ثقافة وفن

اللعب بمصير الشعوب

اسكندر لوقا :

في بدايات القرن الماضي، ثمة مؤشرات إلى أن اللعب بمصير الشعوب كان لها حضورها على الساحة الدولية ولم يتنبه إليها معظم العرب. الكل كانوا يثقون بما تقوله الدولتان اللتان كانتا تتصدران مجريات الأحداث آنذاك في المنطقة العربية، وخصوصاً في بلاد الشام، هما بريطانيا وفرنسا. ولهذا الاعتبار صدق العرب ما جاء في بيان الحكومة البريطانية التي ألقاها رئيسها في مجلس العموم البريطاني بتاريخ الحادي عشر من تشرين الثاني 1918 جاء فيه «إن بريطانيا خاضت الحرب إلى جانب دول الحلفاء لتخليص البلاد التي خضعت للاحتلال العثماني من الاستعمار». وبرر ذلك فيما بعد بقوله إن حكومته تؤمن بحق شعوب البلاد المحررة في إقامة حكومات وإدارات وطنية. ومن مظاهر هذا اللعب أن قائد القوات الحليفة في المنطقة الجنرال بولز كان قد أصدر في السابع من تشرين الأول 1918 منشوراً رسمياً بتقسيم البلاد السورية إلى ثلاث مناطق شرقية وغربية وجنوبية.
وهكذا بين شهر وآخر كانت تتكشف أوراق اللعب بمصير الشعوب. ولأن الشعب العربي طيب الأخلاق ويصدق الكلام المعسول، غالباً ما كان يدفع ثمن طيبته. ولأنه لم يكن يعلم بأن وعداً بريطانياً كان قد صدر قبل ذلك في الثاني من تشرين الثاني عام 1917، هو وعد بلفور المشؤوم، بقيت الشعوب العربية متعلقة بالخيط الذي جاء في بيان الحكومة البريطانية في مجلس العموم البريطاني، بأمل أن يخلصهم الحلفاء من الاستعمار العثماني كي يحظى أبناؤها فعلاً بالاستقلال.
وربما لم يكن يخيل إلى العرب، بأن دولة عظمى يمكن أن تخدع من صدقها وأيدها إلى أن حان زمن سقوط الدولة العثمانية وجلاء الموقف عما ينتظره مستقبل المنطقة في سياق الوعود التي أعطيت لشعوبها. والدليل على ذلك تمرير ما اتفق عليه وزيرا الخارجية في كل من بريطانيا وفرنسا حول مصير شعوب المنطقة وتحديداً في كل من سورية ولبنان والعراق عملاً باتفاقية التقسيم المشؤومة اتفاقية سايكس- بيكو في السادس عشر من شهر أيار عام 1916.
ولم تكن هذه الخديعة – التعبير الأصح الذي ينطبق عليها- سوى الترجمة الفعلية لما تعنيه عبارة «وضع السم في الدسم. ومن نتائج الخديعة أن دفعت الشعوب التي تحررت من الاستعمار العثماني، أثماناً باهظة من خلال ما عانت إبان احتلال من نوع آخر، تجسد في وضع اليد على سورية ولبنان فرنسياً والعراق وفلسطين بريطانياً، كأنما كانت هاتان الدولتان بريطانيا وفرنسا متفقتين على تقسيم قطعة حلوى بينهما في مناسبة احتفال بتخليص البلاد المحررة من الاحتلال العثماني وإقامة حكومات وإدارات وطنية كما وعد رئيس الحكومة البريطانية في بيانه الذي ألقاه في مجلس العموم البريطاني في عام 1918.
يقول راجيف غاندي (1944- 1991) رئيس وزراء الهند الأسبق «من الصعب أن نقول: هناك صدق مطلق. حتى الصدق في حد ذاته يحمل شيئاً من الكذب.
وهذا ما خبره البعض من العرب، ولكن متى؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن