ثقافة وفن

رمية زهر.. فن القصة

المحرر الثقافي :

صدر عن دار دايمون الجديدة بدمشق عدد من المجموعات القصصية والروائية للكاتب لؤي عبد الإله، وفي صدورها دفعة واحدة منجمة على مجموعات ما يؤذي الإصدارات، فما من إشارة إلى تاريخ هذه المجموعات في الطبعة الأولى أو غير ذلك، وما من وجود للكاتب وإسهاماته وأنشطته، وأزعم أن هذه المجموعات هي نتاج مرحلة متطاولة من الكتابة، وإن كانت قد صدرت دفعة واحدة في الدار المؤسسة لتشجيع المنتج الأدبي وفق هوية محددة، وقفت عند هذه المجموعات لأقدمها جملة، ثم وجدت فوارق سأشير إليها تباعاً، لذلك فضلت أن أعرض لها بشكل منفصل لما فيها من تباين واختلاف، ودلائل على مراحل كتابة هذه النصوص.
«رمية زهر» مجموعة قصصية، تاريخ طباعتها الأول غير مدرج، وطبعتها الثانية 2015 في الدار التي أصدرتها، وتاريخ الطبعة الأولى يعني كثيراً، وتدرج المجموعات يعني كذلك عندما تخضع هذه المجموعات للنقد ودراسة التطور الفني والفكري لكاتبها… وفي رمية زهر جمع القاص عشر قصص قصيرة هي «عائلة فقيرة، لعبة المرايا، العودة الأبدية، رمية زهر، حافة الوهم، سر الأفعى، أحمر.. أسود، غبار الذهب، دروس قديمة، شرق- غرب» وقد اختار القاص اسم إحدى القصص ليطلقها على مجموعته كاملة مع ما في هذا الاختيار من رؤية عاطفية للأقرب من قصصه، أو رؤية فنية للأكثر نضجاً بحكم المؤلف، أو رؤية تشويقية من حيث العنوان.. ومن قراءة المجموعة يظهر المؤلف من جيل سابق قرأ القصة التقليدية وتأثر بها من جي دي موباسان إلى تشيخوف، مع جولة فكرية في الأساطير القديمة ودلالاتها.. فنحن أمام قصة محددة المعالم، استفادت من الحداثة ولم تخرج عن إطار القصة الكلاسيكية المنطلقة وفق تسلسل سلس ومتصاعد حتى الخاتمة، كما في عائلة فقيرة أولى القصص، وفي قصة «رمية زهر» التي اختار اسمها عنواناً للمجموعة نقف أمام قاص يحشد معارفه، ويقدم محاكمات عديدة أمام القارئ، وكأن القارئ أمام نص لمحاضرة أو محاكمة عقلية، مع أن الفكرة لا تحتمل ذلك، ولو قدمت بطريقة أبسط لكانت أكثر قرباً ووصولاً إلى القارئ… وكذلك الأمر في «شرق- غرب» حيث لجأ الكاتب إلى معالجة معضلة لقاء الشرق والغرب لا كما عالجها «الطيب صالح في موسم الهجرة إلى الشمال» ولكن آثر أن يعالجها منطلقاً من مسلّمات، لا تخرج النتائج عنها! لذلك قلت: إن التاريخ مهم في الطباعة للطبعة الأولى، والتدرج في المجموعات ليعطي حكماً سليماً، ولا يجعلني أذهب إلى التخمين بأن هذه المجموعة هي الأولى، أو من المجموعات الأولى للقاص، والتي تشكل البواكير التي تبدو من تدخل القاص في كل تفصيلة من تفاصيل الحدث ليسيره كما يشاء… وفي «سر الأفعى» وقفت على لازمة غريبة، لا أدري إن كان الكاتب يقصدها، ولكن إن كان يقصدها فقد أفقدت القصة الكثير من الألق والمفاجأة، فقد بدأت القصة «ستظل» بسين الاستقبال، ثم (ستنتهي، ستوقفنا، ستقضي، سيظل، ستضج، سيحتفي» فكل مقطع من مقاطع القصة في صفحاتها القليلة يبدأ بسين الاستقبال، ما عزز تدخل الكاتب لرواية قصة، وضعت أختها خاتمتها، وهو في أعماقه يشك في صحتها!!
غلب على المجموعة القصصية الوصف واللغة الجميلة والاستطرادات المعرفية والعلمية التي تفسد القصّ، فالقص متعة وحكاية قبل أن يكون معرفة، ففي العودة الأبدية يختم القصة «فاتني أن أذكر استدراك ستيفن هوكنج.. عن لحظة بدء انقباض الكون، آنذاك ستختفي الجاذبية التي تحكم بقاء الأجسام على سطح الأرض، ما يجعلها تندفع كشظايا انفجار بركاني صوب فضاء غارق في فوضاه وهلاميته، ولن تتاح فرصة للإنسان حتى بوضع خطوة واحدة في رحلته المقلوبة عبر تيار الزمن الخيالي»!
إما أننا نقف مع التجارب الأولى: أو مع ترف القص.
«رمية زهر» إصدار جديد ثان لمجموعة قصصية من زمن القص الكلاسيكي، زمن القص الجميل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن