ثقافة وفن

مسابقة ثقافة… استقواء بالقانون

صبا العلي :

عندما أعلنت وزارة الثقافة مسابقتها الأخيرة بناءً على أحكام القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004 كان الهدف إضافة كوادر جديدة تدعم الحركة الثقافية في سورية وترفدها بما هو جديد وتمنح الفرصة لمن فاتهم من حملة الشهادات والمؤهلات العلمية المشاركة في بناء وطن أفضل يرتقي بكوادره وكان العدد الكبير الذي بلغ نحو 9 آلاف متقدم من مختلف الشهادات العلمية دليلاً على محاولة المواطن السوري استعادة الثقة بالمسابقات لكون الدولة تقدم كل ما هو ممكن رغم ظروف الأزمة ليبقى المواطن السوري حراً كريماً يساهم في بناء وطنه الصغير بمساحته الكبير بعطاءاته.
إلا أن عملية سير الاختبار التحريري الذي يسبق الشفهي جعلت الأغلبية تطلق شكوكها في نزاهة سير الامتحان وبالتالي عدم تقبل النتائج بما جاءت عليه لأن ظروف الامتحان لم تكن شفافة ومقنعة بالقدر الكافي.
الأسئلة المؤتمتة التي سيقوم الحاسب الذكي بتصحيحها وسيمنح حسب برمجته كل ذي حق حقه إلا أن طريقة سير الامتحان التي تدخل فيها القيمون على العمل توحي بأنهم من فئة غير الأذكياء ما دفع المتسابقين لطرح أسئلة لم يجد أحد لها إجابات مقنعة أولها أن ترتيب المتسابقين على مدرجات وقاعات جامعة دمشق جاء حسب التسلسل الرقمي وليس حسب المؤهل العلمي، وربما يجيب المسؤول عن توزيعهم: «لنجنب البعض عملية الغش والنقل من دفتر الآخر الذي يسبقه أو يليه ليبقى الامتحان شفافاً ونزيهاً»، ولكن ما قوله عن عمليات النقل والغش التي سادت القاعات وكانت مثل شرب الماء العكر لكونه ارتبط بالغش وهذا بدا طبيعياً لأن المراقبين قد دعموا إجابات المشاركين بحسب كثير من المتسابقين وهنا يمكن أن نطرح تساؤلاتنا الخاصة: «هل من الطبيعي أن توزع أسئلة موحدة لجميع الفئات والاختصاصات المطلوبة؟؟» حيث إن الوزارة لم تفرق بين مؤهلاتهم العلمية وطرحت عليهم أسئلة موحدة ما منح الكثيرين فرصة النقل والغش أثناء الامتحان وفقد الأمل بالنجاح في نهايته لكونه فقد النزاهة والإقناع، وقد أكد معظم المتسابقين أن المسابقة جاءت تمويهاً لتثبيت عقود الوزارة أو منح من هم من ذوي المحسوبيات فرصة الفوز بمقعدٍ في وظائف الدولة وكأنهم أبناء أساتذة الجامعات ممن يمنحون أبناءهم كراسي في الكليات رغم عدم كفاءتهم والدليل فوز إحدى المتسابقات من بنات أحد الوزراء حتى إن بعض المتقدمين قال بسخرية: «الحاسب ميز بذكائه ابنة الوزير من أبناء باقي العاملين في الدولة الذين لا مجير لهم ولا مساعد سوى المؤهل العلمي فاقد الشرعية في هذا الامتحان الخلبي.
وروت إحدى الزوجات المتسابقات أنها أجرت اتصالاً هاتفياً عبر الموبايل أثناء الامتحان بزوجها وقام بالإجابة عن بعض أسئلتها بينما فتحت إحدى المتسابقات من حملة الحقوق هاتفها الذكي عبر شريحة G3 على الإنترنت وأجابها على معظم الأسئلة وكانت المفاجأة أنها رسبت في الامتحان بنيلها علامة «35»، وأكد المتقدم «فؤاد بنيات» أن معيار النجاح في هذا الامتحان لم يكن للشهادة ولا للكفاءة والدليل عدم ضبط الامتحان وربما لو سار بشكله الأمثل لأدى دوره المثالي في ردم الهوة الكبيرة من فاقدي الثقة بمصداقية المسابقات رغم مثالية معانيها وشروطها إلا أن آليات تطبيقها واستغلال ثغراتها جعل بعض المريدين يتسللون عبرها للاستقواء بالقانون وسرقة فرص الكفاءات العلمية والمؤهلات التي تبني سورية الجديدة بدءاً بفئة المثقفين وانتهاءً بالسواعد الفتية ممن عشق البقاء على أرض سورية الطاهرة الجريحة وما أكدته المتسابقة «رهف محمود» وهي من الفئة الثانية على مساعي الحكومة لتهيئة كل الظروف ليبقى السوري في بلده حراً كريماً إلا أن سيادة فكرة المحسوبيات وعدم الالتزام بتطبيق القوانين ضيع فرص الكثيرين ما أفقدهم الأمل والثقة بالمستقبل والأقسى من ذلك ما أكده أحد المتقدمين ممن رفض الكشف عن اسمه أنه غير ميسور الحال وأن هذه المسابقة الخلبية كلفته كما الكثيرين عناء السفر والمدفوعات في هذا الوقت من الغلاء الفاحش حتى إنه اضطر للنوم في إحدى الحدائق رغم برد الليل القارس.
أسئلة كثيرة توضع برسم القيمين على أداء الوزارة غير المقنع أهمها «طالما أن الناجحين أبرمت اسماؤهم مسبقاً ونجحوا قبل سير الامتحان، لماذا طرح المسابقات المكلفة للدولة والمواطن؟؟، أهو الاستقواء بالقانون لإقناع الكبار وهو الأهم واستغباء المواطن وهو غير مهم؟؟
من هنا يدافع عن جرائم القانون التي تجعل من القانون مظلة تحتمي بها؟ ومن يحاسب المسؤول الذي أقسم يمين الشرف أمام نفسه أولاً أهو المواطن الذي حاول بناء جسور الثقة من جديد بعدالة القانون ولم يفقد الأمل يوماً بالمراسيم والقوانين التي تسمو بأهدافها ولا ترتقي بالقيمين على تطبيقها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن