سورية

في مقابلة مع التلفزيون التشيكي.. أكد أن السلام سيحل في البلاد عندما تتوقف الدول الداعمة للإرهاب عن هذا الدعم.. الرئيس الأسد: السوريون لن يقبلوا بعقد مؤتمر لحل الأزمة سياسياً في فرنسا لأنها تدعم الإرهاب … التاريخ الأكثر أهمية في الأزمة هو تاريخ المشاركة الروسية في الحرب على الإرهاب

أكد الرئيس بشار الأسد، أن الشعب السوري لن يقبل بعقد مؤتمر لحل الأزمة السورية سياسياً في فرنسا لأن الأخيرة تدعم الإرهاب والحرب، ولا تدعم السلام، لكنه سيقبل بأن يعقد في براغ نظراً للموقف المتوازن لتشيكيا، تجاه الأزمة السورية.
ففي مقابلة مع التلفزيون التشيكي، أكد الرئيس الأسد أن الوضع سيتغير في سورية نحو الأفضل خلال بضعة شهور، عندما تتوقف الدول الداعمة للإرهاب عن هذا الدعم، مؤكداً أن السلام الشامل سيتحقق بعد ذلك.
وأوضح أن القيام بخطوات ملموسة على صعيد العملية السياسية، ينبغي أن يكون بعد أن «نبدأ بإلحاق الهزيمة بالإرهاب». وشدد على أن التاريخ الأكثر أهمية في الأزمة السورية يتمثل في تاريخ المشاركة الروسية في الحرب على التنظيمات الإرهابية في سورية والتي بدأت في الثلاثين من أيلول الماضي، واصفاً إياها بـ«الحدث العملي الأهم ضد الإرهاب»، وأشار إلى أن التنظيمات الإرهابية في سورية، تعيش «حالة انحسار» منذ بداية مشاركة الروس في الحرب على الإرهاب.
واعتبر الرئيس الأسد أن إسقاط تركيا للقاذفة الروسية فوق الأراضي السورية أظهر مضيّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في «غيّه» وفقدانه لأعصابه لأن التدخل الروسي غير «توازن القوى على الأرض»، مبيناً أن «فشل أردوغان في سورية، وفشل مجموعاته الإرهابية، يعني نهاية حياته السياسية».
وأعرب عن اعتقاده بأن إسقاط القاذفة الروسية لن يحدث أي تغيير في التوازن، فالحرب ضد الإرهاب مستمرة، وستكون المشاركة الروسية الداعمة أقوى، وأضاف: «لا مجال للرجوع إلى الوراء في هذا الصدد، سواء فعلها (أردوغان) مرة أخرى بهذه الطريقة أو بأي طريقة أخرى».
وأوضح الرئيس الأسد، أن أثمن شيء يحاول حمايته في سورية هو «العلمانية، لأن سورية عبارة عن بوتقة تنصهر فيها مختلف الجماعات الطائفية والعرقية»، مشدداً على أنه من دون العلمانية «لا وجود لسورية التي عرفها العالم منذ قرون».
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة التي أجراها الرئيس الأسد مع التلفزيون التشيكي:

وظيفتنا هي إنقاذ الحياة

شكراً لوقتكم سيادة الرئيس. دعني أبدأ بسؤال شخصي. أنت طبيب؛ وفي عام 2011 قلت إنك اخترت جراحة العيون لأن ذلك الاختصاص ليس فيه حالات طوارئ ولا ينطوي إلا على قدر ضئيل جداً من الدماء. كان ذلك في آذار 2011، وهو الوقت نفسه الذي اندلعت فيه الحرب في سورية والتي يمكن القول إنها أكثر الصراعات دموية في العالم، أي إنها حالة طوارئ من العيار الثقيل. كيف تتعامل مع ذلك؟
• إذا أردت أن تربط بين هذا العمل أو أي عمل آخر يتعلق بالجراحة، من جهة، وما يحدث في سورية، من جهة أخرى، فإن ذلك يعتمد على النوايا. في الجراحة، هناك دائماً دماء، لكنَّ تلك الدماء تكون من أجل إنقاذ حياة المريض وليس لقتله. بينما الدماء التي تسيل في سورية يتسبب بها الإرهابيون الذين يقتلون السوريين. ووظيفتنا كحكومة هي إنقاذ حياتهم من خلال القضاء على الإرهابيين. هذه هي الصلة الوحيدة بين الأمرين، وآمل أن أكون قد فهمت سؤالك بشكل صحيح.

نعم، أعني…

• كما قلت فإن وظيفتنا هي إنقاذ الحياة، وإذا أدى ذلك إلى إراقة الدماء فإن ذلك يحدث في إطار الدفاع عن وطننا، فالدول تستعمل الجيوش للدفاع عن بلدانها.
لكن عدد القتلى بلغ 250 ألف شخص، وهذا ما لا يمكن تخيله في أي بلد.
• يحدث هذا نتيجة وجود عدد كبير من الإرهابيين المدعومين من قوى إقليمية وغربية. الإرهابيون لا يأتون من داخل سورية وحسب، بل يأتون من أكثر من مئة بلد في سائر أنحاء العالم. لقد أرادوا جعل سورية مركزاً للإرهاب، وهذا هو الوضع حالياً. لو لم ندافع عن بلدنا، لبلغ هذا العدد أضعافاً مضاعفة.

الروس يظهرون جدية كبيرة جداً في محاربة الإرهاب

لقد ذكرتم الإرهاب. يبدو أن تطورات كبيرة قد طرأت على الأزمة السورية في الأيام الأخيرة. برأيكم، ما التاريخ الأكثر أهمية في الأزمة السورية: 30 أيلول، تاريخ التدخل الروسي، أو 13 تشرين الثاني، تاريخ الهجوم الإرهابي في باريس؟
• من المؤكد أن التاريخ الأهم هو تاريخ المشاركة الروسية، أو ما أُعلن من تشكيل جبهة ضد الإرهاب. هذا هو الحدث العملي الأهم ضد الإرهاب، بينما ما حدث في باريس بعد الهجوم الإرهابي، على المستوى السياسي كان يهدف إلى تهدئة مشاعر الفرنسيين، للإيحاء بأن الفرنسيين سيهاجمون داعش بطريقة مختلفة جداً. ما الذي يعنيه ذلك؟ ألم تكن فرنسا جادة قبل هجوم باريس؟ إذاً، ما حدث كان يهدف فقط إلى تهدئة مشاعر الفرنسيين، وليس رداً جدياً، في حين أن الروس يظهرون جدية كبيرة جداً في محاربة الإرهاب، وثمة تعاون بينهم وبين الجيش السوري.

إذاً، فأنتم تعتقدون أن زيادة الهجمات التي يشنها التحالف الغربي تحت قيادة الولايات المتحدة لا يساعد؟
• حسب الوقائع، يمكن القول إنه منذ تشكيل ذلك التحالف توسّع داعش وارتفع عدد المنضمّين إليه من سائر أنحاء العالم. على النقيض من ذلك، فمنذ بداية مشاركة الروس في العملية نفسها المسمّاة الحرب على الإرهاب، وداعش وجبهة النصرة في حالة انحسار، وكذلك الأمر بالنسبة للمجموعات الإرهابية الأخرى. هذا هو الواقع، والوقائع تتحدث عن نفسها.

ألا يعود السبب في ذلك، من منظور عسكري، ببساطة، إلى أن القوات الجوية الروسية تعمل مع القوات التابعة للجيش السوري؟
• السبب في ذلك هو وجود التعاون. هذا ما قلته، لا تستطيع قتل الإرهابيين أو القضاء على الإرهاب من الجو. هذا غير ممكن وشبه مستحيل. لقد حاول الأميركيون ذلك في أفغانستان ولوقت طويل.. لأكثر من اثني عشر أو ثلاثة عشر عاماً. هل حققوا شيئاً؟ لم يحققوا شيئاً. لا يزال الإرهاب قوياً في أفغانستان. أنت بحاجة لتعاون من داخل ذلك البلد، مع أي قوة. والقوة الرئيسية في سورية هي الجيش السوري، والحكومة السورية بالطبع.

تساورنا الشكوك بشأن محاولة أولاند تشكيل تحالف واسع ضد الإرهاب

الرئيس الفرنسي (فرنسوا أولاند) يحاول تشكيل تحالف واسع ضد الإرهاب. هل تساوركم الشكوك حيال هذه المحاولة؟
• بالتأكيد. لو أرادوا التعلم مما حدث مؤخراً في باريس، لماذا لم يتعلموا من الهجوم الذي وقع على (مجلة) «تشارلي إيبدو» (مطلع العام الماضي)؟ إنه نفس المبدأ ونفس المفهوم. قلنا حينذاك إن تلك كانت قمة الجبل الجليدي. ما يوجد تحت الماء أكبر بكثير. إنهم لم يتعلموا. هذا أولاً. ثانياً، لا يمكنك محاربة الإرهاب بينما تقدّم الدعم للإرهابيين بشكل مباشر من خلال تقديم السلاح والتحالف مع أكبر داعمي الإرهاب في العالم، أي السعودية. لا يمكنك فعل ذلك لأنه ينطوي على تناقض. لا يمكنك أن تكون اللص ورجل الشرطة في آن معاً. عليك أن تختار الطرف الذي تقف معه.

لكنني لم أسمع عن أي إمدادات غربية لداعش أو جبهة النصرة.
• يمكنك رؤية ذلك بكل وضوح على (شبكة) الانترنت. هناك الفرنسيون وأطراف أخرى بالطبع، إلا أن المثال الفرنسي موجود. كيف يمكن لبلد كفرنسا أن يبيع مثل تلك الأسلحة لجهة لا تعرفها، ولا تعرف إلى أين ستنتهي تلك الأسلحة؟ هذا مستحيل. إنهم بالتأكيد يعرفون ذلك من خلال السعودية وقطر وربما من بلدان أخرى.

لا أظن أن إسقاط القاذفة الروسية سيعقد محادثات السلام السورية

حصل حادث على الحدود التركية يتمثل في إسقاط قاذفة روسية. هل تعتقد أن هذا الحادث سيؤثر في حصيلة جهود الرئيس الفرنسي لتشكيل تحالف أوسع؟ هل تعتقد أن ذلك سيعقّد محادثات السلام في سورية؟
• لا أظن ذلك، لكنني أعتقد أن ذلك أظهر مضيّ (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان في غيّه، بل يمكن القول إنه فقد أعصابه لأن التدخل الروسي غيّر توازن القوى على الأرض. وبالتالي، فإن فشل أردوغان في سورية، وفشل مجموعاته الإرهابية، يعني نهاية حياته السياسية. ولذلك أراد أن يفعل أي شيء لوضع العراقيل في وجه أي نجاح، ولذلك فعل ما فعله. لكنني لا أعتقد أن ذلك سيحدث أي تغيير في التوازن. الحرب ضد الإرهاب مستمرة، وستكون المشاركة الروسية الداعمة أقوى، رغم أنها قوية في كل الأحوال. وأعتقد أنه لا مجال للرجوع إلى الوراء في هذا الصدد سواء فعلها مرة أخرى بهذه الطريقة أم بأي طريقة أخرى.

الرئيس الأميركي (باراك أوباما) يقول إنه لا يريد تكرار الخطأ نفسه، أن يشن هجوماً برّياً من دون أن يعرف فعلياً من سيملأ الفراغ. معظم المرشحين الرئاسيين في الانتخابات الأميركية يقولون إنهم يريدون أن يفعلوا أكثر بكثير من مجرد توجيه الضربات الجوية. ما المقاربة التي تعتقد أنها أكثر عملية في إلحاق الهزيمة بداعش؟
• في الواقع، إذا أردت التحدث عن الإرهاب بشكل عام، وليس فقط عن داعش، أعتقد أنه ينبغي العمل على عدة محاور وأن نجد حلاً متعدد الوجوه. جزء من ذلك الحل يتعلق بالأيديولوجيا وجزء يتعلق بالاقتصاد، وبالمواقف السياسية والتعاون السياسي، والأمر الأخير هو التعاون الأمني ومحاربة هذه المنظمات مباشرة. بسبب الوضع الذي نحن فيه الآن، ليس هناك مناص من محاربتها مباشرة. لكن هذا لا يكفي. إذا أردت أن تحارب هذه المنظمات وتهزمها ينبغي أن تقطع عنها الإمدادات والأسلحة والمال والمتطوعين الذين يدخلون إلى البلاد بشكل أساسي عبر تركيا، وبدعم من السعوديين والقطريين. هذه هي الخطوة الأولى التي ينبغي اتخاذها في الوقت الذي تهاجم فيه هذه المنظمات على الأرض، المشكلة الآن هي أننا نحارب الإرهابيين بينما يتمتعون هم بإمدادات غير محدودة من مختلف البلدان، وبشكل أساسي من البلدان الإقليمية وبدعم أو بتغاضٍ من الغرب، أو من بعض البلدان الغربية، إذا توخّينا الدقة.

لم أقل إننا ينبغي أن نبدأ العملية السياسية بعد أن نهزم الإرهاب.. لأن هزيمته عملية طويلة

قلتم إن أولويتكم تتمثل في محاربة الإرهابيين وإلحاق الهزيمة بهم قبل الحل السياسي. ما الذي تعنيه بإلحاق الهزيمة بالإرهاب؟ هل يعني ذلك ألا يبقى هناك أي مجموعات معارضة مسلحة في سورية؟
• لا يمكنك التحدث عن المعارضة بالمعنى السياسي بينما تحمل هذه المعارضة السلاح. عندما تتحدثون في بلادكم عن المعارضة، فإن ذلك يشير إلى الحركات السياسية وحسب. ثانياً، إذا كانت المعارضة سياسية، ينبغي أن يكون لها قواعد شعبية. وبالتالي، عندما نتحدث عن متمردين أو مقاتلين يحملون البنادق وأي أسلحة أخرى لمهاجمة الشعب السوري، أو الجيش السوري وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وما إلى ذلك، فإن هذا إرهاب، وليس هناك تعريف آخر له. إذاً نحن لا نقبل تعبير المعارضة المقاتلة أو المعارضة العسكرية أو «المعارضة المعتدلة» التي تحمل السلاح. هذه ليست معارضة، بل إرهاب. بالنسبة لنا، فإن المعارضة هي حركة سياسية تجري داخل أو خارج سورية، هذا لا يهم. الجانب الآخر من المعارضة هو بالطبع أن تكون وطنية وليست معارضة يتم تشكيلها في فرنسا، أو قطر، أو السعودية، أو الولايات المتحدة، أو المملكة المتحدة. ينبغي أن تكون معارضة سورية تتشكّل في سورية. لدينا معارضة سورية، معارضة سورية حقيقية. أما مدى حجمها أو قوتها فليس مهماً، وبالتالي، فإن إلحاق الهزيمة بالإرهاب يزيل العوائق من أمام أي عملية سياسية. الآن، إذا اتفقنا على أي خطوات أو إجراءات مع أي طرف في المعارضة في أي مكان من العالم، أعني مع معارضة سورية، ما الذي يمكن تحقيقه؟ هل تستطيع إجراء انتخابات حقيقية؟ هل يمكنك تحقيق الاستقرار مع المعارضة؟ للإرهابيين عالمهم الخاص ولهم أهدافهم الخاصة، لهم أجندتهم وأيديولوجيتهم، وهي مختلفة تماماً عن الجانب السياسي. وبالتالي، إذا بدأت بالعملية السياسية، وينبغي أن نبدأها، أنا لم أقل إنه لا ينبغي أن نبدأها، أنا قلت إنك إذا أردت أن تقوم بخطوات ملموسة، ينبغي أن يكون ذلك بعد أن نبدأ بإلحاق الهزيمة بالإرهاب. لم أقل إننا ينبغي أن نفعل ذلك بعد أن نهزمه لأن هزيمته عملية طويلة.

للعملية السياسية وجهان التعامل مع المعارضة السياسية وعملية المصالحة غير المشروطة

ثمة مشكلة رئيسية هنا. لقد جرى الحديث في فيينا عن معارضة معتدلة، بما في ذلك مجموعات مسلحة. أنت تقول إنه لا يمكن التفاوض مع كل من يحمل السلاح؟
• لا، للعملية السياسية وجهان: يتمثل أحدهما في التعامل مع المعارضة السياسية، والجانب الآخر في التعامل مع تلك المجموعات، وهي العملية التي نسمّيها في سورية عملية المصالحة، عندما يسلّمون أسلحتهم ويعودون إلى حياتهم الطبيعية، وتمنحهم الحكومة العفو.

بشروطكم؟

• لا، يكون العفو كاملاً إذا عاد الشخص المعني إلى حياته الطبيعية، ولا تُوجّه إليه أي تهمة، ويكون حراً في أن يعيش حياة طبيعية، حياةً مسالمة دون قتال ودون حمل السلاح ودون إرهاب الناس. لقد نجحت هذه المصالحات في سورية.. في الواقع فإنها حققت أكثر من أي عملية سياسية، إذاً، نحن لا نقول إننا لا نتعامل مع أولئك المسلحين، لأنهم إذا غيّروا موقعهم سيكون عليك بالطبع التعامل معهم، لكن عندما تتحدث عن داعش أو جبهة النصرة والمنظمات المرتبطة بالقاعدة، تجد أنها غير مستعدة لإلقاء سلاحها والتفاوض مع الحكومة في كل الأحوال. هم لا يقبلون هذا ونحن لا نقبله أيضاً، فأيديولوجيتهم ضد الحكومة وضد البلد برمّته. إنهم لا يعترفون بالحدود ولا يعترفون بالآخرين الذين لا يشبهونهم. وبالتالي، من الصعب، بل من المستحيل التوصل إلى أي مصالحة معهم. أنا أتحدث عن المجموعات الأخرى التي ترهب الناس من أجل الحصول على المال أو تبث الخوف في نفوس الناس أو لأي سبب آخر، وقد نجحنا في التفاوض معها.

ماذا نحقق من اتفاق مع معارضة لا تملك قواعد شعبية؟

إذاً، فأنتم توافقون بشكل كامل على محادثات فيينا التي نتحدث عنها بين الحكومة ومجموعات المعارضة خلال شهر، ربما مع حلول نهاية السنة؟
• منذ بداية هذه الأزمة، قلنا إننا مستعدون للتفاوض مع أي طرف. وبالتالي، فإن هذه المجموعات التي نعرف أنها مرتبطة بالفرنسيين أو بغيرهم، وليس بالسوريين، نتعامل معها على أنها معارضة تمثّل ذلك البلد، لأن السوريين يعرفون الواقع. نحن لسنا ضد أي شكل من أشكال التعاون أو الحوار أو المفاوضات، والحوار في الحقيقة هو التعبير الأدق. لكن في النهاية، إذا تم التوصّل إلى اتفاق مع تلك المعارضة التي لا تمتلك أي قواعد شعبية في سورية، ماذا تحقق؟ هذا سؤال بسيط. نستطيع التفاوض لأشهر، ثم في النهاية من سيقوم بالتنفيذ إذا كانوا لا يتمتعون بأي نفوذ على الإرهابيين وإذا لم يكن لديهم أي قواعد شعبية ولا يؤثرون في السوريين. ما معنى تلك الاجتماعات؟ من حيث المبدأ نحن لا نقول: لا. بل، نقول «نعم». لكن، في الواقع لا نستطيع أن نقول للناس إننا نأمل في تحقيق شيء من وراء ذلك، وأن هذه هي الطريقة لحلّ المشكلة.

الكراهية الطائفية في سورية تفاقمت بسبب السعوديين والقطريين

كيف تصف هذا الصراع: هل هو صراع بين الحكومة والمقاتلين من أجل الحرية، أم صراع يقاتل فيه الشيعة ضد السنّة، أو العرب ضد الفُرس؟ هل هو صدام بين القوى العظمى؟ هل هو قتال بين دولة علمانية ومتعصّبين دينيين؟ ما هو بالتحديد؟

• إنها تشتمل على جميع العوامل التي ذكرتها، لكن ليست جميع هذه العوامل حقيقية. أعني إذا أردت التحدث عن المشاعر الحقيقية للسوريين، على سبيل المثال، إذا أخذت العامل الطائفي الذي ذكرته، ستجد أنه ليس حقيقياً، لأنك إذا ذهبت الآن إلى أي مكان في سورية، في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية ستجد جميع ألوان طيف المجتمع السوري العرقية والطائفية. إذاً هذا غير صحيح، وإلا لما رأيت الناس يعيشون مع بعضهم بعضاً. إذاً ليس هذا هو الحال، لكن الكراهية الطائفية تفاقمت بسبب السعوديين والقطريين؛ كما أن هناك دائماً أولئك المتعصّبين الذين يصغون لذلك النوع من الخطاب. لكن ليس هو الواقع في كل الأحوال. الحرب قائمة بين الحكومة ومقاتلين مدعومين من قوى إقليمية ودولية لها ذات الأجندة. قد تكون دوافعها مختلفة، لكنها تمتلك نفس الأجندة. إنها تريد تغيير الحكومة. تريد الإطاحة بالحكومة والدولة في سورية وتغيير الرئيس والنظام السياسي برمته دون العودة إلى الشعب السوري.
هذه هي حقيقة المعركة. إذاً، عندما نتحدث عن متمردين نجد أنه ليس لديهم أي أجندة، وقد تفاوضنا معهم ووجدنا أنه ليس لديهم أي مطالب سياسية. إنهم يسعون فقط للحصول على المال. معظمهم مرتزقة يسعون لتحقيق أجندات الأطراف الأخرى. إذاً هذه هي حقيقة المعركة. لقد دعمت روسيا الحكومة لأنها تدعم القانون الدولي والاستقرار في المنطقة، واستقرارها هي واستقرار العالم بأسره. أما الولايات المتحدة فإنها تسعى دائماً للهيمنة على العالم؛ ولأن سورية مستقلة فإن أميركا لا تقبل بوجود بلد يقول لها لا. لكن في الواقع فإن الحرب قائمة بين الحكومة مدعومة من أغلبية الشعب السوري ضد مرتزقة مدعومين من تلك البلدان.

لا أهمية للمسؤولين الغربيين على المستوى الشخصي، حدث تطور مثير للاهتمام في التصوّر العام عنك، وخصوصاً في الغرب، حيث تحوَّلتَ من أمل بلادك إلى واحد من الأشرار الرئيسيين في العالم وأصبحت الآن مرة أخرى جزءاً من المعادلة القائمة في سورية. كيف عشت خلال عملية التحوّل هذه؟

• تحوّل من؟

تحولك من كونك أملاً لبلادك إلى …

• تعني قبل الأزمة؟

نعم أعني أن الجميع الآن يعتمد عليك مرة أخرى من أجل مستقبل سورية.
• إذا كنت تتحدث عن العلاقة مع الغرب، ففي عام 2005 كنت قاتلاً، وفي عام 2008 أصبحت صانع سلام، ثم في عام 2011 أصبحت الجزّار. إذاً هناك شيء من التغيير الإيجابي، لنقل تغييراً خجولاً وليس صريحاً.

كيف تقبّلت ذلك شخصياً، كيف عشت خلال هذا التحوّل؟

• من الناحية الشخصية، ليس لذلك أي أثر، ولسبب وحيد هو أنه لم يعد أحد يأخذ المسؤولين الغربيين على محمل الجد.. ولذلك عدة أسباب، أولها أنه لم يعد لهم مصداقية، وثانيها أنه ليس لديهم أي رؤية ويتّسمون بالضحالة، وثالثها أنهم ليسوا مستقلين، فهم يتبعون الأوامر الأميركية. إذاً فهم ليسوا جادين، وبالتالي لا أهمية لهم. وهذا ينطبق على معظم الأوروبيين. نحن ننظر إلى السيد، أي إلى الولايات المتحدة. وبالتالي، ليس لذلك أي أثر من الناحية الشخصية بالنسبة لي، خصوصاً عندما نكون في حالة حرب فإن الأمر المهم هو ما يريده السوريون والطريقة الذي ينظر بها الشعب السوري إليّ. هذا مهم جداً بالنسبة لي، ولا أكترث لما يراه الآخرون. إذاً، عندما نتحدث عن التذبذب الحاصل في السلوك الأوروبي حيال سورية أو حيالي شخصياً فإنه يتغيّر صعوداً وهبوطاً، لكنني لم أتغيّر. ما زلت أنا نفسي منذ أصبحت رئيساً عام 2000. وهكذا، عليك أن تسألهم هم عن سبب هذا التذبذب، وليس أنا.

أشعر بالحزن الشديد حيال السوريين الهاربين إلى أوروبا

إذاً الرسالة للغرب هي أنه لم تحدث أعمال قتل لا تميّز بين مدنيين ومقاتلين منذ بداية الحرب في سورية، وليس هناك عمليات تعذيب واسعة النطاق لخصوم النظام؟
• لنفترض أن هذا صحيح طبقاً لحملتهم الدعائية، كيف يمكن أن تستمر بالتمتّع بالدعم الشعبي والبقاء في منصبك لمدة خمس سنوات عندما يكون أقوى بلد في العالم ضدك، وعندما تكون أغنى بلدان العالم ضدك، وعندما يكون شعبك الذي تقتله ضدك؟ كيف يمكن لك أن تصمد أمام كل هذا. هذا غير واقعي. لا بد أنك تتمتّع بالدعم. كيف يمكن أن تحظى بدعم شعبك بينما تقوم بقتله؟ هل لهذا تفسير؟ لا، لأنه غير صحيح. إذا أردت التحدث عن الضحايا، فإن كل حرب هي حرب سيئة. ليس هناك حرب جيدة حتى لو كانت حرباً من أجل قضية جيدة، فإنها ستبقى حرباً سيئة، وعليك العمل لتحاشيها. لكن عندما لا تستطيع تحاشيها فإن الحرب تتعلق بالقتل، والسلاح يتعلق بالقتل، وهناك دائماً ضحايا أبرياء في كل حرب جرت على مدار التاريخ. أما فيما يتعلق بالنوايا فكيف يمكن أن تقتلهم بينما تسعى للحصول على دعمهم؟

كيف تشعر وأنت ترى صوراً لمئات آلاف السوريين يهربون إلى أوروبا؟

• أشعر بالحزن الشديد، خصوصاً إذا نظرت فستجد أن لكلّ واحد من هؤلاء السوريين الذين غادروا سورية قصة حزينة وراءه. هذا يعكس المشقّة التي تواجهها سورية خلال الأزمة. من منظور عقلاني، فإن كل شخص من هؤلاء السوريين يُعَدُّ مورداً بشرياً خسرته سورية، وبالتالي فإن هذا سيؤدي إلى تقويض بنية المجتمع في البلاد. لكن في النهاية علينا التعامل مع الأسباب. وأعتقد أن السؤال الذي ينبغي أن يطرحه كل أوروبي هو: لماذا يغادر هؤلاء؟ إنهم يغادرون لأسباب عديدة، أولها الإرهابيون الذين يهاجمونهم في كل مكان، سواء بشكل مباشر أو من خلال مهاجمة البنى التحتية، وأسلوب الحياة، والاحتياجات الأساسية وما إلى ذلك، وثانيها الحصار الأوروبي الذي استفاد منه الإرهابيون مباشرة، لأن كل حصار يكون ضد سكان البلد المعني. كثيرون غادروا سورية لأنهم لم يعودوا يستطيعون العيش هنا، لأنهم لا يستطيعون توفير الاحتياجات المعيشية الأساسية، ولذلك غادروا إلى أوروبا أو تركيا أو أي بلد آخر.

يقولون إنك خذلتهم بوصفك قائدهم.

• هل أنا من خذلتهم، أنا لم أُدمر بنيتهم التحتية، ولم أُعطِ السلاح للإرهابيين ليقتلوا ويدمروا.

السؤال هو: من فعل ذلك؟ إنهم الأوروبيون والسعوديون والقطريون.

هناك عمليات تسلل للإرهابيين في أوساط الفارين إلى أوروبا

ما الذي ينبغي أن تفعله أوروبا الآن؟ هل ينبغي للأوروبيين أن يخافوا من هؤلاء الناس أم أن يساعدوهم؟
• أولاً وقبل كل شيء فإن جزءاً كبيراً منهم غير سوريين. أما فيما يتعلق بالسوريين، فهم مزيج. يمكن القول إن أغلبيتهم من السوريين الجيدين الوطنيين، العاديين. لكن هناك بالطبع عمليات تسلل للإرهابيين في أوساطهم. هذا صحيح. لكننا لا نستطيع معرفة عدد هؤلاء. من الصعب تحديد ذلك، وهذا هو الواقع. أعتقد أن هناك بعض الأدلة على الانترنت. هناك صور ومقاطع فيديو تثبت أن بعض الأشخاص الذين كانوا يقتلون الناس هنا ويقطعون الرؤوس أحياناً قد غادروا إلى أوروبا كمواطنين مسالمين.

لكن بشكل عام، هل تعتقد أنه ينبغي الخوف منهم أو مساعدتهم؟

• هذا يعتمد على كيفية تعامل الأوروبيين معهم، لأنك لا تتحدث هنا عن الإرهاب وحسب، بل تتحدث عن الثقافة، حتى قبل الأزمة، قبل هذا السيل من اللاجئين الذين يغادرون إلى بلادكم. المشكلة تتعلق بكيفية قيام أوروبا بإدماج هذه الثقافات في مجتمعكم وأعتقد أن أوروبا قد أخفقت، سواء فيما يتعلق بطريقة تعامل أوروبا مع الوضع أو لأن المؤسسات الوهابية تنفق أموالها على تحريف فهم المسلمين. أنا أتحدث عن المسلمين في أوروبا. لقد خلق ذلك المزيد من المشكلات وأدى إلى تنامي التطرف في بلادكم. في الواقع فإن هذه المنطقة كانت في بعض الأحيان تصدّر بعض التطرّف إلى أوروبا. خلال الأزمة التي نعاني منها، باتت أوروبا تصدّر التطرف إلينا. إذاً الأمر يعتمد على كيف ستتعاملون مع الوضع؛ وأنا لا أعتقد أن تحقيق الاندماج سيكون أمراً سهلاً.

العلمانية والاعتدال هما أثمن ما أحاول حمايته في سورية

كيف ترى نفسك في هذا الصراع. تقول إن أعداءك هم من الإرهابيين، والمتعصّبين، والعملاء الأجانب. ما هو أثمن شيء تحاول حمايته؟
• في بلدنا

نعم.

• العلمانية، لأن سورية عبارة عن بوتقة تنصهر فيها مختلف الجماعات الطائفية والعرقية. العلمانية في سورية تختلف عن تلك التي يفهمها البعض في الغرب، وخصوصاً ربما في فرنسا، على أنها ضد الدين. في الواقع فإن العلمانية في سورية هي حرية الأديان والطوائف والأعراق. دون ذلك لا وجود لسورية التي عرفها العالم منذ قرون. إذاً، هذا هو الأمر الأكثر أهمية الذي نحاول حمايته. الشيء الثاني هو الاعتدال، لأنه وبحكم هذا الغنى والتنوع في المجتمع وعلى مدى قرون لدينا هذا الاعتدال، دون الاعتدال لا وجود للبوتقة التي تحدثنا عنها.. ما يعمل عليه الإرهابيون الآن هو إنشاء جيل جديد لا يعرف شيئاً عن التسامح. هؤلاء سيكونون قتلة، ومتطرّفين، ومتعصّبين لا يقبلون الآخر. وخلال بضع سنوات سيصبح هذا خطراً حقيقياً، كيف يمكننا التعامل مع هذا الجيل الجديد؟ لا نتحدث هنا عمّن هم في العشرين فما فوق، بل عن أولئك الذين دون العشرين من العمر. هذا هو التحدي الحقيقي الذي سنواجهه.

هل هناك شيء لا يمكن أن تفعله لحماية تلك القيم التي ذكرتها؟

• لا، ينبغي أن نفعل كل ما بوسعنا لحماية بلدنا. لا تستطيع أن تحمي بلدك ما لم تحم المجتمع، والمبادئ والقيم في ذلك المجتمع. الوطن ليس أرضاً وحدوداً فقط، بل هو شعب وطريقة تفكير.

وثقنا بكثيرين ما كان ينبغي لنا أن نثق بهم سواء داخل سورية أم خارجها

إذا أُتيحت لك الفرصة لتغيير قرار واحد اتخذته خلال السنوات الخمس الماضية، فما هو ذلك القرار؟

• لقد وثقنا بكثيرين ما كان ينبغي لنا أن نثق بهم. تلك هي المشكلة الأكبر، داخل سورية وخارجها. هذا ينطبق على أردوغان على سبيل المثال في الماضي، وعلى العديد من السوريين الذين اكتشفنا خلال الصراع أنهم متعصّبون وأن لهم أيديولوجيا متطرفة كالإخوان المسلمين، وبعضهم كان ينتمي إلى القاعدة، وباتوا الآن يحملون السلاح ويقاتلون. في البداية كنا نعتقد أنهم يعملون لمصلحة وطنهم. كانت تلك هي القضية الرئيسية. لكن إذا تحدثنا عن الاستراتيجية، أعتقد أنها كانت تستند إلى دعامتين: الأولى تتمثّل في الحوار، والثانية في محاربة الإرهاب. هاتان الدعامتان لن تتغيرا، ولن نغيّر ذلك.

ولا حتى التوازن بين هاتين الدعامتين؟

• لا تستطيع التحدث عن التوازن لأن هناك واقعاً يتغيّر كل يوم، ولذلك ينبغي أن يستمر الحوار إلى الحد الأقصى، وينبغي أن تستمر محاربة الإرهاب بحدها الأقصى. ينبغي أن يكون هناك علاقة مطّردة بين الدعامتين دون وجود أي تضادّ بينهما. وبالتالي لا حاجة للتوازن في هذا الأمر، بل هناك حاجة للعمل بالحد الأقصى في كلا الأمرين وبالتوازي.

قبل الأزمة لم تكن العلاقات مع التشيك علاقات دافئة.. لكن استقلاليتها أكسبتها احترامنا

لنتحدث قليلاً عن العلاقات مع جمهورية التشيك. لقد كانت جمهورية التشيك واحدة من مجموعة قليلة من البلدان التي أبقت سفراءها في سورية طوال فترة الصراع. ما مدى أهمية ذلك بالنسبة لكم؟
• هذا مهم لعدة أسباب. أولاً، قبل الأزمة لم تكن العلاقات مع جمهورية التشيك علاقات دافئة. في الواقع كان هناك العديد من الاختلافات. وكانت علاقاتنا مع معظم البلدان الأوروبية أفضل من علاقاتنا مع بلدكم. في الواقع، فإن ما حدث خلال الأزمة عندما تبنّت معظم البلدان الأوروبية الحملة الدعائية الغربية حيال ما يحدث في سورية، فإن بلدكم حافظ على توازنه فيما يتعلق بهذه العلاقة، هذا لا يعني أنكم تدعمون الحكومة السورية أو الرئيس السوري، بل يعني أنكم تلعبون دوراً طبيعياً ينبغي لكل بلد أن يلعبه من خلال المحافظة على العلاقات حتى مع الخصوم. كيف يمكن لكم أن تلعبوا دوراً، وكيف لكم أن تعرفوا ما يحدث دون أن يكون هناك علاقات. هذا أحد وجوه المسألة. الوجه الثاني هو أن جمهورية التشيك بلد صغير وجزء من الاتحاد الأوروبي، وقد خضعت لضغوط شديدة من العديد من البلدان الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لتغيير موقفها، والذي يمكن أن يكون أحياناً رمزياً من خلال الإبقاء على السفارة. يمكن أن يكون هذا رمزياً في بعض الحالات. رغم ذلك أرادت جمهورية التشيك أن تكون مستقلة، وهذا ما نفتقده في العالم اليوم. معظم البلدان ليست مستقلة، ومعظم المسؤولين ليسوا مستقلين، وخصوصاً في الغرب. إذاً فإن الوجه الآخر هو أن بلداً صغيراً كجمهورية التشيك يمكن أن يكون مستقلاً، وهو ما أكسبَ بلدكم احتراماً كبيراً في سورية لهذا الموقف، سواء كنا نتّفق مع موقفكم أو لا نتّفق، لكننا في المحصلة نحترم هذا الموقف. هذا هو سلوك رجال الدولة فيما يتعلق بالمواقف السياسية لمسؤوليكم، وهو أمرٌ مهم جداً بالنسبة لنا. الوجه الثالث هو مصداقية مواقفكم، لأن العديد من الحكومات الأوروبية باتت تعترف الآن أنكم كنتم محقّين في موقفكم حيال ما يجري في سورية وحيال إبقائكم هذه القناة المفتوحة مع الحكومة السورية. أعتقد أنهم باتوا الآن بحاجة لمساعدتكم كي يتمكّنوا من العودة إلى المسار الصحيح، وخصوصاً فيما يتعلق بالجانب السياسي. وبالتالي فإن لهذه المسألة وجوهاً متعددة يمكن اختصارها بهذا الموقف المتوازن فيما يتعلق بالوضع في سورية.

ينبغي أن تكون متفائلاً لتتمكن من حل المشكلات واستعادة الحياة الطبيعية في سورية
ثمة جانب آخر وهو أن الرئيس (التشيكي ميلوش) زيمين تحدث عن احتمال توقيع اتفاق سلام سوري في براغ. هل تدعمون هذه الفكرة؟
• بالطبع. نحن ندعم أي محاولة لإيجاد حل للأزمة في سورية، وخصوصاً إذا أتت من حكومة تتمتّع بالمصداقية. سنكون سعداء جداً بالتعاون معها بالتأكيد.

لكن فيما يتعلق بالمعنى الرمزي، أعني فيما يتصل بمحادثات جنيف ومحادثات فيينا، هل ستكون عملية التوقيع في براغ واقعية؟
• بالطبع ستكون واقعية. إذا سألت السوريين، فإنهم سيقولون إنه لا يمكن أن يُعقد مؤتمر للسلام في فرنسا، على سبيل المثال، لأن فرنسا تدعم الإرهاب وتدعم الحرب. إنها لا تدعم السلام. لكن إذا ذكرت براغ، فسيكون هناك قبول عام بهذه الفكرة نظراً للموقف المتوازن لبلدكم.

في المحصلة، وبعد ما حدث في سورية على مدى السنوات القليلة الماضية، وقد رأى الجميع تلك الصور المرعبة، هل تُعاني من الأرق ليلاً، وهل ترى أحلاماً مزعجة؟
• إنك تعيش حالة الحزن هذه كل يوم. إنك تعيش مع معاناة الناس بشكل يومي، وفي كل ساعة من ساعات النهار هناك أخبار سيئة، وبالتالي فقد أصبح هذا هو المناخ الذي نعيش فيه. لكن في الوقت نفسه، فإن السوريين يشعرون بأن هذا هو أحد التحديات التي تفرزها الأحداث ليس فقط من خلال القتال، ليس فقط فيما يتعلق بالمواقف السياسية، بل أن تعيش حياتك اليومية. وأحد أكثر الأمثلة أهمية على ذلك يتمثّل في أُسر الشهداء في بلدنا. تذهب لزيارتهم وتنظر إليهم فترى أن لديهم إرادة قوية وإنهم يحاولون أن يعيشوا حياة طبيعية ما وسعهم ذلك. ولذلك لا تستطيع أن تترك نفسك في فقاعة من الحزن. عليك أن تتابع حياتك وأن تبعث الأمل في الناس، وينبغي أن تكون متفائلاً بحيث تتمكن من حل المشكلات واستعادة الحياة الطبيعية في سورية.

بعد الأزمة سنستطيع تحديد الأشياء التي كنّا مخطئين بصددها هل هناك مجال للشك بالنسبة لرجل في مثل منصبك؟

• شك بماذا؟

شكوك حيال أفعالك والخطوات التي اتخذتها.

• تقصد في الماضي؟

نعم، أعني عندما تسأل نفسك…

• عليك بالطبع أن تراجع نفسك كل يوم، وإذا نظرت إلى التفاصيل، فهناك دائماً تفاصيل تفكّر فيها وتقول إن ذلك كان يمكن فعله بطريقة أفضل، لأنه ليس هناك شيء صحيح بالمطلق أو خطأ بالمطلق، وبالتالي تفكر ما نسبة الصح أو الخطأ؟ هذا أمرٌ ذاتي، فأنت تغيّر رأيك في كل شيء كل يوم، حيث يعتمد ذلك على الوضع خصوصاً عندما لا يكون هناك عاملٌ منفصل، فجميع العوامل مترابطة، وبالتالي فإن تحقيق التوازن بين مختلف الإجراءات التي تتخذها ليس أمراً سهلاً. تستمر بالمراجعة والتغيير. لكنني أعتقد بأن التقييم الحقيقي والموضوعي الوحيد سيكون بعد نهاية الأزمة، لأنه من الصعب أن تتوصل إلى استنتاجات حول كل شيء وأنت في خضمّ الحرب. ولذلك أعتقد أننا بعد الأزمة سنستطيع تحديد الأشياء التي كنّا مخطئين بصددها، ومن المؤكد أننا نرتكب الأخطاء كغيرنا من البشر.

عندما تُجرى الانتخابات سيقرر السوريون إذا كانوا يريدونني.. وسأكون سعيداً بتمثيلهم

أين ترى سورية بعد عشر سنوات؟

• خلال 10 سنوات فإن الخيار الوحيد أمامنا هو إلحاق الهزيمة بالإرهاب. ليس هناك طريق آخر. ثانياً، المحافظة على المجتمع العلماني وأطيافه المختلفة. ثالثاً، إجراء الإصلاحات في سورية لتحقيق ما يُريده السوريون فيما يتعلق بنظامهم السياسي ومستقبلهم. إذاً، أعتقد أن الأمر الأكثر أهمية هو المحافظة على العلمانية، وأن يُصبح السوريون أكثر اندماجاً مما كانوا قبل الأزمة، رغم أنهم كانوا مندمجين، لكن هناك دائماً ثغرات في المجتمعات. كما آمل بتحقيق الرخاء لسورية.

وأين ترون نفسكم بعد 10 سنوات؟ هل تستطيعون تخيّل الحياة خارج المكتب الرئاسي، أو ربما خارج سورية؟
• بصراحة، أنا لم أكترث يوماً للمنصب، ولا أكترث له اليوم، ولن أكترث له في المستقبل. لم أُفكر في ذلك مطلقاً، حتى قبل أن أُصبح رئيساً، لم أُفكر يوماً في المنصب. الأمر يتعلّق بما يريده السوريون. الآن، ونحن وسط هذه الحرب، لن أقول إني سأغادر لأي سبب من الأسباب ما لم يرغب الشعب السوري بمغادرتي. في حالة الحرب، ينبغي أن تقوم بواجبك في حماية بلدك، وإلا ستكون خائناً. وهذا غير مقبول بالنسبة لي أو بالنسبة للسوريين. عندما تُجرى الانتخابات فإن السوريين سيقررون إذا كانوا يريدونني، وسأكون سعيداً بتمثيلهم. وإذا لم يرغبوا بوجودي، سأكون سعيداً بالتنحي. ليس لدي أي مشكلة في ذلك.

الأمر الوحيد الذي أبقاني في منصبي هو الدعم الشعبي

على مدى خمس سنوات، كان هناك نقاش حول تنحّيكم. في بعض الأحيان بدا أن المسألة لا تتعلق بما إذا كنتم ستتنحّون، بل بمتى سيحدث ذلك. لكن بعد خمس سنوات، لا تزالون هنا. ما الذي تمتلكونه أنتم ولم يمتلكه زعماء مصر، وتونس، وليبيا؟

• الدعم الشعبي. عندما لا تتمتع بالدعم الشعبي لا يمكنك أن تنجح، بل ستفشل. إذا أردت الحديث عن أولئك الرؤساء الذين ذكرتهم، تجد أنهم لم يكونوا يتمتّعون بالدعم الشعبي، بينما كانوا يتمتعون بالدعم الغربي في البداية. لكن عندما لاحظ الغرب أنهم لم يكونوا يتمتّعون بالدعم الشعبي غيّر موقفه وأخبرهم بأن عليهم أن يغادروا، بينما في سورية فإن الأمر الوحيد الذي أبقاني في هذا المنصب هو الدعم الشعبي ولا شيء سواه.

إذاً، سيكون مكانكم في التاريخ مكان «الناجي الأخير»؟

• لا، ليس بهذه الصورة. لقد كنت صريحاً جداً مع السوريين منذ البداية، فأنا شخص صريح جداً. ثانياً من المهم جداً أن يعرف الناس أنهم يقاتلون من أجل بلدهم وأنك تقاتل معهم. أنت لا تخوض حرباً خاصة بك. إنهم لا يحاربون لإبقائي رئيساً، لإبقائي في هذا المنصب. وأنا لا أحارب كي أبقى في هذا المنصب، وهذا أمرٌ يعرفونه جيداً عني. لو كانت هذه حربي أنا وإذا كانت تخاضُ من أجل المحافظة على منصبي، لن يحارب أحدٌ فيها، لن تجد هؤلاء الناس يقاتلون ويضحّون بحياتهم من أجل هذا.
الوضع سيتغيّر في اليوم التالي
لوقف الدول دعم الإرهابيين

السؤال الأخير، السؤال الأكثر صعوبة، متى سيحل السلام في سورية؟

• عندما تتوقّف تلك البلدان التي ذكرتها فرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، والسعودية، وقطر وبعض البلدان الأخرى التي تدعم أولئك الإرهابيين عن دعمهم، فإن الوضع سيتغيّر في اليوم التالي وستصبح الأوضاع أفضل خلال بضعة شهور، وسيكون هناك سلام شامل في سورية. هذا مؤكد.

هل هناك أي جدول زمني لذلك؟
• كما قلت، خلال بضعة شهور، إن توقفوا عن ذلك. أما إذا لم يتوقفوا ووضعوا العراقيل، فإن ذلك يتغيّر، لكن رغم هذه العقبات فإننا سننتصر. أما متى، فإن ذلك تصعب الإجابة عليه.

هل أنت متفائل حيال ذلك؟
بالتأكيد، وإلا لما قاتلنا. لو لم نكن نمتلك الأمل لما خضنا هذه الحرب كسوريين.

شكراً لكم سيادة الرئيس.

شكراً لزيارتكم. لقد استمتعت كثيراً بهذه المقابلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن