ثقافة وفن

سامي الشمعة قنديل الصحافة السورية عاش هرماً ورحل لغزاً … فؤاد الشايب: أشرق نجم الشمعة عندما قحم ميدان الصحافة بالثقافة العامة واللغات

شمس الدين العجلاني :

سامي الشمعة صحفي وكاتب سوري وناقد مسرحي، وكان أيضاً من رواد المذيعين، ولد في دمشق عام 1910م وتوفي في عام 1950م.
عمل سامي مراسلاً ومحرراً لعدد من الصحف السورية واللبنانية، وعمل سكرتيراً لصحيفة الأيام في دمشق ثم أسس تباعاً عدداً من الصحف في سورية منها «الدستور»، «السياسة»، «آخر دقيقة».
شارك بتأسيس إذاعة دمشق عام 1940م، وله عدد من المؤلفات والروايات الوطنية والسياسية والنقدية.
كان سامي فتى وسيماً موهوباً، ذا وجه أسمر، وقامة فارهة، أنيق الهندام وحسن المظهر، وهذا ماجعل أصدقاءه وزملاءه يقرنون اسمه بلقب البيك، تقديراً واحتراماً له.

من عاصر سامي في ذاك الزمن قال عنه، هو الرجل الأنيق والفتى وارث الجاه والمال معاً، يختال في شوارع دمشق مسرعاً، وقد أرسل شعره الأسود الكث، كما يرسله فنانو إيطاليا، وأدلى على صدره بطرفي عقدة عنق حريرية، ذات دلع: «كان الفتى ابن الباشا يومئذ أي عام 1930م يشغل شباب الجيل بحديث فتوته السمراء، وشبابه الفاتن، وقيادته الرياضية المرموقة، وكان الجيل الأدبي يتحدث عن الشمعة، كوارث لمجد شاكر الكرمي «أحمد شاكر الكرمي أديب فذ، وكاتب نابغة، وناقد شجاع، ومترجم مجيد، واسع الثقافة، متنوع المعرفة، كتب العديد من الأبحاث والمقالات في الأدب والنقد وقد طفر بنصيب موفور من الشهرة التي تجاوزت حدود بلاده، ونوه به وبأدبه وبموهبته عدد من الأعلام الذين أطروا فكره، وقرظوا ملاءمة هذا الفكر لروح العصر».
كان سامي أول من باشر تلقيح الإنشاء العربي بلقاح الآداب العالمية ويقول فؤاد الشايب عنه: «اشرق نجم سامي الشمعة وتبلجت منه أنوار جديدة، عندما قحم ميدان الصحافة بعدة غنية من الثقافة العامة، ومعرفة اللغات، فكان عام 1935م الصحفي الشاب رقم واحد في سورية» وفؤاد الشايب هو الصحفي والكاتب ومن أصحاب الريادة الأولى في الإبداع القصصي ولد عام 1911م وتوفي عام 1970م، وتقلد عدداً من المناصب منها، مدير عام الإذاعة والتلفزيون، مدير مكتب الجامعة العربية في بوينس إيرس..

من الشمعة؟
هو محمود سامي بن عمر فخر الدين بن أحمد رفيق باشا بن سليم الشمعة.
ولد بدمشق عام 1910م درس الابتدائية والإعدادية في دمشق، والثانوية في المدرسة الأميركية بمدينة عالية اللبنانية وتابع دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت، كان يتقن اللغات الفرنسية والألمانية والإنكليزية والتركية.
لذا تنوعت مصادر ثقافته واطلاعاته، وهذا ما فتح المجال أمامه رحباً في ثقافات متنوعة، وفي مجال الصحافة وجد بوناً شاسعاً بين صحافتنا وصحافة الغرب، فكان شغله الشاغل نقل نموذج الصحافة الغربية ليطبقه على صحافتنا، ونجح في تجديد دم الصحافة السورية ودفع الحيوية بها.. كان الشمعة بارعاً في كتاباته، مشوقاً في أسلوبه، ذكياً في اختيار ألفاظه وكلماته، لم يستطع أحد في ذاك الزمن مجاراته، نضف إلى ذلك أنه كان صاحب خيال خصب وظفه ليخدم أسلوبه الصحفي.. فكان من خياله الخصب أسطورة «الإنسان الغزال» راجع صحيفة «الوطن» مقالتنا من ظرفاء الصحافة السورية وقد وردت أسطورة «الإنسان الغزال» لدى فؤاد الشايب ومهيار ملوحي وعبد الغني العطري.
سامي صحفي سوري متميز مبدع، كان مولعاً بالرياضة وخاصة كرة القدم وعاشقاً للصحافة فبدأ عمله الصحفي بمراسلة جريدة «صوت الأحرار» اللبنانية، وفي عام 1928م عمل في صحيفة «القبس» الدمشقية لصاحبها نجيب الريس وكان عمله بدايةً في تعريب المقالات الواردة في الصحف الغربية، وبدأ بعدها كتاباته السياسية والاجتماعية في الصحيفة ذاتها، كما كان أحد محرري مجلة «العرب» الأسبوعية الفلسطينية عام 1932م.
بعد إنهاء دراسته أصدر جريدة «الحياة الأدبية»، وبتاريخ 26/12/1932م أصدر جريدة «الدستور»، وبعد قرابة سنة ونيف أصدر جريدة « السياسة»، ثم عاد للعمل في عدد من الصحف اللبنانية والسورية وعمل سكرتيراً لتحرير صحيفة «الأيام» الدمشقية لصاحبها نصوح بابيل، ثم أصدر جريدة «آخر دقيقة» بتاريخ 5/7/1946م، ويذكر عبد الغني العطري عن هذه الجريدة: «كان اليوم الذي تصدر فيه «آخر دقيقة» يصيب الصحف اليومية بالكساد، إذ ينصرف القراء إلى التهام أخبار «آخر دقيقة» وتحقيقاتها ومنوعاتها، التي يصوغها سامي الشمعة بأسلوبه الرشيق الساحر».
في الأربعينيات من القرن الماضي عندما قررت السلطات المنتدبة الفرنسية إنشاء إذاعة في دمشق وقع اختيارها على سامي ليكون مديراً لها، وصدر قرار تعيينه دون علمه، ولم يستمر طويلاً في عمله هذا..
أصدر العديد من الكتب منها، اليهودي شليوخ، دليلة، القضية الشرقية، القضية العربية والقضية السورية، فنون الحب، الحب، في أسواق دمشق، فرنسا وسورية، مذكرات فيصل، أسبوع في المصايف، مذكرات الكولونيل لورانس.
لقد كان الشمعة ظاهرة إبداعية نادرة: «أشرقت في سورية، في زمن سامي، وعلى يديه حركتان اجتماعيتان جديدتان هما الحركة الرياضية، والحركة الأدبية الحديثة.. كان سامي عام 1930م قائداً رياضياً مرموقاً، وكاتباً أديباً قبل أن يكون صحفياً– فؤاد الشايب».
وافته المنية مبكراً بعمر أربعين عاماً، ورحل مأسوفاً على شبابه عام 1950م من دون أن يتزوج.

عبقرية الشمعة
يقارن فؤاد الشايب بين سامي الشمعة وكبار الأدباء والمبدعين في الغرب أمثال أوسكار وايلد المؤلف المسرحي والروائي والشاعر الإنجليزي الإيرلندي، وفي الوقت نفسه يقارن بين البيئة التي ينشأ بها المبدع العربي والمعاناة التي يتعرض لها، والبيئة التي ينشأ بها المبدع الغربي والسبل الخيرة التي تفتح أمامه!!؟؟ فيقول الشايب: «الصلصال الذي نشأ فيه سامي الشمعة، لم تتكون فيه بعد سوى الديدان، واليرقات التافهة، في حين نشأ عود (وايلد) في حديقة امتلأت بالزهور وتطورت اليرقات فيها إلى فراشات جميلة. الفرق بين أدب (وايلد) وأدب (الشمعة) هو الفرق بين كل من المجتمعين في بلد هذا وفي بلد ذاك. هو الفرق الذي يجعل أديبنا يولد تحت الأرض، فلا يبلغ سطحها إلا وقد اعتصر مهجته، وأفنى عمره، ويجعل أديبهم يولد فوق مرتفعات من الأرض، تتيح له الانطلاق منها، والسمو فوقها منذ أن تنفتح عيناه للنور».
ويتابع الشايب بالقول: «لعل فاجعة الأديب عندنا، إلى جانب شتى الفواجع والمآسي، التي يعيشها في وطن اليرقات والديدان، أنه يولد في أطماره، ويولد الأديب في ديار الغرب بجناحين جديدين وهبتهما جمعية متطورة ذات ثروة فكرية متحركة، وقيم فكرية غالية، وهنا تبدو الفاجعة في حياة شبابنا المفكر، على أشد ما تكون الفواجع ظلماً وقوة. فإذا ما اجتزنا هذه الشقة التي تفصل بين أدبين، وأديبين ووسطين، لاح لنا وجه سامي الشمعة، في ملامح الأرواح النادرة، أكثر اشراقاً وقوة واحتداماً من وجه (وايلد) نفسه».
من مجافاة الحقيقة القول: إن الشمعة كانت حياته عادية أو طبيعية مثل أقرانه من الصحفيين والأدباء!؟ هنالك على حد قول فؤاد الشايب: «حلقة مفقودة في تاريخ حياة هذا الشاب القلق بين عام 1940 و1945، قد تنطوي على السر الذي قذف سامي بكليته إلى المحرقة».

المرجع:
جريدة النقاد لعام 1950 – كتاب عبقريات لعبد الغني الحموي – أرشيفي الخاص

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن