ثقافة وفن

الاستئثار بالمواقع التحريرية الإدارية في اتحاد الكتاب العرب!

صبحي سعيد قضيماتي :

لم يُكتب عن شؤون اتحاد الكتاب العرب إلا القليل القليل.. ولم يُكتب عن الانتخابات، وعن نتائج الانتخابات، التي أكدت بنية المكتب التنفيذي، أننا خضنا الانتخابات بعقلية بدائية، تفتقر إلى أسس منطقية، تهدف إلى الارتقاء باتحاد الكتاب العرب إلى مراتب أفضل، ترفع من مكانته وفاعليته في حياتنا الثقافية، والإبداعية. فالحياة (الحركة) الثقافية والإبداعية، لا تلبي أدنى درجات طموحاتنا، وأكثرنا غير راض عن الواقع الثقافي، والإبداعي.. وبعضنا يرى أن الساحة خاوية من الإبداع الأصيل… الإبداع الذي ينبع من أحلام وطموح المجتمع، ويعبّر عن آلامه، وأوجاعه، وهمومه.
وإذا أردنا أن يكون لدينا مؤسسات ثقافية- إبداعية فاعلة ومؤثرة، فعلينا أن نفكر بأسس سليمة.. فقد سمعت الأستاذ نزار سكيف نقيب المحامين يقول في إحدى محاضراته، في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب: (نحن مؤسسات بلا أسس).. ونحن في القرن الحادي والعشرين. فإذا كانت مؤسساتنا بلا أسس، ونحن في القرن الحادي والعشرين، فما الإنجازات التي تنجزها مؤسسات بلا أسس، على الصعيد الصناعي، والزراعي والتجاري، والثقافي والإبداعي؟.. وهل أسسنا لمؤسسات ثقافية، لها أهداف محددة، نسعى إلى تحقيقها، انطلاقاً من حاجات المجتمع الماسة إليها؟ فماذا فعلنا في مجال القراءة، وما الأسس التي وضعناها للارتقاء بالقراءة، في وقت أصبح الكتاب والشعراء، يشتكون من الوقت المخصص للقراءة، وفي وقت بتنا نسمع فيه أن فلاناً لا يقرأ إلا المقالات التي ينشرها؟. إذاً تقلص الوقت المخصص للقراءة حتى لدى الأدباء والشعراء، والعاملين في حقول الثقافة. فأين دور اتحاد الكتاب في هذا المجال، على سبيل المثال؟

لم تزل الأمور الخدماتية هي التي تشد (الطامحين) الطامعين وتغريهم بالفوز بعضوية اتحاد الكتاب، للحصول على حصة من الغنائم التي يهبها الاتحاد لأعضائه. ويبقى الدافع المادي هو المحرك الرئيس لسلوك الأعضاء.. فنرى أكثر الأعضاء ثراءً، هم أول من يهرع للحصول على الضمان الصحي، الذي أصبح حصصاً ربحية، يحصل عليها الغني قبل الفقير من أعضاء الاتحاد بالتساوي. فكيف أصبح الضمان الصحي الذي يجب أن يُمنح لمن يحتاجه، حصةً ربحية تُمنح للأعضاء، كما تُوزع الأرباح في شركة تجارية؟ ويبقى هذا الدافع المادي، هو المحرك للحصول على (مقعد) في المكتب التنفيذي.. وهذا ليس اتهاماً، بل هي حقيقة مرة.. فالذي يفوز بعضوية المكتب التنفيذي، سيحصل على مكاسب مادية عالية الجودة، بما فيها السيارة، وملحقاتها. إذاً الغنائم هي المحرك في سلوكنا، وليست المشاريع الثقافية، أو الطموح الإبداعي، أو الكفاءة هي التي تفتح الطريق أمامنا للوصول إلى مجلس الاتحاد، أو إلى المكتب التنفيذي. وأرى أن في ذلك خطورة كبيرة، إذا لم نبحث في نوعية أعضاء المكتب التنفيذي، من حيث التفرغ، ومن حيث قدرة العضو على الإسهام في التطوير والارتقاء. وتجري أحاديث كثيرة وتساؤلات كثيرة عما قدمه بعض أعضاء من فازوا بعضوية المكتب التنفيذي، وما الفائدة التي قدمها هؤلاء للاتحاد، غير فواتير الهواتف العالية جداً، التي استخدموها لأغراضهم الشخصية. وأقدم أحد أعضاء المكتب التنفيذي السابق، على جمع المقالات التي كُتبت عن زكريا تامر، وأصدرها عن الاتحاد في كتاب، ثم حصل على قرار من المكتب التنفيذي يخوله شخصياً توزيع المكافآت بمن فيهم من توفاهم اللـه (هل وصل الطمع إلى هذه الدرجة من الجشع) فالطمع بالغنائم والشهوة للمكاسب المادية، يحركان دوافع الفساد، والابتعاد عن أهداف الاتحاد..
ومن توزيع المهام بين أعضاء المكتب الحالي، نستشف أن الغنائم هي الدافع لسلوكنا. أليس من المستغرب والعجيب أن يستأثر عضوان من المكتب بصحيفة الأسبوع الأدبي.. أروني في أي بلد يحدث مثل هذه الأمور العجيبة؟!.. فهل يستطيع صحفي أو أديب أن يعطي دورية واحدة حقها، إلا إذا تفانى في خدمتها، وأعطاها جل جهده واهتمامه؟! والجمع بين وظيفتين مهمتين لا يليق إلا بالأفذاذ.. لكن لدينا، ليس له أي دافع نبيل إلا دافع الغنيمة التي تسيطر على عقول وقلوب العديد منا.
هل من المنطق أن يستأثر عضو مكتب تنفيذي بمهمة المسؤول عن الجانب الإداري والمالي، إلى جانب رئيس أو مدير تحرير مجلة؟ ما ذا جرى؟ كيف جمع هذا الرجل الفذ بين اختصاصين، تحتاج كل مهمة إلى تفرغ وإلى جهد كبير؟ ألم يبق رجال غير أعضاء المكتب التنفيذي، الذين لا يرون إلا أنفسهم رجالا لكل المهام؟ ولا يكتفي عضو من المكتب التنفيذي أن يكون نائباً للرئيس، فيجمع إلى جانب مهمة نائب رئيس اتحاد الكتاب، بمهمة رئيس تحرير الموقف الأدبي، من أجل أن يستوفي هذا العضو استحقاقه المالي ومكاسبه المادية؟
أرى أن مهمة المكتب التنفيذي هي في توزع المهام، بشكل منطقي، حسب الاختصاص، والتفرغ، لا في أن يستأثر أعضاء المكتب التنفيذي بهذه المهام، أو يطوعها المكتب حسب أهواء أعضائه. وقد ناقشت السيد رئيس اتحاد الكتاب العرب، الدكتور نضال الصالح، في موضوع البرنامج التلفزيوني الخاص باتحاد الكتاب، وعبّرت عن اعتراضي على من كَلِّفه المكتب التنفيذي هذا البرنامج. لكن الدكتور نضال دافع عن التكليف قائلا: (إن المكلف لم يَتْرك له أعضاء المكتب التنفيذي أي مهمة، لذا تم تكليفه البرنامج التلفزيوني).. ويُذكر أن لعضو المكتب المكلف البرنامج التلفزيوني، مهام عديدة، تكفي لعشرة رجال وأكثر. ونتساءل: لماذا هذا الاستئثار بالعديد من المهام، في حين هناك طاقات تبحث عن عمل يُفعّل خبرتها وجهودها، في سبيل نهضة، نشارك فيها جميعاً.. لكن مع الأسف، ما زال فينا بعض (المبدعين) لا يرون العالم إلا من خلال حصصهم في غنائم يفوزون بها، ولا يشبعون منها. ونتساءل أيضاً: ( لماذا معظم المسؤولين عندنا، إن لم نقل جلهم، لا يفهمون المسؤولية، إلا من خلال ما يحصلون عليه من غنائم…؟؟ لذا يتعطل فكرنا إلا في الهرولة بحثا عن الغنائم…
مهام أخرى تراكم عليها الغبار
ما زال اتحاد الكتاب كمؤسسة إبداعية ثقافية، تنتظر منا جهوداً كبيرة تؤكد اهتمامنا وإيماننا بدور ثقافي وإبداعي متميز، يفتح الطريق أمام مجتمعنا، إلى نهضة حضارية رفيعة المستوى!.. فلا نهضة إلا ويسبقها نهضة في حقول الثقافة والأدب والإبداع بصورة عامة. ولكي نقوم بهذه المهمة، علينا أن نستند إلى أسس علمية ومعرفية وأخلاقية، لا تسمح بالاستئثار، بل تشجع الإيثار، الهادف إلى تنشيط أعضاء اتحاد الكتاب كافة. وفي اتحاد الكتاب هناك قانون، لا يسمح بالجمع بين مهنتين. فكيف «تمدمد» أعضاء المكتب التنفيذي الحالي، وراحوا يستحوذون على أكثر من مهمة في وقت واحد، وكأن المكتب التنفيذي هو المعني الوحيد بأمور الاتحاد، وهو المعني الأول والأخير، وهو الأكثر كفاءة ومقدرة، دون سواه من خلق الله.

الكتب وأمور أخرى
كميات الكتب الكبيرة، التي تملأ المستودع، تحتاج منا إلى وقفة طويلة عن الأسباب التي دفعتنا إلى طباعة هذه الكتب، التي لم تلق رواجاً، أو لم تصل إلى القارئ؟ وهل كانت تلك الكتب تستحق أن يتولى اتحاد الكتاب طباعتها؟؟ وهل تعاملنا مع الكتاب في الطباعة والتسويق، كما يجب؟؟… وأسئلة وتساؤلات أخرى بحاجة إلى دراسات عميقة للإجابة عنها، وبخاصة شروط الانتساب، التي مضى عليها أكثر من ربع قرن، من دون أن تنال أي اهتمام من قِبَل المكاتب التنفيذية السابقة، للإضافة، أو التعديل.. وما الطرق التي يتم من خلالها التحايل على شروط الانتساب، من خلال الوساطات التي لا ننفي وجودها في حياتنا الخاصة والعامة. لدينا مجالات عديدة للدراسة والبحث للاستفادة من تجارب المكاتب التنفيذية السابقة، أو تحديد تقصيرها ومن ثم البحث عما يحتاجه الاتحاد منا، لتفعيل دوره في تطور مجتمعنا..
وهذه مهام وقضايا لا يستهان بها، تنتظر منا جهوداً جدية صادقة، لا تستند إلى الاستئثار، بل تستند، وتنبع من الإيثار، والمبادئ السامية التي لا يمكن أن نحقق أي نجاح إذا أضعناها أو نسيناها!
أخيراً.. أمنياتي الطيبة للمكتب التنفيذي الجديد بالتوفيق والنجاح الذي يلبي طموحاتنا الإبداعية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن