قضايا وآراء

سورية و«المنطقة المغلقة»

| مازن بلال

ما حدث خلال ثلاثة أيام يعيد ترتيب وقائع الأزمة السورية، فوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، انتقل من «المنطقة المغلقة» إلى التعاون بين الجيش السوري والمعارضة، ورغم أن تصريحات الإدارة الأميركية اتسمت بالتقلب خلال الأزمة السورية، لكن موقف واشنطن اليوم يدل على محاولة لبلورة سيناريو يمنع صداماً مع الروس، وفي الوقت نفسه يحقق توازناً يدفع الشركاء الإقليميين (تركيا، قطر والسعودية) لاكتساب شرعية التدخل في سورية، فمحاولة كيري تجاوز مسألة «الرئاسة» في مراحل محاربة الإرهاب لا يمكن فهمها كمناورة، لأنها تدفع الحلول لنقطة مختلفة في احتواء الإرهاب وتسهيل تحول «المجموعات المسلحة» باتجاه مختلف.
في مسألة «المنطقة المغلقة» يتم الدخول في حلول مفتوحة، لأن هذا الأمر مهما بدا تقنيا لكنه إجراء لخلق توازن في الأدوار داخل «عملية الإغلاق»، فنحن لا نواجه تحولا أميركيا بل تكريساً لواقع انتشار داعش، وهو لا يتم أيضاً من دون مراعاة الحضور الروسي الذي فرض ميلا نحو الحل الروسي، ولابد من ملاحظة أمرين أساسيين:
لا يمكن خلق تفاهم تركي – أميركي مطلق في مسألة «المنطقة المغلقة»؛ فالحلفاء على الأرض تتباين مواقفهم من تركيا تحديدا، والفصائل التي تسعى واشنطن لكسبها يُشكل «الأكراد» النسبة الأعلى فيها، وهو ما يدفع لإيجاد عامل إضافي يستند لتوزيع الضمانات بين «تركيا» و«الدولة السورية»، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشمال والشمال الشرقي السوري هو جغرافيا مختلطة لا تحوي أغلبية لمكون على الآخر.
ما تريده الولايات المتحدة توازن مزدوج في الأدوار بين تركيا وباقي الفصائل على الأرض، لتضمن على الأقل حياد المجتمع تجاه العمليات العسكرية، واجتذاب من هم مع داعش إلى صفوف الميلشيا التي تقاتل داعش، فالعملية على ما يبدو «تقنية» تشبه إلى حد بعيد ما كانت تقوم به واشنطن عند حديثها عن المعارضة المعتدلة، فهي تؤمن الظروف لكنها لا تضمن سياسيا النتائج المترتبة عنها.
من الصعب تحقيق «منطقة مغلقة» مع وجود الكثافة الجوية فوق سورية، ونشر منظومة صواريخ S400 القادرة على ضرب الأهداف فوق الشمال السوري عموما، وهو ما دفع الولايات المتحدة للحديث عن تعاون مع الدولة السورية، فهي تطمح للتنسيق مع روسيا عبر هذا الموقف الذي تراه عاملا مساعدا في خلق توافقات.
ما تقوم به الإدارة الأميركية تحييد الخلاف التركي – الروسي، أو حتى تجاوزه كي لا يؤدي إلى ثغرة تتيح تمدد الإرهاب وفشل احتوائه، ومهما كانت ردة فعل موسكو تجاه التصريحات الأميركية، فإن إستراتيجية واشنطن باتت واضحة في استخدام الدول الإقليمية للضغط من دون أن يؤثر هذا الأمر في المعادلات الدولية، فالبحث عن صيغة «صعبة» على حد تعبير كيري للتعاون بين الجيش السوري و«الفصائل المسلحة» هو ترتيب لأوراق التفاوض من دون إضافة جديد، واسترجاع للحلول التوافقية في ظل التعقيد الذي أصاب المنطقة عموما.
من الممكن اليوم أن تشكل المواقف الأميركية دفعا للمؤتمر الذي سينعقد في الرياض، على الأخص مع وجود ممثلين للفصائل المسلحة، ولكن الواضح أن تحديد المقاتلين الذين سينضوون ضمن أي عملية سياسية أمر يحتاج لتحولات إضافية، فمن يحملون السلاح لا يشكلون تكوينا سياسيا منسجما لأن السلاح وحده هو الذي يجمعهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن