ثقافة وفن

النخب الثقافية والعامة.. قطيعة رحم مجتمعٍ واحد!! … المثقفون في وادٍ.. والعوامُّ في وادٍ!

| بيان شواك 

أما آن للنخبة المثقفة أن تعودَ لتمارس دورها في التوعية والتخلي عن دور المشاهد، والانكفاء للعمل بالشأن العام دونَ النظرِ إلى الأمور بطريقةٍ سلبيةٍ نقديةٍ فقط، والقدوم بدلاً من ذلك إلى فعلٍ ثقافيٍّ بنَّاءٍ فاعل؟!
فالنخب هي جزءٌ من المجتمعات، لكن ثمةَ فجوة بين النخب والمجتمع بسبب غياب الحوارِ الموضوعي والمعرفي بينهما، والتباينُ بين الرصيدِ الحضاري الذي نملكه وعدم تطور هذا الرصيد بما يتناسب مع إرثنا الحضاري، فضلاً عن سير التنمية بمستوياتها المتعددة بوتيرة بطيئة، وهذا ما أدى حتماً إلى حالةِ التراجع. ولا يختلف اثنان على أن النخبة الثقافية قوة توجه حركةَ التطور والتنمية إلى مساراتها المتنوعة. فإذا سلكت تلك النخبة مسارها الصحيح، وتمتعت بحثٍ كبيرٍ ومناسبٍ، سيكون ازدهار التنمية واستمرار التطور نتاجاً حتمياً لها. وبهذا فإن النخب الثقافية تلعب دوراً مهماً في حياتنا المجتمعية العربية وربما بدرجةٍ تفوق مثيلتها في بلدانٍ أخرى كثيرةٍ في العالم.
لكن لا يمكن إنكار التباس وارتباك مفهوم «النخبة» في الوعي العربي عموماً، وذلك لجلوس الصفوةِ أساساً في برجٍ بعيداً عن بقية البنيان الاجتماعي، من حيث القطيعة المعرفية والتراتبية الرأسية، وقد أغفل من يعتبرون أنفسهم نخبة في العالم المتمدن أن جزءاً جوهرياً من عظمتهم يكمن بتماسِّهم مع الوعي الجمعي والهم العام. فالمثقفون- وليس الجميع بطبيعة الحال- يعانون مشكلة التعالي، لأنهم مختلفون عن البقية، واختلافهم أكسبهم هذه الصفة، لذلك نرى الفجوة الكبيرة بين المثقف والمجتمع، لكونه ينظر لهم بتعالٍ ويطمح أن يكون في الوقت ذاته عنصراً فعالاً ومغيراً لما يراه هو حسناً. هذا بالتأكيد لن يحصل بتاتاً لأن المعادلة ينقصها عنصرٌ مهم هو التفاعل والتواصل مع الجمهور.
وقليلاً ما نجدُ للجمهور العام حضوراً في الفعاليات والندوات الثقافية لأن الخطاب يعاني نبرةِ الفوقية، ويبقى الخطاب الثقافي في كل أشكاله يدور في حلقة المثقفين أنفسهم! وبالتالي فالمثقف العربي بلغته المتعالية ساهمَ من دون أن يدري في زيادة الهوَّةِ المعرفية بدلاً من زيادة المعرفة.
والنظر إلى ذلك الطيف (العامة) بأنهم عالم من البسطاء المعوزين ثقافياً وإدراكياً كما لو كان هؤلاء المهمشون -بحسب النخبة الفكرية- أرقاماً لا تمتلك الوعي والتأثير، وكذلك اتخاذ الطبقة المثقفة هويةً واحدةً بارتيادهم مقاهي لا يصدر منها إلا صوت «فيروز» مثلاً، وحملهم إيديولوجياتٍ تثير الشكَّ والحذر في نفوس العوام!
وقد تساهم النخب الثقافية بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة بزيادة وعي الشعوب، كأدباء العصور الوسطى في أوروبا الذين أبدعوا أنواعاً جديدة من النثر كالفن الروائي، وأوجدوا مكتباتٍ جوالةٍ في الأرياف والضواحي لتحقيق أكبر عددٍ من القراء، في ظل محاربةٍ ورفضٍ للمسرح والشعر والمطالعة. حتى باتَ نهاية طريق نضال المثقفين آنذاك بدايةَ عصر نورٍ وازدهار ونهايةً لعصور الظلام في أوروبا، وأضحت القراءة حاجة ملحة دفعتهم لاختراع «الطابعة» لتسهيل عملية نشر المؤلفات.
وفي النهاية يبقى التساؤل هنا، هل التحامل على المثقف فيه شيءٌ من المغالاة؟! لماذا نطالبُ النخب بالنزول إلى مستوى القارئ ولا نطالب القارئ أن يرتقي فكرياً وثقافياً للوصول إلى النخب؟ أم إن هناكَ حلاً وسطياً ممكناً للجميع؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن