قضايا وآراء

الإرهاب يهدد أوروبا سياسياً واقتصادياً

| د. قحطان السيوفي

التفجيرات الإرهابية التي شهدتها باريس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015؛ أثارت في أوروبا العجوز أزمات ومشاكل سياسية واقتصادية وديمغرافية… بعضها غير واضح المعالم، ما يهدد بتداعيات ونتائج غير ايجابية.
المشهد هنا يشير إلى الطريقة التي تتفاعل بها السياسة والاقتصاد في أوروبا اليوم؛ لتظهرَ مناخاً عاماً تسوده التناقضات الكامنة حاملة في طياتها تباشير أزمات ليست في مصلحة الأهداف والغايات التي من أجلها وجد الاتحاد الأوروبي، ومنطقة اليورو.. الخوف من تنقل الإرهابيين بين دول الاتحاد الأوروبي، بما فيها دول منطقة اليورو يهدد منطقة (شنجن) أي دول أوروبا التي يسمح فيها بتنقل الأشخاص من دون تأشيرة… كما أن موضوع اللاجئين يلقي بظلاله السلبية على هذا الموضوع.. إضافة إلى موضوع المديونية . وموضوعات أخرى شائكة… تهدد جميعها المستقبل السياسي والاقتصادي لأوروبا العجوز.
(أنجيلا ميركل) المستشارة الألمانية، قالت: ما لم نتفق على آلية لمشاركة اللاجئين، فإن منطقة شنجن الخالية من جواز السفر في أوروبا، ستصبح موضع شك… (مانويل فالس) رئيس الوزراء الفرنسي، قال ليست بلاده هي من قررت فتح الحدود؛ ولم يعد باستطاعتها استقبال اللاجئين… (جان كلود يونكر)، رئيس المفوضية الأوروبية، قال: إذا فشلت منطقة شنجن، فإن اليورو سيفشل… الاستنتاج المنطقي لهذه التصريحات الثلاثة هو أن الاتحاد الأوروبي في دائرة خطر الفشل… ربما لم يقصد أي من هؤلاء السياسيين أن يقول ذلك، ولكن الواقع يشير لذلك.. (يونكر) رئيس المفوضية الأوروبية لديه وجهة نظر. منطقة (شنجن) و (اليورو) هما المشروعان الأكثر طموحا والأكثر وضوحا في الاتحاد الأوروبي. وتفكيك منطقة شنجن يمكن أن يشكل سابقة ودور ألمانيا سيكون حاسماً؛ ويقول العديد من المراقبين وحتى بعض المسؤولين الأوروبيين أن ميركل ارتكبت خطأ لا يستهان به في الطريقة التي فتحت بها الأبواب أمام اللاجئين، فهي لم تستشر القادة السياسيين الآخرين، ولا حتى الحزب الذي تتبع له كما قللت من أهمية التأثير وفشلت في اتخاذ الاستعدادات اللوجستية. بالمقابل بعض بلدان الاتحاد الأوروبي ترفض قبول حتى الحصص المقترحة لها لاستيعاب اللاجئين، الأكثر تواضعاً؟
أحد المسؤولين الألمان المعروف برزانته يقول (حسب الفاينانشال تايمز في 2/12/2015) إن البلد الذي عرض مثل هذا الموقف السخي في أزمة منطقة اليورو، يشعر الآن بالخيانة من الدول الأعضاء الزميلة في الاتحاد الأوروبي…
الألمان المحافظون يشعرون بالغضب أيضاً من برنامج التحفيز المالي المقبل من البنك المركزي الأوروبي، حيث يرون أن ألمانيا مثلاٍٍ تتحمل العبء المالي الأكبر، وأن تبادل منافع الديون الكبيرة يتسلل من الباب الخلفي، ويعتبرون هذا بمنزلة خيانة كبيرة.
ما الذي يجري؟ الجواب البسيط هو أن في أوروبا عدداً يفوق الحد من الأزمات التي تحدث في وقت واحد، والاتحاد الأوروبي غير مستعد لها؛ الإرهاب، واللاجئين والأزمة الأوكرانية، والديون السيادية لمنطقة اليورو، ومستقبل بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ومستقبل اليونان في منطقة اليورو، والأزمة الدستورية البرتغالية، واستقلال كاتالونيا… هذه القضايا تحتاج لقاعدة بيانات للأزمات من أجل متابعتها وتعقب تداعياتها… لأنها تشكل تهديداً مصيرياً للأوضاع السياسية والاقتصادية في أوروبا..
الاتحاد الأوروبي، بما لديه من أنظمة معقدة متمثلة بالضوابط والتوازنات، وقواعد التصويت ذات الأغلبية المزدوجة على بعض التشريعات والإجماع على غيرها، لم يتم بناؤه للتعامل مع هذه القضايا الجغرافية السياسية والجغرافية الاقتصادية الملحة والخطيرة التي تهدد مستقبله…
الوضع دقيق، بل خطير… حتى القادة المعتدلين مثل فالس ومارك روته، رئيس الوزراء الهولندي، يتحدثون بغضب في تأييدهم لتدابير متطرفة مثل إغلاق حدود منطقة شنجن أمام اللاجئين. حتى تم ربط نجاة اليورو بمستقبل منطقة السفر الحر (شنجن).
الاتحاد الأوروبي في وضع طغت عليه الصراعات العسكرية الإقليمية والعالمية، وتنسيق سياسة الاقتصاد الكلي وحالات الطوارئ الإنسانية والأهم الرعب الدي أحدثته تداعيات الإرهاب العالمي. ما تم فعلاً وما يُتوقع حدوثه مستقبلاً… وانعكاساته السلبية على الأوضاع السياسية والاقتصادية جعل أوروبا تعيش حالات الطواريء مع ما يرافق ذلك من إرباك وتخبط… والملاحظ أن الاتحاد الأوروبي يستجيب لهذه الأزمات بالسير كيفما اتفق ؛ كما رأينا في أزمة اليورو… وأزمة الدين… وفي هذا السياق يقول الكاتب مارتن وولف في الفاينانشال تايمز: (نستطيع القيام بالخداع فيما يتعلق بالديون إلا أنه من الصعب جعل هذا ينجح في موضوع الإرهاب واللاجئين) إن الأصوات العالية، لبعض زعماء الاتحاد الأوروبي الداعية للحاق بالتحالف الأميركي لضرب تظيم داعش الإرهابي جواً؛ لايعدو كونه إجراءات استعراضية لتهدئة الرأي العام الأوروبي الغاضب والخائف من الإرهاب… ولن يؤدي ذلك إلى نتائج ملموسة وفي ضوء ذلك يبقى الإرهاب العالمي المتنقل ؛ يهدد مستقبل الوضع السياسي والاقتصادي للاتحاد الأوروبي بما في ذلك منطقة اليورو.
في نهاية المطاف لن يكون هناك خيار آخر أمام البلدان الأوروبية سوى فرض الضوابط المحلية الخاصة بها. وهو ما قد تفعله… وهذا يؤدي لتفكك منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي ونهاية هذا الحلم لدول أوروبا العجوز.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن