ثقافة وفن

جيرارد ديبارديو في كتابه «بريء»: أنا لا أخفي حبي ودعمي للرئيس بوتين … لقد فقدت الثقة ببلدي فرنسا بسبب حكومتها وصحفييها

| مها محفوض محمد

أحد عمالقة السينما الفرنسية لا يقل عن جون بول بلموندو وغابان، لائحة أفلامه المدهشة التي تجاوزت المئة والخمسين رافقت عدة أجيال.
جيرارد ديبارديو الممثل والمخرج حاصل على وسام جوقة الشرف من رتبة فارس وجوائز أخرى عديدة منها جائزة سيزار التي فاز بها مرتين إحداهما عن فيلمه «المترو الأخير» الذي شكل نقطة تحول كبير في حياته، وجائزة فينيسيا السينمائية كأفضل ممثل عن دوره في فيلم «بوليس» وجائزة غولدن غلوب لفيلمه «البطاقة الخضراء» وجائزة ستانيسلافسكي في مهرجان موسكو السينمائي وقد رشح لجائزة الأوسكار عن دوره الرئيس في فيلم «سيرانو دو بير جيراك» الفيلم الذي شغل النقاد الأميركيين، وقد أدى الدور الرئيس في أفلام كثيرة كدوره عن «راسبوتن» وعن رئيس صندوق النقد الدولي «دومينيك ستراوس كان» الذي قال عنه ديبارديو: أعتقد أنه يشبه الشعب الفرنسي قليلاً فهو متعجرف إلى حد ما.
جيرارد ديبارديو المولود في شاتورو عام 1948 لعائلة فقيرة عانى في طفولته الكثير وعاش متناقضات شتى صنعت منه شخصية لها فرادتها وخصوصيتها.
اعتنق الإسلام بعد زياراته لمصر في أعوام الستينيات ليغوص بعدها في عالم السينما ويصبح ظاهرة فريدة من نوعها، في أواخر عام 2012 وعندما فرضت فرنسا ضريبة كبرى (75%) على ذوي الدخل المرتفع رحل ديبارديو إلى روسيا وطلب الجنسية الروسية التي منحت له بأمر من الرئيس بوتين.

المرحلة الروسية الواعية
اليوم يصدر ديبارديو كتابه «بريء» الذي خرج إلى المكتبات في18 تشرين الثاني الماضي وأثار اهتمام الصحافة الفرنسية كثيراً وقد نشرت صحيفة الاكسبريس صفحات من الكتاب الذي وصفته بالسيرة الذاتية لرجل عصامي يتحدث فيه عن فترة اعتناقه الإسلام عام 1965 وعن علاقته بالرئيس بوتين حيث يقول عنها:
اذا اقتربت من الروس تفهم أن هذا البلد بحاجة إلى رجل من طبيعة بوتين ليكون على رأس البلاد وأنا سمعته كيف يتحدث لمن يريدون استنزاف بلاده فهو لا يلزم الصمت أمام هؤلاء وهم يخافونه وليس العكس، لقد التقيت الرئيس بوتين عدة مرات وكنا في كل مرة نتحدث في الجيوسياسة، إنك لتجد النقاوة في قلب هذا القائد الروسي، ويتابع ديبارديو: يلومونني على علاقتي بالرئيس بوتين ألم يكن الضلال في أن تكون علاقتي مع عائلة كينيدي وحاشيتهم مثلاً؟ أنا لا أخفي حبي ودعمي له وأنا مواطن روسي اليوم.
وقد اعتبرت هذه الأنشودة إلى روسيا كرسالة قدح إلى الولايات المتحدة التي عبر عنها ديبارديو في مؤتمر صحفي بعد أدائه عرضاً مسرحياً في أحد مسارح موسكو حيث وجه نقداً لاذعاً للأميركيين يقول فيه: لقد عمل الأميركيون على تدمير الشعوب الأخرى من دون توقف بعد أن تصارعوا فيما بينهم وقتلوا الهنود الحمر ومارسوا عليهم العبودية والإذلال ثم حرب الانفصال وكانوا أول من استخدم القنبلة الذرية وفي أي مكان حيث يمرون تكون بؤر الخسة والظلم،.. لا.. لا أنا أفضل أن أكون روسياً وإذا توقف الأوروبيون عن الاصغاء والتبعية للأميركيين فسأكون سعيداً جداً، وفي كتابه يقول: الأميركيون الذين يدخلون عجة البيض إلى سندويشاتهم والذين بعد مئتي عام يستمرون في القتل وليسوا مستعدين للتخلي عن أسلحتهم المدمرة باختصار هؤلاء غير بريئين.
وبعد تفجيرات 13 تشرين الثاني في باريس تحدث ديبارديو لصحيفة لوفيغارو قائلاً: إن الخطر الحقيقي ليس في الدين ولم يكن يوماً في المعتقد، الخطر الحقيقي هو عندما يفسر الإنسان النصوص المقدسة بجهل وانحراف لهدف واحد عندما يضع نفسه مكان الخالق _وليس بالضرورة أن يكون واعياً_ هنا تبدأ الخطورة.

الريادة والسياسة
كما يتحدث ديبارديو في كتاب «بريء» عن الرياء المطلق لرجال السياسة يقول: لا أحب ازدراء هؤلاء السياسيين من يسار أو يمين، لا أريد الانتماء إلى هذا البلد مع أني أحب الفرنسيين ماعدا الصحفيين الذين أصبحوا مأجورين لحكومة هولاند ومنذ اللحظة التي انتقدتني حكومتي بشدة لم أعد أكتم الأمر بأنها لا تهمني في شيء وقد أرسلت لها رسالة لها دلالاتها وأنا أكره إرث عصر الأنوار الذين يظنون أنهم أناروا العالم فيه فنصوص عصر الأنوار هي نصوص سياسية أيضاً.
لقد فقدت الثقة ببلدي بسبب هذه الحكومة ولم أعد أحب فكرة أوروبا كلها ولا قادتها ثم يوضح ديبارديو أنه لم يجد الكلمات المناسبة في قساوتها لتوصيف سياسة الحكومة الفرنسية في حربها خلال أعوام الستينيات في الجزائر والتي استمرت ثماني سنوات انتهت بتحرير البلاد فيكتب ديبارديو: ما فعلته الحكومة الفرنسية هناك مخز وشائن لقد سلكنا سلوك القذرين وعلى هذا الأساس فأنا أساوي بين من ارتكبوا تلك الجرائم وبين هتلر، وإلى متى سنبقى ننتظر فيلماً طويلاً يخوض في الخفايا المرعبة لحرب الجزائر وما حصل فيها من تعذيب؟. ومما جاء في كتابه «بريء»: كل من لا ينخرط في السياسة هو بريء أي من يرتبط بعالم آخر بفضاء خارجي وأنا أعمل مع أشخاص طيبين أساعدهم أحياناً، لقد تغير الفن السابع تماماً ولا بد من الوقوف على حقيقة أن الاقتصاد اليوم هو الجبروت فقد أفقد السينما الفرنسية عمقها وعلى مدى زمن طويل كان الشعراء والفنانون يستطيعون التحدث مع الناس لإعداد مشاريعهم وكان هناك منتجون يلتمسون لهم المال اليوم وقبل كل شيء يصوغ المنتجون نماذج وقوائم شروط وتنظيم برامج للسينما أي إن مهنتهم لم تعد تشجيع الشعراء والكتاب بل لصنع إنتاج لقنواتهم فقط، أنا لست رجل أعمال وليس لدي رغبة بالإنتاج، أحاول ممارسة مهنتي فقط لا كما يفعل الممثلون الأميركيون.

الحياة في الدور لا تمثيله
ويبوح ديبارديو في كتابه بأنه اعتنق الإسلام بعد زياراته لمصر وحضوره حفلات أم كلثوم وسماع إنشادها بعض سور القرآن التي نقلته إلى عالم الروحانيات ويروي كيف مارس طقوس الدين الإسلامي وكان يثابر على تأدية الصلوات الخمس في اليوم وبقي يتردد إلى الجامع لمدة عامين.
وبمناسبة صدور الكتاب أيضاً وفي لقاء تلقزيوني مع (TV5) استحضر ديبارديو أهمية الأدب في حياته وتحدث عن هوايته في القراءة ومن يثير اهتمامه من الكتاب والروائيين مثل ألكسندر دوماس وبلزاك كما كان لقربه وصداقته مع مارغريت دوراس وفرانسواز ساغان أثر كبير في جعله قارئاً نهماً مشبوب العاطفة ومثيراً لها وكان لرواية «سيرانو دوبيرجيراك» التي حولها إلى فيلم دور مهم في حياته، ثم للقرآن والقديس أوغستان التأثير العميق في حياة هذا الفنان، يقول: لقد ساعدتني سرديات حاج روسي ومؤلفات من القرن التاسع عشر على محاولة الصلاة وكان ذلك مفيداً جداً لي، كما تحدث عن تذوقه لروايات الاستباق كروايات الفانتازيا التي تستبق تطور العلوم أو الأحداث مثل رواية «ألف شبح وشبح» لألكسندر دوماس أيضاً تستهويه أسرار الأديان وخاصة ما كتبه أدغار آلان بو ويضيف ديبادريو: إن المال لا يصنع السعادة بل هي في الفرح والبساطة وعلى هذا يمكن تعريف ديبادريو بأنه ممثل ليس لديه الرغبة في أداء الدور بل العيش ببساطة ذلك لأنه حين يريد اللعب يتوقف كل شيء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن