قضايا وآراء

عن القوات العربية والتراجعات الأميركية: ماذا يخبئ الروس من مفاجآت؟

| فرنسا- فراس عزيز ديب

على مدى سنوات من الحرب التي تشن على سورية، كنا نكرر عبارة أن الأميركي في النهاية هو من يقرر الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل الدامي الذي أعادنا عقوداً نحو الخلف، فلا تكترثوا لكل الدكاكين الملتحقة به والمسماة «أنظمة سياسية» تدعي الاستقلال السياسي.
ما جرى ويجري مثلاً في «حارة الضبع» الأوروبية، التي قلمت مخالبها بنفسها منذ إعلان الوحدة الأوروبية، يؤكد هذه الفرضية، فلا يجب الاكتراث لما يقوله «أبو عصام هولاند» لأن الاشتراكية لم تعد ثورة على الأرستقراطية واستغلال الفقراء، بل هي نوع من التصالح مع مستعبدي البشر والعمال في خليج «البتروديمقراطية». كذلك الأمر لا تهتموا لما تقرره مرجلات «الداية ميركل»، فهي بالنهاية أسيرة لصور الانتعاش الاقتصادي ولا شيء سواه، تحديداً أن المصاب بفوبيا «الخوف من الكلاب».. لا يمكن له أن يخيف العقلاء، حتى بهلوانيات «العكيد كاميرون» باتت نوعاً من اللحاق بالركب قبل فوات الأوان. في السابق صوت البرلمان البريطاني على رفض المشاركة في الحرب على داعش في سورية، لأن الحكومة البريطانية فضلت النأي بالنفس بطريقة ديمقراطية لأسباب كثيرة. اليوم باتت البرلمانات الأوروبية تجتمع لتقرر المشاركة في الحرب من باب رفع العتب، لأنهم يدركون تماماً أن لا معنى لهذه الغارات إذا لم تترافق مع تقدم بري، حتى أن كاميرون بات كمن يسكن في دمشق ويشتري بشكل يومي صحيفة «الوطن» ويقرأ فيها تحذيراتنا المتكررة للغرب من استخدامه لمصطلح «الدولة الإسلامية» وانعكاسها على تفشي التطرف في صفوف مواطنيهم، فطلب لأول مرة من الإعلام وبشكل علني أن يتوقف عن إيراد هذا المصطلح. إذاً وحده الأميركي من يقرر والباقي «تبع»، فما آخر مقرراته؟
قبل أمس، قال «جون كيري» كلاماً مهماً فيما يتعلق بالحرب على سورية، إن كان لجهة التعاون مع الجيش العربي السوري بوجود الرئيس الأسد، أو لجهة الحديث عن قوات عربية لمحاربة داعش. علمتنا السياسة أنك عندما تصل بالتصريح العلني إلى هذا المستوى، فهذا يعني ضمنياً أنك في الخفاء قد وصلت إلى ما هو أبعد من ذلك. بالتأكيد لسنا بالسطحية لنناقش كلام كيري من حيث تهليلنا لقبوله ببقاء الأسد، لأن رأيه في هذا الأمر كمواطنين سوريين لا يعنينا، فمن يقرر هذا الأمر في النهاية هو الشعب السوري فقط. لكن كيف سيتعاطى حلفاء كيري مع هذه التصريحات، تحديداً أنهم يعيشون الآن أسوأ أيامهم؟ فالحلف (الروسي السوري) ومن معه يعيش الآن أفضل أيامه -بالمعنى المجازي- من حيث الإنجازات على الأرض، في ظل تقدم الجيش العربي السوري في أكثر من جبهة، واندحار «الوهم الداعشي» بطريقة أسهل مما تصورها البعض، تحديداً أولئك المروجين لفكرة أن «داعش وأخواتها» باتوا واقعاً في الملف السوري.
أطلق كيري تصريحاته «التراجعية» -إن جاز التعبير- وحليفه أردوغان لم يصل بعد في «الجامع الأموي» بدمشق، كما أن غلام «آل سعود» «سعد الحريري» سيعود إلى بيروت هذا الأسبوع لكن ليس عبر «مطار دمشق». أما القطريون فلم يفرحوا كما جرت العادة باستضافة مؤتمر حوار (سوري سوري) ليناقش مستقبل سورية، من قبيل «دوحة سوري»، فيهلل لهم «الصغار» بالقول «شكراً قطر» على شاكلة ما جرى في مسرحية إطلاق المخطوفين اللبنانيين.
أخيرا، فإن «آل سعود أنفسهم» وبعيداً عن غرقهم في الحرب على اليمن، لم ينجحوا حتى الآن في تشكيل الوفد المعارض الذي سيفاوض الحكومة السورية، فكيف سينجحون إذا كان عدد المدعوين للانضمام إلى الآن للوفد قارب المئة، وما زالت نصف أطياف المعارضة «حردانة»، والنصف الآخر يهدد بالاستقالة من مناصب وهمية أساساً بسبب تجاهل «آل سعود» لهم، (منذ أسبوعين تشكرنا من أوكلَ آل سعود بهذه المهمة). لم ينجحوا حتى الآن -للأسف- بجمع التركي «خالد خوجة»، مع الأميركي «رضوان زيادة»، بالفرنسي «هيثم مناع»، والكويتي «شافي العجمي»، ليؤمهم السعودي «عبد اللـه المحيسني» مفتي «جيش الفتح»، ليشكلوا معاً وفد المعارضة السورية الذي سيناقش مع الحكومة السورية مستقبل الشعب السوري!! فهل ستقلب «رندة قسيس» صاحبة الصورة الشهيرة هي ومجلس حكمائها مع المجرم «شمعون بيريز» الطاولة على رأس خادم الحرمين، لتدخل إسرائيل بوفد نسائي يضاف إلى وفدها من «جبهة النصرة» الموجود في الجنوب السوري؟ ربما، تحديداً أن بعض «المعارضين» عندما يتحدثون تشعر وكأنهم يمتلكون قوة على الأرض لا ينقصها إلا التحالف مع «أبي بكر البغدادي» لتستولي على سورية خلال ساعات، لكن ما مدى جدية تصريحات كيري؟
تعمدنا طرح حال حلفاء واشنطن بهذه الطريقة الكاريكاتورية، لأنها تعطينا إلى حد بعيد تفسيراً لاقتناع واشنطن أخيراً بتراجع ما. بالتأكيد لا يمكن الوثوق بهذا التراجع، فقد يكون في محل ما هو نوع من رفع الأثمان في وجه الحلفاء، وهذا الأمر مرتبط خصيصاً بمشيخات النفط، تحديداً أن واشنطن تعي أن هناك من سيأتي في اجتماع نيويورك القادم للدول المعنية بحل «الأزمة» في سورية وسيكون على رأس أولوياته تحديد الجماعات الإرهابية من غير الإرهابية، فهل أدرك الأميركيون أن من قام بنشر صور تورط الحكومة التركية بالتعامل مع داعش في سرقة النفط السوري، لن يتوانى عن تقديم البيانات المتعلقة بكل جماعة مقاتلة في سورية وتصريحات قادتها والجرائم التي ارتكبتها؟
من ناحية ثانية فإن هذه التصريحات قد تكون جرس إنذار للحلفاء بأنهم باتوا عالة عليها فعلاً، هذا الأمر ربما مرتبط بالحديث عن الحالة الأردوغانية، فقضية تهريب النفط السوري بالتعاون مع داعش لا تبدو بالتبسيط الذي يتبناه البعض، ولنتذكر أن ما جرى هو من دفع واشنطن للرد المباشر على الصور التي نشرتها وزارة الدفاع الروسية. هذه المسارعة للدفاع عن الحكومة التركية سبقت الأتراك أنفسهم، ولنفهم المقاربة الصحيحة فإن الروس عند عرض الصور قالوا إننا نميز الحكومة عن الشعب التركي (بالتأكيد هذا أمر يخص الروس قد لا نتبناه، لأن الحكومة دائماً ما تكون صورة عن أغلبية الشعب)، لكنه في النهاية موقف واع من الروس، أما الأميركيون فعكسوا الصورة بالقول إن مواطنين أتراكاً قد يكونون متورطين، وليس الحكومة.
لعل هذا الحدث يجعلنا نفهم ما عناه لافروف بالقول: «إن قبعة السارق تحترق»، ربما لم يكن يقصد أردوغان، بل كان يقصد رعاته لأنه يعي تماماً أن الولايات المتحدة بصورة كل ما جرى ويجري، بل إن التقارير الغربية اليوم لا تتحدث فقط عن سرقة النفط، فالحديث بدأ من تزويد داعش بخدمة الإنترنت الفضائي، كيف كانت تتم، وتورط شركات اتصالات أوروبية فيها؟ فهل هي مرحلة تهدئة لكيلا يواصل الروس المزيد من كشف الحقائق بطريقهم؟
في الأسبوع الماضي، قلنا إن العلاقات بين روسيا والحكومة التركية ستتجه نحو المزيد من التصعيد. في السياسة تعرف إن عاقبت خصمك ماذا سيكون انعكاس ذلك عليه، لكن الأهم من العقاب هو أن تدعه يتوقعه، تحديداً أن الولايات المتحدة وحلفاءها ما زالوا يمارسون سياسة «التفاجؤ» من كل ما يجري. فوجئوا من حجم الرد الروسي في سورية، لكن ما الذي سيتم التجهيز له في مطار «الشعيرات»؟ فوجئوا لدرجة التساؤل عن إصرار بوتين على استخدام كلمة «عقاب اللـه» للقيادة التركية على جريمتها وربما «جرائمها»، وتناسوا أن هذا الاستخدام ليس مرتبطاً فقط بالرد غير المباشر على من يحاول استنصار «أردوغان» من كونه «المسلم» الذي يتعرض لهجمة «شيوعية»، لكنه مرتبط كذلك بما قلناه سابقاً عن رمزية الصعود الروسي بما يمثل من كتلة دينية مع الصرب واليونانيين، وكيفية نظر الأوروبيين إليه.
ما زالوا متفاجئين وسيُفاجؤون أكثر عندما سيبحثون عن قوات برية عربية للمشاركة في الحرب على «الإرهاب» -كما طلب كيري- ولن يجدوا، حتى الرئيس المصري صاحب نظرية «قدم في البر وقدم في البحر» يبدو أضعف من التورط بذلك. عندها لن يبقى أمامهم إلا الجيش العربي السوري ومن يقبل بالانضمام إليه -وليس العكس-، لكن يبقى التساؤل الواقعي: ماذا عن العامل «الإسرائيلي»؟ وبصورة أدق هل منظومة «إس 400» هي لحماية الأجواء السورية أم لحماية القواعد الروسية؟
لا بد من الاعتراف أن كل ما يجري لا يزال في مصلحة الكيان الصهيوني، حتى العبارات التي يستخدمها والتسويق الدائم لمصطلح «الدول والتنظيمات السنية المعتدلة» هي في هذا الاتجاه، تحديداً أن أصحاب الشأن في ممالك النفط مستسلمون لها، لكن هل اقترب دوره لينضم لحلف «المتفاجئين»؟
قد يكون الأمر كذلك، فما العجب! تحديداً أن هناك من يعمل على «الموجة الطويلة» ليكون العمل متقناً، والأهم لنتذكر مثلاً أن أي صحفي غربي يأتي إلى سورية يسأل الرئيس الأسد (بعد 5 سنوات من الأزمة ما زلت في منصبك؟) وكأن ما يجري في سورية عمره من عمر ربيع الدم العربي، وتناسى هؤلاء أن الأسد من وجهة نظرهم حتى 2004 هو داعم للإرهاب في العراق وزعيم دولة مارقة، وحتى تموز 2006 هو قاتل ويجب اقتياده للعدالة الدولية، ومع انتهاء حرب تموز فاجأهم بأنهم من «أنصاف الرجال». الآن بعد كل ذلك، ما زالوا متفاجئين بأن الجيش العربي السوري صامد والأسد في منصبه، ترى هل العلة بمن صمد، أم بمن لم يفهم مقومات الصمود؟ ربما تكون الإجابة عند من سيتلقى المفاجأة القادمة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن