنا في مقال الأسبوع الماضي- فماذا يخبئ المستقبل القريب؟!
بدا واضحاً أن المطالب الخليجية سقطت جميعها في كامب ديفيد، أرادوا تحقيق نصرٍ معنوي، بمعنى آخر: لم نقدر على إيران، فعلينا ضرب حليفها. من هنا باعهم أوباما الوهم، وعاد بالأمس ليتحدث عن استمرار «الأزمة» في سورية حتى 2017، ربما انطلاقاً من الوعود التي تلقاها بأن التقدم الملحوظ للمجموعات الإرهابية في سورية سيُستكمل، وكان ضمنها ما حدث في «السخنة» والهجوم على تدمر، تحديداً بعد خروج التعاون التركي- السعودي للعلن، وربما لأن أوباما يدرك أيضاً أن ورطة «آل سعود» في اليمن سيتبَعها انفجار ما «يسعون إليه»، لن تهدأ تشظياته قبل هذا التاريخ.
أما إيران فربما أنها يئست من سياسة الاحتواء لتركيا، وأن الحديث عن «صحوة إسلامية» لكل ما كان يجري في المنطقة من دمار وخراب ما هو في النهاية إلا نقاط قوة تسجل لأردوغان وجنون العظمة الذي يعيشه. بمعنى آخر يستطيع مريدو أردوغان أن يؤجلوا «قيام الآذان» أربع دقائق حتى وصوله- كما فعلوا قبل أمس بافتتاح جامع في اسطنبول- لكن لا يبدو أنهم باتوا قادرين أن يؤجلوا انعطافة إيرانية ما تجاه تركيا، والوسائل الإيرانية باتت كثيرة، أما مدى انطلاقتها الزمني فهو بات مرتبطاً بانتهاء الانتخابات التركية عساها تحمل ما يمكنه الحد من الجنون الأردوغاني.
بالمطلق: تقول الرواية إن أوباما خلال استقباله لولي عهد «آل سعود» وقع في مطب تاريخي عندما تحدث عن تاريخية العلاقات بينهما والتي تعود لعهد (روزفلت- فيصل)، وفي الحقيقة أن تاريخ العلاقات يعود للعام 1945 عندما التقى «ابن سعود الأب» وروزفلت على السفينة «يو اس كوينسي» واتفقا يومها على بديهية «النفط مقابل الحكم». هذا اللغط التاريخي لدى أوباما ربما لن يفهموه جيداً، تماماً كما لم يفهم البعض منهم الفرق بين (الـ) التعريف من عدمها، عندها سنتساءل ترى هل بإمكاننا أن نطلب منهم أن يفهموا ما قاله بروجردي من على المنابر الدمشقية… لا أعتقد أننا سننتظر حتى 2017.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن