الأولى

سورية: هل مازالت التسوية ممكنة

بيروت – محمد عبيد :

صَحَّ القول إن إيجاد صراعٍ في سورية والاستثمار عليه سيؤدي إلى تشظي المنطقة والعالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، ولن يعود بالإمكان حصر هذا الصراع فيها وإنهاؤه قبل رسم خريطة نفوذٍ وموازين قوى إقليمية ودولية جديدة بناءً على نتائجه.
وكعادتها الراعي الأول لهذا الصراع ولصراعات مماثلة قديمة وحديثة- أي الولايات المتحدة الأميركية التي كانت ومازالت تواجه تجارب خاسرة في غير بلد في العالم من فيتنام إلى سورية اليوم، تسعى لتغييرٍ ما في موقع ودور بلدٍ لم يُذعن لإرادتها الفوقية، ولم ينخرط طوعاً في مشاريعها الدائمة التنقل في العالم لتحقيق المزيد من الهيمنة على حياة الشعوب حاضرها ومستقبلها والسطوة على مقدراتها وإمكانياتها وثرواتها.
وإيران وسورية أبرز مِثالين، فالأولى منذ انتصار ثورتها على الهيمنة الأميركية عبر إسقاط الشاه ونظام حكمه وهي تعاني من المواجهات المختلفة على غير صعيد ضد مشاريع واشنطن المباشرة أو تلك التي خاضتها ضد طهران بالوساطة، وهي أيضاً حتى يومنا هذا لم تنج من تداعيات هذه المواجهات رغم الاتفاق الذي وقعته مع ما يسمى المجتمع الدولي حول مشروعها النووي السلمي. فالوقائع التي تبعت هذا الاتفاق أظهرت النيات الأميركية لجهة استخدام ذريعة المشروع النووي لاستدراج إيران ودفعها للقبول بالاصطفاف ضمن جبهة التابعين والمستزلَمين في المنطقة من أعراب الخليج إلى تركيا «الإخوانية»، مع ما يستلزم ذلك من إدارة واشنطن للتوازنات السلبية والإيجابية بين طهران وهذه المكونات الإقليمية، بهدف حفظ مصالحها وإمساكها بالمزيد من ثروات المنطقة واقتصادياتها، والأهم إغراء إيران بإمكانية استعادتها لدور الشرطي على جميع المنافذ المائية في الخليج وبحر العرب مقابل تعهدها بضمان أمن الكيان الإسرائيلي وإسقاط شعار إزالته من ثقافة الإيرانيين وتوقفها عن دعم دولة المواجهة الوحيدة المتبقية سورية، وكذلك حركات المقاومة كحزب اللـه وبعض الفصائل الوطنية الفلسطينية.
اختارت إيران الاستمرار بالمواجهة ورفض التدجين السياسي وحفرت لنفسها موقعاً ونفوذاً كرسهما تحالفها المستجد مع روسيا، وإمساكها بالكثير من مفاتيح الحلول كما مواقع الصراع في المنطقة.
والثانية، أي سورية، التي منذ أكثر من أربعين عاماً تعاند القدر الأميركي المحتوم الذي ارتضاه الأعراب لأنفسهم وللمنطقة، بحيث كانت ومازالت تتأرجح بين حصار وحصار، وما هي إلا أثمان تدفعها نتيجة مواقف قديمة رافضة لمبدأ القبول بالتعايش مع الكيان الإسرائيلي، وحديثة أيضاً رافضة للغزو الأميركي للعراق ولنزع سلاح المقاومة في لبنان وفلسطين وللضغوطات الدائمة لفك عُرا التحالف الوثيق مع إيران.
واليوم، لم يكن باستطاعة سورية تجنب هذه الهجمة الدولية التي نفذت إلى داخلها من بوابة ماسُمي «الربيع العربي»، فالأميركي المترصد دائماً لاقتناص فرصة ما للانقضاض عليها وجد في هذا التحول الذي طال دولاً عربية أخرى مدخلاً لتغيير النظام فيها وإجبار رئيسها على الرحيل وبالتالي إدخال النظام الجديد المُفترَض في منظومة التبعية الأميركية. لكن المفاجأة كانت أن هذا النظام برئيسه وأركانه وجيشه وشعبه صمد في وجه هذه الهجمة متكلاً أيضاً على حماية سياسية وفرتها الفيتوات الروسية – الصينية في مجلس الأمن الدولي، كما عزز هذا الصمود الدعم الإيراني اللوجستي والعسكري والاقتصادي وبالطبع السياسي، إضافة إلى مشاركة حزب اللـه في قتال المجموعات الإرهابية التكفيرية إلى جانب الجيش العربي السوري.
كانت الخريطة السياسية -العسكرية تشير إلى محاولة استنزاف تُبقي التموضعات القائمة على حالها وبالتالي المراهنة على تعب سورية وحليفتها الأساسية إيران ومعهما حزب الله، إلى أن دخلت روسيا على خط المشاركة العسكرية المباشرة والتي أدت إلى تغيير هذه الخريطة سريعاً لمصلحة سورية وحلفائها ما يطرح سؤالاً جوهرياً: هل مازال ممكناً البحث في الأروقة الدولية والإقليمية عن تسوية حول سورية بين محور صامد يدق أبواب الانتصار وبين محور آخر يبحث عن مكسب سياسي يعوض الهزيمة العسكرية!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن