قضايا وآراء

هل نقلة تركية غبية أم خيار شمشمون..!؟

عبد السلام حجاب :

يبدو أن الرئيس الأميركي أوباما، العالق في عجلة الانتخابات الرئاسية وما تفرضه من تكتيك لا يمس الإستراتيجية، يسعى من دون إعلان إلى تصفير حساباته مزدوجة المعايير وتبييض ما علق بوجه أميركا الديمقراطية من جرائم سوداء بسبب سياسة تصنيع الإرهاب والاستثمار فيه، وفقاً لاعتراف الوزيرة كلينتون.
لم تعد تكفيه لغة الدبلوماسية لخداع الآخرين وإخفاء النيات السيئة!؟
ويمكن القول إن من أبرز مؤشراته لمواجهة نجاحات تحالف موسكو وطهران مع دمشق في محاربة الإرهاب ما يلي:
1- جولة الوزير الأميركي كيري التي شملت الكيان الإسرائيلي وعدداً من دول المنطقة لتأمين مصالح الكيان الإسرائيلي وإخراج نتنياهو من يوميات الدهس والسكين الفلسطينية المتصاعدة في مواجهة الاحتلال.
2- تحرك أوروبي مشوب بالحذر باختيار معايير الصمت المفروض أميركياً، وإذا كان الرئيس الفرنسي هولاند، وجد بالمظلة الروسية ملاذاً لنهج محاربة الإرهاب بعد هجمات باريس، من دون أن يعلن انفكاكه الصريح عن حلف واشنطن الستيني الفاقد للمصداقية، فإن رئيس الحكومة البريطانية كاميرون يغازل عن بعد دعوة الرئيس بوتين لمحاربة الإرهاب، متلطياً بذرائع لحفظ ماء الوجه.
وأما الألمانية ميركل فإنها تبحث في تداعيات عودة مئات الإرهابيين من سورية والعراق، فضلاً عن آلاف المهجرين الذين صدرتهم تركيا، ما حدا بزعيم حزب أتاكا البلغاري المطالبة بعدم قبول تركيا داخل الاتحاد الأوروبي، لأن الحماقة عندما تزهر تنضج سنبلة من الدمار والمزيد من البكاء، ووفق مصدر في الإدارة الأميركية، بحسب وول ستريت جورنال «إن واشنطن حذرت الجانب التركي من مغبة التعرض لرد أوروبي قاس إذا ما تقاعست عن ضبط حدودها!؟
3- من الواضح أن تصفير الحسابات في المشهد الأميركي وتحالفاته، ترجمه تصريح مصدر في الإدارة الأميركية يقول: إن شروط اللعبة تغيرت. وأن واشنطن طالبت أنقرة بتكثيف انتشار قواتها على الحدود مع سورية لمنع تنقل «داعش» بما تمثله من تنظيمات إرهابية «لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما إذا كان هذا التغير في شروط اللعبة الأميركية حدث قبل أو بعد الكمين الجوي الذي نفذه العثماني أردوغان، لإسقاط القاذفة الروسية سو 24 داخل الأراضي السورية!؟
ولعل الاستنتاج المنطقي يقود إلى أحد احتمالين أو الاثنين معاً:
أ- توريط أميركي للعثماني أردوغان الذي يلبسه جنون العظمة للدفع باتجاه حرب ليست ساخنة ولا هي باردة، تتيح الوقت اللازم لتجيير مشكلة الإرهاب إلى الرئاسة الأميركية القادمة، بعد أن أصبحت حلولها عائمة على رقعة شطرنج المصالح وأخطارها تهدد الجميع!؟
ب- دفع شمشون تركيا أردوغان للقيام بنقلة غبية على رقعة شطرنج الإرهاب المتشظي لتفخيخ التوجه الأوروبي باتجاه دعوة الرئيس بوتين لتشكيل جبهة دولية واسعة لمحاربة الإرهاب وعرقلة الجهود العسكرية المشتركة إلى جانب سورية، ولاسيما أن الوزير لافروف أكد أن الإرهابيين يستخدمون الأراضي التركية لشن هجماتهم في سورية ودول أخرى.
ولذلك فإن أميركا سهلت للعثماني أردوغان فكرة أن تشكل نقلته الغبية بإسقاط القاذفة الروسية خطأ يمكن معالجته، وربما يوفر فرصة للجلوس بأوراقه وأدواته الإرهابية مع الجانب الروسي مع قليل من بكائيات الأسف!؟
ولعله في هذا السياق يعلق العثماني أردوغان آمالاً على لقاء محتمل مع الرئيس بوتين على هامش قمة المناخ في باريس نهاية الشهر الجاري. سبقه بإعرابه عن الحزن، ولو لم يحدث إسقاط الروسية الذي وصفه الرئيس بوتين بطعنة من الخلف واعتبرته الخارجية السورية أنه عدوان موصوف وانتهاك للسيادة الوطنية.
ومن دون استعجال إجابات عن تساؤلات تطرحها تطورات الأحداث فإن الثابت أن السلوك الأميركي يلقي بظلاله السوداء عبر أدوات منتقاة تتمثل بقوة على الأرض بصفة مستشارين لتكون في خدمة إرهابيين أو من تطلق عليهم معارضة معتدلة نموذجها الميداني قتل ملاح الطائرة الروسية قبل أن يصل الأرض السورية بمظلته، أو تمثل بالعثماني أردوغان وحكام السعودية وقطر.
وهي أنظمة تراهن على دعم الإرهاب في سورية كما تسعى إلى تخريب أي جهد سياسي يعتمد على محاربة الإرهاب وتحديد لوائح بأسمائه باعتبار ذلك جوهر أي تحرك سياسي لحل الأزمة في سورية، ولقد أكد الوزير لافروف في مؤتمر صحفي مع الوزير وليد المعلم عقب محادثاتهما في موسكو.. أنه لابد من اجتثاث خطر الإرهاب وعدم الكيل بمكيالين مشيراً إلى «أن أي تطورات مستقبلية لابد أن تكون بدعم من الشعب السوري، وهو الوحيد الذي يحق له تقرير مستقبله من دون أي تدخل خارجي» كذلك أكد بيسكوف المتحدث باسم الكرملين «أن الجيش السوري هو القوة الوحيدة القادرة على محاربة داعش على الأرض وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية». وأعلن الرئيس بوتين أمام ضيفه الفرنسي هولاند في مؤتمر صحفي «أن الرئيس الأسد هو الحليف الرئيس لنا في محاربة الإرهاب وأن الجيش السوري هو الحليف الأقوى على الأرض في هذا الاتجاه». ولعلها جاءت متضمنة في تصريحات حذرة للوزير فابيوس قبيل مغادرته المتوقعة لمنصبه عقب قمة المناخ ورد عليها الوزير المعلم في موسكو «إذا كان الوزير فابيوس جاداً في التعامل مع الجيش السوري فإن ذلك يتطلب تغييراً جذرياً في التعاطي مع الأزمة في سورية».
من دون شك فإن سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد أشد تصميماً على مواصلة تحقيق النجاحات الإستراتيجية من محاربة الإرهاب بتضحيات الجيش العربي السوري وسلاحه الجوي وبدعم قوات سلاح الجو الروسي التي دخلت مرحلة متقدمة بعد الصواريخ S400 ودخول الطراد موسكوفا في جهد القضاء على الإرهاب الذي تأخذ فيه المقاومة اللبنانية والمستشارون العسكريون الإيرانيون حيزاً مهماً في الأداء الميداني.
وإذا كان النصر على الإرهاب مقدمة لمسيرة الحل السياسي الذي يقرره السوريون بأنفسهم فإن الطريق إليه أصبح معبداً وأقرب من حبل الوريد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن