قضايا وآراء

لم تعد روسيا وطني بعد الآن!

| د. بسام أبو عبد الله

شكّل انهيار الاتحاد السوفييتي، في كانون الأول 1991، فرصة ذهبية للوبي الصهيوني للتغلغل الواسع، والخطير في مختلف مناحي الحياة الروسية، حيث تمكن هذا اللوبي في مرحلة الرئيس بوريس يلتسين مابين عامي 1991- 1999، من الإمساك بنسبة تصل إلى نصف شاغلي المناصب السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والعلمية الهامة، على الرغم من أنهم لا يمثلون إلا أقل من 1 بالمئة من سكان روسيا البالغ عددهم 170 مليون نسمة.

إذا استعرضنا تلك المرحلة الخطيرة من هذا التغلغل، ستبرز لنا أسماء عديدة ساهمت في تدمير روسيا من الداخل في النواحي كافة، في مقدمة هؤلاء أناتولي تشوبايس الذي تولى اللجنة الحكومية للخصخصة، وكان اليهود عمادها، إضافة لإشرافه على شبكة الطاقة في روسيا، وتشوبايس أصبح وزيراً ومساعداً لـبوريس يلتسين بعمر 34 عاماً عام 1996، وبالمناسبة فإن والدته تعيش نصف وقتها في كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومن الشخصيات اليهودية البارزة في تلك المرحلة ايغور غايدار الذي تولى أعمال رئيس الحكومة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، وسُحبت منه الثقة من مجلس الدوما عام 1992، وكان عمره أيضاً لا يتجاوز 36 عاماً، وبقي يمثل اتجاهاً ليبرالياً يمينياً في السياسة الروسية.

أما بوريس نيمتسوف فقد تولى منصب نائب رئيس الوزراء الروسي في حكومة فيكتور تشيرنوميردين، وكان عمره لا يتجاوز 36 عاما، وسمي كغيره من الشخصيات اليهودية المؤثرة، بـ«الطفل المعجزة»، واستمر بضغط من يلتسين كنائب لرئيس الوزراء في حكومة يفغيني بريماكوف، لكنه انتقل لاحقاً لمعارضة الرئيس فلاديمير بوتين بشراسة، الأمر الذي أدى لمقتله بحادثة اغتيال شهيرة في قلب موسكو في شباط 2015.

كما برز اسم سيرجي كيريينكو الذي تولى رئاسة الوزراء عام 1998، وعمره 35 عاماً حيث أقيل بعد عدة أشهر بعد أن قاد الاقتصاد الروسي للإفلاس، وإعلان عجز الدولة عن سداد ديونها الداخلية والخارجية.

ويأتي هذا التغلغل الصهيوني المبرمج مع قوى العولمة في واشنطن ولندن، كجزء من عملية تدمير روسيا، والسيطرة عليها، ويعود ذلك لأسباب ترتبط بتنظيماتهم السرية عبر تاريخ روسيا الطويل، ودعم الحركة الصهيونية العالمية والغرب عموماً، وظهر هذا الدور من خلال عمليات الاستيلاء والهيمنة على مقدرات الاقتصاد الروسي العملاق، وبروز أسماء يهودية أيضاً هنا مثل بوريس بيريزوفسكي ذي الجنسية المزدوجة الروسية الإسرائيلية، حيث بنى إمبراطورية اقتصادية ضخمة، وكان مرتبطاً بعصابات المافيا التي حكمت روسيا تسعينيات القرن الماضي، واستفاد هؤلاء من الخصخصة التي أدارها رئيس الإدارة الرئاسية الروسية الأسبق أناتولي تشوبايس حيث تمت هذه العملية دون ضوابط، وبفساد كبير حتى إن معلومات كثيرة أشارت إلى خصخصة مشاريع تصل قيمتها لأكثر من 200 مليار دولار بـ7 مليارات دولار فقط، وذلك من خلال التواطؤ بين اللجنة الحكومية المسؤولة، والأوليغارش اليهود.

وضمن إطار هذه الجوقة يظهر اسم فلاديمير غوسينسكي رئيس المؤتمر اليهودي الروسي، ونائب رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، وهو مؤسس ومالك مؤسسة «موست» أي «الجسر» المصرفية الاقتصادية العملاقة، وكذلك رومان إبراموفيتش ملك الألومينوم الذي يسيطر على مصانع ضخمة، والذي استقر في بريطانيا، واشترى نادي تشيلسي لكرة القدم، وبرز اسمه في المفاوضات الروسية الأوكرانية مؤخراً في اسطنبول، ويحمل الجنسية الإسرائيلية، وقيل إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي طالب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بعدم وضع اسمه ضمن قائمة العقوبات الأميركية.

وبالطبع فإن هؤلاء شكلوا حلقة ضيقة حول الرئيس يلتسين من خلال رئيس ديوانه اليهودي الكسندر فولوشين وتشوبايس، وعلاقة بيريزوفسكي الحميمة مع ابنته تاتيانا دياتشنكو يلتسينا التي كانت الحاكم الفعلي لروسيا.

بعد هيمنة هؤلاء على أهم مفاصل الاقتصاد الروسي انتقلوا للهيمنة على الإعلام، وتمكن بيريزوفسكي من السيطرة على القناة الأولى الروسية، ويتابعها 37 بالمئة من المشاهدين الروس، وصحيفة «نيزافيسيميا غازيتا» أي «المستقلة» واسعة النفوذ، وأما غوسينسكي فقد سيطر على قناة أخرى يتابعها 18 بالمئة من المشاهدين الروس، وأسس صحيفة اسمها «سيفودينا» أي «اليوم»، وإذاعة «صدى موسكو» الليبرالية.

هذه خلفية تاريخية لابد منها لفهم طبيعة المعركة التي خاضها الرئيس بوتين منذ توليه السلطة في 26 آذار 2000 حيث حظي برعاية هذا اللوبي من خلال أناتولي تشوبايس، الذي تلقى تعهداً من بوتين حسب روايات روسية عديدة بعدم الاقتراب من هذا اللوبي المسيطر منذ أيام يلتسين، وعدم فتح ملفات فساده، ولكن ما أن بدأ بوتين بالحديث عن مكافحة التهرب الضريبي والجريمة المنظمة، حتى انقض عليه اللوبي الصهيوني عبر وسائل إعلام بيريزوفسكي، وغوسينسكي، وبضراوة كبيرة، لأن أي اتجاه سيادي قومي وطني روسي سوف يكشف دور هؤلاء الملتبس والمتآمر على روسيا وشعبها، ودورها التاريخي في محيطها الحيوي والعالمي، الأمر الذي أجبر بوتين على إعادة السيطرة على وسائل الإعلام الرئيسية، وملاحقة هؤلاء بتهم مختلفة، ما اضطر كثيرين منهم للجوء للغرب، أو إسرائيل آخذين معهم الأموال التي نهبوها من أعناق الشعب الروسي.

بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا لحماية سكان الدونباس، والأمن القومي الروسي مما كان يعده حلف الناتو، والجناح الصهيوني الآخر له في أوكرانيا بزعامة زيلينسكي، اليهودي الإسرائيلي، أيضاً، وداعمه الاوليغارش الصهيوني كولومويسكي، راجع مقالنا في صحيفة «الوطن» بعنوان هل كل هذا مجرد صدفة بتاريخ 31/3/2022، نجد أن أدوات الولايات المتحدة داخل روسيا بدأت بالهروب، وترك السفينة الروسية، وعلى رأس هؤلاء أناتولي تشوبايس الذي أُبعد بعد تولي الرئيس بوتين الحكم، ولكنه ظل في منصب رسمي تحت مسمى «مبعوث الكرملين الخاص للمنظمات الدولية» حيث استقال بعد بدء العملية العسكرية الروسية أو أقيل، إذ نشر صورة لليهودي بوريس نيمتسوف في ذكرى مقتله في شباط 2015، دون أي تعليق، ما اعتبر موقفاً معارضاً للعملية الروسية في أوكرانيا، ويقال إنه غادر إلى تركيا مع زوجته، وإضافة لـتشوبايس هناك أسماء أخرى مثل رومان ابراموفيتش وغيره ممن جمع أموالاً طائلة داخل روسيا، وبالتالي فإن أصواتاً قومية روسية بدأت تتساءل عما يفعل هؤلاء داخل روسيا، وإلى من ينتمون، ومن يمثلون، وكيف يمكن السماح لحملة الجنسيتين، والثلاث أن يلعبوا هذا الدور وفي هذه المرحلة الحساسة.

وبرز انتقاد آخر تمثل بالإشارة للضعف الروسي في الحرب الإعلامية لإظهار عدالة العملية العسكرية الروسية، والتي تؤكد أطراف روسية مطلعة لنا أن سببه الأساس أن من يتحكم بمفاصل العديد من وسائل الإعلام الروسية هم من أنصار اللوبي الصهيوني، وأن الحرب في أوكرانيا كشفت نقاط الضعف هذه بما في ذلك وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، التي تغلغل فيها أيضاً أدوات هذا اللوبي تحت العناوين الليبرالية، والديمقراطية، ويكفي أن نشير هنا إلى الحملات الإعلامية خلال فترات مختلفة على سورية، ونظامها السياسي حيث كنا نشعر بأن وسائل الإعلام الروسية لا تُحكم من قبل الروس، ومصالحهم القومية، وأن من واجب هذه الوسائل أن تعكس السياسة الروسية الحقيقية، وكان هؤلاء يلعبون دور حصان طروادة تحت عناوين براقة تضر بروسيا أكثر مما تفيدها.

هل آن الأوان للروس أن ينظفوا هذا الطابور الخامس داخل بلادهم، والذي انكشف وانفضح أنه مجرد طابور عميل لا يعكس مصالح روسيا القومية بغض النظر إن كان يهودياً، أم مسلماً عربياً لا فرق، فالعملاء لا دين، ولا قومية، ولا مذهب لهم، ففي سورية خبرنا نماذج مختلفة منهم، هؤلاء مصالحهم الشخصية فوق كل الأوطان.

أحد صناع الأفلام التي كانت تعيش في روسيا، وبنت اسمها هناك، هربت مباشرة بعد بدء العملية العسكرية الروسية، وقالت بعد فرارها، وبدء استعدادها للسفر إلى إسرائيل: «ظننت أنه ما يزال لدي متسع من الوقت، لكنني أدرك الآن أن الوقت قد أزف، لم تعد روسيا وطني بعد الآن»!

هؤلاء هم الذين لا أوطان لهم، بل أوطانهم حقيبة سفر، ورصيد مالي، واستعداد للبيع في أي وقت لمن يعرض عليهم الثمن، أما الوطن فهو قضية أسمى بكثير من مشاعر هؤلاء الجبناء والخونة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن