قضايا وآراء

هل تساعد حرب أوكرانيا على انتشار القومية على حساب الليبرالية؟

| دينا دخل الله

يبدو أن التفاؤل الذي شعر به الليبراليون في العالم الغربي مع بداية حرب أوكرانيا قد بدأ يتلاشى مع استمرار الحرب، فقد اعتقد الليبراليون أن هذه الحرب ستعيد الليبرالية إلى الصدارة وتقضي على الشعبوية التي بدأت في الظهور مع قدوم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

لكن يبدو أن التطورات في الساحة السياسية الأوروبية تشير إلى أن آمال الليبراليين ليست في مكانها، فبدلاً من صعود الليبرالية إلى الحكم تتقدم الشعبوية القومية، وربما يكون الدليل على ذلك فوز رئيس الوزراء المجري اليميني الشعبوي فيكتور أوروبان في الانتخابات، وفي فرنسا انتقلت اليمينية القومية ماري لوبان إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ضد إيمانويل ماكرون وازدادت أرقامها في استطلاعات الرأي، وقد يكون من المستبعد أن تفوز لوبان بالرئاسة الفرنسية، لكن تقدمها دليل على أن الليبرالية تخسر تدريجياً أمام القومية والانعزالية الجديدة، لدرجة أن أكثر المدافعين عن الليبرالية الكاتب فرانسيس فوكوياما كتب في مجلة «فورن بوليسي» مقالاً يناقش فيه «لماذا تحتاج الليبرالية للقومية»؟

فهو يرى «أن دفاع الأوكران عن بلدهم ضد الجيش الروسي ناتج عن إحساسهم بالانتماء إلى هذه الأرض، ما يعلّم الليبرالية قيمة الشعور القومي أو الانتماء القومي»، ويقول فوكوياما: «إن صمود الأوكران في الدفاع عن القيم الليبرالية يأتي فقط عندما تكون هذه القيم مرتبطة بالأرض التي ينتمون إليها».

ساعدت الحرب أيضاً على اهتزاز صورة العالمية الخالصة «العولمة» التي يؤمن بها الليبراليون أي تجاوز الحدود واللغات والتاريخ.

كما قدمت الحرب نموذجاً مدرسياً عن كيف يجمع الشعور بالانتماء القومي مجموعة من الناس المختلفين حول قضية مشتركة بطريقة لم تستطع أي مؤسسة دولية أن تحققها.

قد تكون فكرة فوكوياما عن صمود الأوكران في الحرب بسبب الانتماء القومي صحيحة في حال وجود عدو خارجي يهدد البلاد، لكن على ماذا يجب أن يعتمد المجتمع الليبرالي التعددي للحصول على الشعور بالوحدة في حال السلم»؟ الوحدة الدينية في مجتمع تعددي أمر غير ممكن فهو يوصل إلى الطائفية والعنف»، يقول فوكوياما.

بينما يرى الكاتب روي دوتهات في مقال له في صحيفة «نيويورك تايمز» أن «كلام فوكوياما عن الوحدة الدينية في مجتمع تعددي كلام ساذج»، ويستشهد الكاتب بالليبرالية الأميركية التي اعتمدت لفترة طويلة على إجماع ديني، بدأ بالمسيحية البروتستانتية ثم تطور إلى رؤية أكثر توسعاً لكنها ذات جذور إنجيلية»، ما اعتبر عماداً للمشروع الأميركي خلال القرن التاسع عشر.

لكن منذ ستينيات القرن الماضي بعد تصدع الإجماع البروتستانتي القديم، والنظام الأميركي في بحث مستمر عن نظام ديني يستطيع أن يكون أساس الليبرالية، لكن البحث عن هذا النظام لم ينجح لأن المنظومة الدينية أثبتت أنها محافظة وضيقة الأفق بالنسبة لمجتمع متعدد وليبرالي، ما أدى إلى انهيار هذا التحالف مع انتهاء حكم جورج بوش الابن.

أما المسيحية الليبرالية فأتت مع الرئيسين باراك أوباما وجو بايدن وبدت أفضل لمجتمع متعدد إلا أنها تفقد الحيوية الداخلية التي أدت إلى تنافس بين العنصرية الصاعدة والقومية المسيحية الغاضبة والمستاءة والتي لن تساعد في منح المجتمع التضامن والوحدة.

فهل ستنجح الليبرالية في إيجاد أساس قوي جديد يجمع المجتمع؟ أم إننا سنشهد قريباً صعوداً قوياً للقومية على حساب تراجع الليبرالية؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن