ثقافة وفن

سامي الشمعة قصة لم يعرفها أحد … الجبناء ليس لهم سوى التمسك بجذع أو الاستواء على خشبة

| شمس الدين العجلاني

قدره كان سريعاً صعد إلى قمة العطاء والإبداع بسنوات قليلة، وسطر اسمه جلياً في عالم الصحافة، وقال: من هنا مر سامي الشمعة…
قدره في الحياة أن يرحل عن عالمنا سريعاً وبهدوء.. رحل سامي الشمعة مبكراً عام 1950م حاملاً معه سر رحيله!؟
لم يكن سامي فتى عادياً! لم يكن صحفياً وأديباً عادياً كان على حد قول عبد الغني العطري: «قائد ثورة في الصحافة، أضاء كالشهاب في سماء الصحافة». إنما كان ظاهره فريدة غريبة في عالم الإبداع ودرب الصحافة!؟

بداية درب اللغز
عمل سامي مراسلاً ومحرراً لعدد من الصحف السورية وكذلك اللبنانية وعمل سكرتيراً لصحيفة «الأيام» الشهيرة بدمشق ثم أصدر عدداً من الصحف في سورية منها، جريدة «الدستور» عام 1932م، وكان عمره لم يتجاوز بعد اثنين وعشرين عاماً، وجريدة «السياسة» عام 1934م، وعمره أربعة وعشرون عاماً، وأصدر عام 1946 جريدته الأسبوعية «آخر دقيقة»، وكان بعمر ستة وثلاثين عاماً.. ثم مدير إذاعة «محطة دمشق العربية» عام 1941م وكان بعمر واحد وثلاثين عاماً، وكان مقرها في حي الحبوبي ونجح في تقديم استقالته منها بعد سنة ونصف السنة، وترك لنا أحد عشر مؤلفاً نادراً في السياسة والأدب والتاريخ..
كان سامي متعدد المواهب والإبداعات وهو على حد المثل الشعبي «متل الزبدية الصيني من وين ما نقرته يرن» فهو لم يكن مبدعاً في مجال واحد فقد كان له أيضاً باع في مجال الرياضة وخاصة كرة القدم وأسس كذلك نادي معاوية الرياضي لكرة القدم، وكان من رواد النقد المسرحي، فقد تصدرت مقالاته في النقد صفحات جريدة القبس الدمشقية، ويذكر د. حورية محمّد حمو في هذا الصدد: «وسامي الشمعة من الصحفيين الذين كان لهم باع، في التعريف بالمسرح وتسجيل ما يعرض من أعمال مسرحية في فترة ما بين الحربين، فقد كانت أعماله النقدية مجموعة مقالات نشرت في صحف متفرقة تتحدث عن فن التمثيل وتقدم ما يعرض لجمهور القراء معرّفاً بالمسرحية حيناً، وبالممثلين حيناً آخر، وداعياً لحضور هذا العمل، فمن قبيل ذلك ما قدّمه سامي الشمعة للتعريف بمسرحية «النسر الصغير» لمؤلفها إدمون روستان، وعرّبها الأستاذان عزيز عيد والسيد قدري، وقام بدور البطولة فيها الممثلة فاطمة رشدي وعزيز عيد إذ يقول: وإننا لنرجو أن يقبل الشباب على روايات فاطمة رشدي العظيمة وهي فرصة لا يجدر بهم إضاعتها وهم يرون فيها أميرين من أمراء الفن.. لقد كانت مقالات سامي الشمعة بمنزلة الصدى لما يقدم على خشبات المسارح في تلك الآونة، نذكر على سبيل المثال تعليقه على الروايات التالية: عنترة، القبلة القاتلة، ملك الحديد، السلطان عبد الحميد، النسر الصغير، غادة الكاميليا، بحد السيف، فرقة غبريل روبين والكسندر».
برغم النجاح الكبير الذي كان يحققه الشمعة في جرائده هذه التي كانت تكتسح الأسواق، وتتخاطفها الأيدي وتحقق الأرباح، برغم كل ذلك لم يستمر في إصداراته لها طويلاً، بل منها ما صدر منه عدة أعداد فقط أو عدة أشهر!!! جريدته «آخر دقيقة» قال عنها عبد الغني العطري: «كان اليوم الذي تصدر فيه» آخر دقيقة «يصيب الصحف اليومية بالكساد، إذ ينصرف القراء إلى التهام أخبار «آخر دقيقة» وتحقيقاتها ومنوعاتها، التي يصوغها سامي الشمعة بأسلوبه الرشيق الساحر». وهنا يتبادر السؤال الغامض لماذا لم يستمر في إصدار جرائده برغم النجاح الكبير الذي حققه بها!؟. ولم يعرف أحد السبب في ذلك!!
عندما أراد عبد الغني العطري إصدار كتابه «عبقريات» ومن ضمن كتابه سيرة حياة سامي الشمعة، حاول العطري الحصول على معلومات من أسرة الشمعة ولكن خاب ظنه فيقول: «حاولنا بشتى الوسائل الحصول على ترجمة دقيقة، لمراحل حياة وأعمال المرحوم سامي الشمعة، فلم نعثر على بغيتنا في أي مرجع مطبوع. ولجأنا إلى أسرته الكريمة، غير أنها تجاهلت مطلبنا، رغم إلحاحنا المتكرر. والمعلومات القليلة التي أوردناها مع صورته، استطعنا الحصول عليها، بعد جهد كبير ووساطات عديدة»!
في آخر سنوات عمره القصير «أربعون عاماً» أدمن الشمعة كما يقول أقرانه، على التدخين بشكل كبير، كما أدمن على شرب الخمر أيضاً ما ألحق به الأمراض في كبده ورئتيه: «إني لا أدافع عن كاس السم يفرث كبده بها طالب الخلاص. ولست هنا لأحيي مجد هذه المحرقة المنقذة.. بل إنني لأسائل النفس عجباً، كيف يغرق في المياه الضحلة على الشاطئ، هؤلاء السباحون الماهرون، وكيف يعوم في أمواج الخضم، جبناء ليس لهم من أسباب الحياة سوى التمسك بجذع، أو الاستواء على خشبة..!!- فؤاد الشايب».
في أيامه الأخيرة حرر الشمعة بين الفينة والأخرى في مجلة «الدنيا» لصاحبها عبد الغني العطري، وفي أيامه الأخيرة، كان في أحلك الظروف، كانت هامته كقاسيون ولكنها انهارت!؟: «أذكر سامي الشمعة (داندي) دمشق الظريف، يجتاز الشوارع عام 1950م بثيابه المهملة، ووجهه المختنق، وعينيه الحمراوين، وهو يحترق، ولا يزال ينشد الاحتراق– فؤاد الشايب».
سامي الشمعة ابن دمشق ومن العائلات المعروفة في هذه المدينة ولكنه وهو في لحظات الصراع الأخيرة مع الموت طلب أن يوارى الثرى في مدينة قطنا!؟ ألا يدعو ذلك للتساؤل!؟

هل سعى الشمعة إلى الاحتراق؟
يبدو أن سامي هو من سعى إلى الاحتراق!؟ هو من سعى إلى حتفه!؟ هو من كانت في حياته قصة وحكاية لم يعرفها أحد! كانت هنالك حلقة مفقودة في سيرة حياته: «لا أعلم ما منعطف الطريق في حياة سامي الشمعة، فهو في حد ما أعلم، حلقة مفقودة، بل لا يهمني تاريخ الوقائع بقدر ما يهمني تاريخ الاشتعال فالاحتراق في هذا الفتى الدمشقي العريق، الذي أوصى وهو يلفظ رئتيه نتفاً، أن يدفن في قطنا بعيداً عن دمشق.. لماذا؟! هل أشفق على الدمشقيين من التفجع له، كما أشفق (أوسكار) على أصدقائه من متاعب يكلفهم بها موته؟!.. كنت أعلم أن سامياً قد اختار مصيره منذ أمد.. كان سامي، مثل أوسكار وايلد في اشتعاله واحتراقه، صورة للفاجعتين معاً- فؤاد الشايب».

الله يا دنيا
كان سامي الذي بنى مجداً يخلده حتى أيامنا هذه وسيخلده إلى نهاية التاريخ، كان الشمعة في أيامه الأخيرة يبحث عن عمل ما: «لقيني سامي الشمعة في الطريق فاستوقفني وسألني هل في الدعاية وظيفة شاغرة؟ قلت يوجد..! قال وهو يفتعل لهجة الجد: وزير صديق عرض علي عملاً.. وإنني يا فؤاد أفكر حقاً بالراحة؟ قلت: حسناً تفعل ثم شعرت أنه يصطنع شخصية سامي الشمعة عام 1935م، ويحاول انتصاباً فحزنت له وودعته. ولقد علمت من بعد أن الأمر جد، وأن وظيفة صغيرة قد تعطى لسامي وسأغدو في العمل رئيسه، فتذكرت الفتى في روعة انتصاراته وهتفت: اللـه الله يا دنيا!– فؤاد الشايب».

وداعاً
وخير قول في سامي الشمعة ما قاله فؤاد الشايب عام 1950م وهو العام الذي توفي فيه الشمعة: «ما أنا راثيك اليوم. فأولى بالرثاء منك، هذا الجيل الشقي الذي طرحه الزمان جسراً على مستنقع، لكي تطأه الأقدام نحو السلامة..!
وفيم أرثيك.. وأنت باق حياً في خاطري، بشبابك الحار، وعودك المزهر، وسمرتك الذكية، وشعرك الفاحم، وعقدتك الحريرية الفاخرة. ثق بأن صورتك هذه، ستعيش وحدها في ذكريات أصدقائك، الكثيرين وسواء لدينا بعد أن بنوا فوق قبرك هرماً ضخماً.. أم وسدوك لحداً ضيقاً تحت حجر فقير».

المرجع:
جريدة النقاد لعام 1950– كتاب عبقريات لعبد الغني الحموي – أرشيفي الخاص

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن