اقتصاد

«شراء» التضخم.. وهم حكومي

علي هاشم :

لمواجهة الموجة الجديدة من فوضى الأسواق والنقد، طلبت الحكومة من وزارة التجارة الداخلية «رؤى جديدة لضبط الأسعار»، ومع تناقل معلومات عن سعيها لاستصدار قانون جديد للنقد، يتيقن المرء بأننا مستمرون بإصرار في مناكفتنا العبثية مع تمظهرات أزمتنا الاقتصادية التي نعيشها، لا الأزمة ذاتها، ما ينعي آمالنا بالخروج من متاهتها الحلزونية قريبا!.
تقول التعاريف الاقتصادية الأساسية: النقد سلعة قياسية خلقت لمعادلة قيمة سلعة أخرى، والحال كذلك، يتضح بأن لا معنى للنقد ما لم تتطلبه سلعة مقابلة لقياس القيمة الاجتماعية للعمل المنفق في إنتاجها، تحت هذه الحقيقة تم توجيه العصابات الإرهابية منذ بدء الحرب إلى نفي السلعة تمهيدا لنفي قيمة النقد.
وبعدما توقف تدفق القسم الأكبر من سلعنا المنتجة والمتداولة بالليرة، تحول قسم وازن من كتلتنا النقدية إلى غير ذي معنى، فرغم عدم وضوح الحجم الحقيقي لتردي إنتاجنا، بسبب الحرب، إلا أن انزلاق ميزاننا التجاري بحدود 1/11 لمصلحة المستوردات يشير إلى أن الكتلة النقدية السائبة «التي فقدت قيمتها السلعية» ليست بالقليلة.
إن اتفقنا على ما سلف، فسنتفق أيضاً على أن جوهر مشكلتنا لا يتعلق بتردي قيمة الليرة الوطنية أمام الدولار لغرض العرض والطلب، بل بتراجعها أمام السلع التي توقف إنتاجها وطنيا، وإن تذبذب أسواقنا «النقدية/ السلعية» هو انعكاس تلقائي لتقهقر الإنتاج الوطني الذي يعد المسؤول الأول عن حشر «النقد والأسواق» في زاوية تضخم استثنائي، لنخلص تاليا إلى أنه لا جدوى من تقديم «رؤى» جديدة لضبط الأسعار التي لم يجف حبر قانونها الجديد بعد، كما لا جدوى من إهراق مزيد من الحبر القانوني لضبط تقلبات سوق النقد.
في الواقع، يمكننا اتهام أنفسنا بما هو أخطر من ذلك، فطريقتنا المتوارثة في معالجة مشكلتنا التضخمية منذ بداية الحرب، ارتكزت إلى أسس نقدية تحاكي «شراء التضخم بالتقسيط» عبر الضخ المتتالي للقطع ما زاد من تعمقها باطراد.
ويتلخص السبب في ذلك باعتمادنا كليا على استجرار للقطع التدخلي عبر الحوالات الخارجية التي يتطلب الحصول على دولاراتها ضخ ما يقابلها من الليرات في الأسواق، ليتلاقى -بذلك- التضخم الناجم عن تقلص الإنتاج، بتضخم جديد يتوالد جراء زيادة المعروض النقدي من الليرات، وليشكلا معا متوالية تصاعدية تدفع أمامها التضخم الكلي ضمن حلقات متسلسلة يضاف إليها في كل مرة حلقة تضخمية جديدة تتمفصل ما بين شراء التضخم ذي العلاقة بفجوة الإنتاج.
وبين التضخم النقدي الناجم عبر شراء القطع لتمويل الاستيراد، ذلك أنه، وبعد استنزاف احتياطياتنا الأجنبية واعتمادنا الكلي على الحوالات لسد احتياجاتنا مع قطع الاستيراد، بدأت تنقلب كتلة الدعم الاجتماعي بالكامل إلى تضخم مضاف بعدما تراجعت قدرتنا على إخفائه عبر شرائه، كما كنا نفعل في أشهر الحرب الأولى.
للخروج من حلقتنا الحلزونية هذه، ليس أمامنا سوى المسارعة إلى منع الاستيراد نهائياً حتى لو اضطررنا للتوقف عن استيراد طحين الخبز، أو ترك الليرة لتصارع وحدها عملية الوصول إلى سعرها الاقتصادي التوازني، أو وقف الدعم نهائياً.. ولأن هذا النوع من الاقتراحات مجرد هراء، فلا حلول مجدية سوى تعظيم الإنتاج إلى عتبة مناسبة يقدرها خبراء الاقتصاد والنقد، بالتزامن مع ضبط منح إجازات الاستيراد بحدود متناسبة!!..
للمرة الألف: الإنتاج فقط، هو من سيحمينا من الانهيار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن