قضايا وآراء

هل يصفق الناتو لـ «شجاعة» أردوغان؟

فراس عزيز ديب – فرنسا :

عندما خاطب وزير الخارجية السوري «وليد المعلم» من سماهم «الحالمين» برحيل الرئيس الأسد، أنهم يحلمون «حلم إبليس بالجنة»، لو أُتيح لوزير الخارجية الفرنسي السابق «آلان جوبيه» أن يتحدث الآن، لقال لهؤلاء «الأبالسة»: صدِّقوه، ألم يقل لي منذ سنوات عندما طالبت برحيل الأسد (إللي بعيش ياسيد جوبيه ياما بشوف).
في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزيرا الخارجية السوري والروسي، بدا واضحاً أن الجانبين تجاوزا «جزئياً» ارتدادات حادث إسقاط الطائرة الروسية من الأتراك، وسحبه من التداول كحدثٍ سينعكس كما افترض البعض على مسار تعميق رسم التحالف السوري الروسي وإظهار التركي بمظهر من كسب نقاطاً على خصميه. على العكس، بدا واضحاً من خلال كلامهما أن الأمور تسير تماماً كما ترسم قيادة البلدين في حربهما على الإرهاب أولاً، وإعادة تكوين الحل السياسي الذي هو نتاج الانتصار في هذه المعركة.
هذا في السياسة والرسائل غير المباشرة، أما في التعاطي الواقعي، فليس في الأفق أي احتمالاتٍ لتهدئةٍ قادمةٍ بين الروس والأتراك، على العكس، الأمور توحي بأن ما هو أسوأ قادمٌ، حتى في الداخل الروسي هناك من سيجد هذه الحادثة وتعاطي الأتراك معها بالكثير من «العنجهية» فرصة لسؤال قيادتهم:
ماذا جنينا من كل هذا التغاضي سابقاً عن عدوانية «العدالة والتنمية» لماذا لم نتعلم حتى من طعنه للقيادة السورية؟
قد يستند هذا التساؤل إلى العديد من الوقائع، فلا المعلومات التي أوردها الجانب الروسي عن تورط قيادات «العدالة والتنمية» بتجارة النفط مع «داعش» هي معلوماتٌ جديدةٌ أو «سريةٌ»، بل أكثر من ذلك ربما لم ينتبه كثُرٌ أن أردوغان ومن حيث لا يدري دعم فكرة تجارة النفط مع «داعش» عندما أعلن عن تشكيل الحكومة التركية الجديدة وتسليم صهر أردوغان حقيبة الطاقة، ولا حتى النزعة المتطرفة لأردوغان هي أمرٌ طارئ عليه.
كذلك الأمر فإنه وعبر سنواتٍ خمسٍ فشلت سياسة «احتواء» العدالة والتنمية فشلاً ذريعاً، وستفشل مستقبلاً، فلا الإيرانيون نجحوا في ذلك حتى من خلال إصرار الرئيس السابق «أحمدي نجاد» على تسمية ما كان يحدث في المنطقة من جنون بـ«الصحوة الإسلامية» كما كان أردوغان يحب أن يسمع، ولا الروس نجحوا في ذلك من خلال ما تم منحه للأتراك من صفقاتٍ وعقودٍ اقتصادية كـ«خط غاز السيل»، طبعاً من دون أن ننسى هنا أننا كسوريين ربما أول من وقع في فخ أردوغان.
كل هذا السعي لإيجاد أرضية تجنب شعوب المنطقة الدمار والخراب، كان أردوغان بنظرته المتطرفة يراها عجزاً وضعفاً، لذلك فإن التفكير بصورةٍ جدية بآلية التعاطي مع الحالة الأردوغانية يبدو وكأنه بات مطلباً يتجاوز حدود «الحلف الروسي» لمحاربة الإرهاب، فما الدليل على ذلك؟
بما يتعلق بالتعاطي الروسي، فلا ينتظر أحد من الذي يستمد طبيعة ردوده وأفعاله من صقيع سيبريا، أن يخرج غداً ليقصف أنقرة، فـ«فلاديمير بوتين» ليس ناشطاً فيسبوكياً كما يعتقد البعض. ليس من الضروري دائماً أن تواجه عدوك وجهاً لوجه، لكن من المفيد أن توجعه في المكان المناسب، قد يكون هذا التصرف أكثر إيلاما له، تحديداً أن الباحث عن السيادة وحماية الأجواء كما برَّرَ إسقاط الطائرة، بدا أضعف من المتوقع، لدرجةٍ خرج فيها مباشرةً ليستنجد بالناتو، مع العلم أن الناتو بحد ذاته وإن كان قد تبنى وجهه النظر التركية وهذا أمرٌ ليس بمستبعد، لكنه كذلك الأمر حاول النأي بالنفس عن فكرة أن يكون هناك قرار من الناتو لاستفزاز الروس في سورية، فهل حقاً أن دول الناتو «الأوروبية» ترفض وبشكلٍ قطعي أي عودةٍ للصدام العسكري مع الروس، لأنها تعلم أنها ستكون مع شعوبها أكثر المتضررين في حين يجلس الأميركي مرتاحاً، فمن حاول توريط من؟
بعيداً عن الاتهامات المتبادلة بطبيعة «قرار» إسقاط الطائرة، وبقراءةٍ واقعيةٍ، فإن قرار إسقاطها يبدو قراراً تركياً صرفاً استفاد من معطياتٍ أميركيةٍ وليس العكس.
هناك من قال إن أردوغان لا يملك القوة ليفعل ذلك منفرداً، لا نعلم على ماذا استندوا في هذا النفي، فالواقع يشير إلى قوةٍ كبرى يمتلكها أردوغان وهي «قوة الوهم» أو «وهم القوة»، كلاهما يصب بمنحى واحدٍ هو أن أردوغان شعر بأنه لم يعد لديه شيء يخسره، فلا الروس سيتوقفون عن تبديد حلمه بمنطقةٍ عازلةٍ «تركمانية»، ولا الخسائر الاقتصادية سيكون لها تأثير على ناخبيه. على العكس أردوغان يعرف جيداً أن مواقف «سيادية» كهذه ستجلب له مناصري الأحزاب القومية المتطرفة، فأغلب الشعب التركي ميال للتطرف من الناحية الدينية أو القومية، وهذا أمرٌ أثبتته نتائج الانتخابات كي لا يظننا البعض بأننا نتجنى على أحدٍ. أما النقطة الأخيرة فهي مرتبطةٌ باليأس من إمكانية جنوح الناتو بشكلٍ عام للتدخل العسكري في سورية، فحاول بهذه الذريعة أن يجر الناتو للمواجهة وليس العكس. يبدو هذا الأمر حتى الآن قد فشل، لكن ما التداعيات المقبلة على المستويين السياسي والعسكري تحديداً فيما يتعلق بالملف السوري؟
في حديثه الأخير، بدأ «لوران فابيوس»، صاحب لقب أسوأ وزير خارجية بتاريخ فرنسا، يستخدم مصطلحاتٍ جديدة في حديثه، من بينها مثلاً الحديث عن مشاركة الجيش السوري بالحرب على الإرهاب، مع اشتراطه الاتفاق على انتقالٍ سياسي. يبدو هذا التصريح بلا معنى، فهو يعرف أن الاشتراط لا طائل منه، بل إن كلام بوتين وبحضور هولاند كان واضحاً ولا يحتاج لتأويلٍ، فهل إن مراوغة فابيوس هي فقط لإرضاء الحلفاء إعلاميا بعيداً عن السعي السري للحصول على ما تيسر من معلوماتٍ من الجانب السوري؟
ربما هي كذلك، لأن استخدامه هذه المرة لمصطلح «الجيش الحر» كشريكٍ في الحرب على الإرهاب بدلاً من «المعارضة المعتدلة» كمصطلحٍ مطاطٍ هو للإيحاء بأن تبدلاً ما في السياسة الفرنسية قد حدث.
من جهةٍ، لنتصور مثلاً أن المجموعة الدولية اتفقت على تحديد الجماعات الإرهابية في سورية من بينها جماعة «أنصار الخلافة» المرتبطة بالقاعدة، عندها على القيادة الفرنسية أن توضح للرأي العام الفرنسي:
كيف وصلت صواريخ «الميلان» الفرنسية لإرهابيي جماعة «أنصار الخلافة» المرتبطة بالقاعدة عندما اقتحموا «خان العسل» في حلب وارتكبوا المجازر بحق المدنيين والعسكريين؟ لا يظن أحد أن الحصول على المعلومات من الجانب السوري سيكون بمنزلة نزهةٍ تتعلق فقط بالإرهابيين والخلايا النائمة أوروبياً، هناك معلوماتٌ قد تكون أخطر حول تسليح إرهابيي الداخل السوري.
من جهةٍ ثانية، هناك سعيٌ فرنسي للضغط على مشيختي قطر و«آل سعود» لإقناع جميع الفصائل الإرهابية الممولة خليجياً برفع علم «الجيش السوري الحر»، لمحاولة تعويمها مستقبلاً في أي حلٍ سياسي، وللتخلص من عبء مصطلح «دعم التنظيمات الإرهابية» الملاصق لكلتا المشيختين ومن يقف معهما بما فيهم فرنسا. إذاً، من الممكن أن نشهد في المستقبل القريب موجةً من «حلق الذقون العفنة»، بل أكثر من ذلك، إذ تشير معلوماتٌ أمنية عن سعيٍ فرنسي جاد لتعيين شخصياتٍ عسكريةٍ من «طوائف وأديان متنوعةٍ» كقادةٍ شكليين في بعض كتائب ما يُسمى الجيش الحر بهدف إعادة تعويم هذا الجيش كممثلٍ لأطياف الشعب السوري في الحرب على الإرهاب.
هذا السعي الفرنسي كانت أولى إشاراته ما طلبه «المواطن التركي خالد خوجة»؛ رئيس ما يُسمى «الائتلاف السوري المعارض»، من جبهة النصرة بإعلان الانشقاق عن تنظيم القاعدة، فهل سيصبح «أبو محمد الجولاني» ماريشالاً من ماريشالات «الجيش السوري الحر» مستقبلاً؟
في كل هذا التشابك والسباق مع الوقت بين الحل العسكري والحل السياسي، كيف تبدو صورة الأيام القادمة؟
بعيداً عن كل الصور التجميلية، يبدو ما يُسمى في سورية «حلاً سياسيا» أبعد حتى من قيام انتخاباتٍ برلمانيةٍ حرةٍ ونزيهةٍ في مملكة «آل سعود». لنعترف أن الجميع بات في صراعٍ مع الزمن لفرض حالةٍ سياسيةٍ انطلاقاً من النصر العسكري. الأمر لم يعد متعلقاً بما يجري في الميدان السوري فحسب، هناك تشابكٌ إقليمي بات أكبر من فكرة خروج الجميع منتصرين أو خاسرين.
إن ثلاثي قطر و«آل سعود» والأتراك لن يتراجعوا، تحديداً وسط تقارير تتحدث عن وصول صفقة صواريخ مضادة للطيران للإرهابيين من أوكرانيا بمساعي قطرية، لمن ستصل هذه الأسلحة؟. حكماً للتنظيمات التي سيتم تصنيفها إرهابية لكي تبقى الحرب مستمرة.
كذلك الأمر علينا الانتباه لهذا الضياع الأميركي وفقدانه لأي إستراتيجيةٍ في المنطقة، فهل بدأ الكيان الصهيوني يحاول اللحاق بركوب موجة وراثة الولايات المتحدة في المنطقة؟ هنا ليس علينا أن ندقق في الحديث عن فتح ممثلية للكيان الصهيوني في إمارة «أحفاد شخبوط»، فالأمر ليس بجديدٍ أياً كانت التبريرات، وهو استمرارٌ لما بدأه «أنور عشقي» بما يتعلق بـ«آل سعود»، لكن لندقق بالمصطلحات التي استخدمها إعلام العدو احتفالاً بهذا الإنجاز العظيم عن ما يُسمى «الدول السنية المعتدلة» في المنطقة ودورها في مواجهه إيران. من هنا علينا أن ندرك أن لا حل إلا بالانتصار العسكري، وإلا فسنصبح سياسياً عداداً «طائفياً» من عدادات الكيان الصهيوني وما يريده من فرزٍ طائفي بالمنطقة، عندها فقط سنعود للسيد «وليد المعلم» وعباراته التي تتحقق ونذكر فيها من لا يزال يصر على حلم تحويل سورية لمزرعة (عثمانو نفطية)، ألم يقل لكم الوزير المعلم يوماً:
القافلة ستسير مهما عوت الكلاب؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن