قضايا وآراء

«المجتمع الدولي» ورسائل الرئيس

باسمة حامد :

تستحوذ حوارات الرئيس الأسد الإعلامية على اهتمام لافت بما فيها من رسائل ودلالات، وهذه الخلاصة تترجم نفسها ربطاً بالصورة التي ترسمها دوائر الاستخبارات العالمية منذ مدة عن حلفائها في تركيا وقطر والسعودية لعلاقة أنظمتها العضوية بالتطرف والإرهاب.
ففي تلك الصورة ثمة معطيات تثبت مصداقية التحذيرات السورية بخصوص الإرهاب المدعوم من أنظمة بعينها ومنها:
1- الاستياء الدولي من تصرفات النظام التركي وتحالفاته مع التنظيمات الإرهابية التي يستغلها للتغطية على تجارة النفط الرائجة بينهما. (بصرف النظر عن رشوته بثلاثة مليارات دولار للمساعدة على حل أزمة اللاجئين).
2- الانتقادات الواسعة لملف حقوق الإنسان في قطر.. والربط بين التقاطعات الفكرية وسياسة قطع الرؤوس بين النظام السعودي و»الدولة الإسلامية»، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن رسام الكاريكاتير البريطاني الشهير اختزل قبل أيام توحش الطرفين برسمهما في صورة واحدة بجريدة /التايمز/ مرفقة بعبارة «عبادة الموت الوحشية» ومنتقداً دعم الغرب للمملكة بوصفها «صديقاً وحليفاً»!!
3- تزايد الوعي الدولي بأهمية التنسيق الاستراتيجي مع روسيا لتعزيز الأمن والاستقرار كنموذج فاعل وحقيقي في محاربة الإرهاب بشكل قانوني وشرعي، بالتوازي مع انتقاد سياسات الولايات المتحدة التي تبنت إسقاط الأنظمة بالقوة فتسببت بالفوضى وخلق دول فاشلة وظهور «داعش» وغيره..
4- تعمق الخلافات السعودية المصرية وعزم المملكة على إعادة تقييم العلاقات الثنائية لانزعاجها من انخراط الرئيس المصري في المحور الروسي الإيراني.
والحقيقة أن «الأزمة» تخطت حدودها المحلية وأصبحت عالمية بكل ما تعنيه الكلمة، ولاشك أن مسألة «تسلل إرهابيين» مع المهاجرين إلى أوروبا ليست سيناريو افتراضياً ألفه الرئيس السوري بل مشكلة خطيرة حلها الجذري مرتبط بالتنسيق العملي مع محور إقليمي أساسي (دمشق موسكو طهران بغداد) يواجه آفة الإرهاب بآليات ديناميكية تتحقق معها انتصارات عسكرية متدحرجة وتسويات سلمية مهمة (آخرها ما أُنجز في ريف دمشق وحمص).
و يبدو أن الجميع مازال متمسكاً بالعملية السياسية في سورية وهذا ما تظهره مؤشرات عدة: كتحريك الجمود في ملف الرئاسة اللبنانية وإطلاق سراح العسكريين اللبنانيين المختطفين، وإشارة الرئيس بوتين بعد اجتماع جمعه بنظيره الأميركي في قمة المناخ بباريس وحول لقاء فيينا القادم:»سيسعى لإيجاد نقاط تواصل جديدة لحلها».. وإشادة أمين عام حلف الناتو بالدور الروسي في التسوية رغم توتر العلاقات بين موسكو وأنقرة.
وما يساهم بترتيب المشهد السوري ضمن هذا المسار قوة الحضور الروسي الذي يدفع بالتنظيمات الإرهابية إما للتقاتل مع بعضها البعض أو بالهرب نحو ساحات أخرى، فتنظيم «داعش» ومع اقتراب خسارته لمدينتي إدلب والرقة معقله الأبرز بدأ يتوسع في ليبيا للسيطرة على آبار النفط والاقتراب من الحدود الأوروبية. وتجسيداً لهذا الطموح رفع التنظيم الإرهابي من وتيرة استقبال المقاتلين الأجانب وأعلن سرت الليبية عاصمة له الأحد الماضي، ووفق صحيفة /وول ستريت جورنال/ الأميركية فإن عدد مسلحي التنظيم «ارتفع في المدينة من 200 إلى 5000 خلال عام واحد»!!
فهل بدأ «المجتمع الدولي» يتلقف رسائل الرئيس الأسد بجدية أكبر من ذي قبل وخصوصاً أن كل ما حذر منه تحول إلى واقع ملموس؟!!
السؤال يطرح نفسه في ظل النقاش الدائر حالياً في العالم على المستويين الشعبي والرسمي حول الإرهاب، لكن من الواضح أن مقاربة الإرهاب عالمياً تتشابه إلى حد بعيد مع رؤية الرئيس الأسد باعتبارها ظاهرة معقدة لا بد من التصدي لها بوسائل مختلفة: فكرياً وسياسياً وثقافياً وعقائدياً وعسكرياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن