اقتصاد

شتاء دافئ.. بشروط!

| علي هاشم 

ثمة مخاطرة بالغة في امتداح أي من نشاطات الحكومة وخصوصاً ما يتعلق منها بإستراتيجيات المواجهة في الشق الاقتصادي للحرب مع الإرهاب، فوسط التدحرج المتواتر للأزمات المعيشية جراء بقائها أسيرة حالة من «المباغتة» الدائمة، قد تبدو الإشارة لنجاحها في موضع ما أشبه بامتهان آلام المواطنين وتطلعاتهم.
رغم ذلك، فثمة حقيقةً ما نجحت حكومتنا بالتعاطي معه وفق ما يقتضيه وصفها بـ«حكومة الحرب».
جرى الأمر في ملف المشتقات النفطية لموسم الشتاء، فبغض النظر عن شرطية ذلك النجاح بالنفاذ من اختبار الواقع في أسابيع وأشهر الفصل القادم، إلا أن تمرير المازوت لـ1.5 مليون أسرة على ما أعلن وزير النفط الأسبوع الماضي، إنما يشكل خطوة استباقية ستدعم قدرتها في التصدي لـ«هجمة الشتاء» التي دأب على شنها متمترسو الطرف الآخر من الجبهة في كل عام، سعيا منهم لاستثمار العلاقة الصميمة بين المشتقات النفطية والاقتصاد والتعاظم الاستثنائي لاحتياجاتنا منها خلال الفصل البارد، في تعميق آلام الحكومة ومواطنيها على حد سواء.
فعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية، ونظرا لطبيعته كـ «سلعة قائدة»، أفضت «هجمات المازوت» الشتائية المركزة «لدرجة تعطيل وصول ناقلات النفط أحياناً»، إلى شح في المعروض لم يلبث أن ساق أمامه موجة فوضوية عالية من غلاء السلع المحلية والمستوردة.
ومع تذخير أزمة الأسواق التسعيرية بهجمة نقدية متزامنة يشارك في صناعتها أعداء خارجيون وحلقة من المتواطئين المحليين، لطالما حصدت «الهجمات الشتائية» النجاح تلو الآخر في إحداث تبدل درامي ببنى الاقتصاد الوطني من خلال دفع الأسواق إلى حفرة اختلال مفتعل في العرض والطلب على المشتقات الذي لا يلبث أن يحرض تضخما تلقائياً ذا خلفية سلعية، لينعكس الأمر في مآله، وبشكل عفوي، تقهقراً للنقد الوطني وخسارات فادحة للخزينة وضغطاً معيشياً مضافاً.
نظريا، نجحت الحكومة -حتى الآن- في حشدها الاستباقي لـ«هجمة الشتاء» القادمة، إلا أن اكتمال نجاحها هذا سيبقى مشروطا بعوامل أخرى عديدة، أولها: التزامها بما تعهد به وزير النفط من «عدم رفع سعر المازوت» حتى لو اضطرها الأمر إلى تحمل الآثار التضخمية «المحتملة».
ولأنه لا معنى لتعهدها ما لم تتحقق الوفرة، فثمة ضرورة لمنع «الأيادي الخفية» من استثمار أي اختناقات محتملة عبر تأمين تدفق مرن للمشتقات من جهة، وقطع دابر التهريب من الأخرى، فقد علمتنا إياه المواسم الماضية بأن غلاء وشح المشتقات وما يليها من ترددات اقتصادية، لا يتوقف على «القرار الحكومي» فحسب، آخذين المنعكسات المتوقعة لاستهداف الموارد النفطية لـ«داعش» و«النصرة» والمتفرعين من شجرة عائلتيهما، وأثرها في تعاظم الطلب على تهريب المشتقات من مناطق سيطرة «النظام» إلى مناطق الجماعات الإرهابية، وخاصة في ظل سعرها الحكومي المدعوم الذي أصبح واقعاً بعد الاختلال الأخير في سوق النقد.. وما لم تنجح الحكومة في ذلك، فما تجشمته من عناء حتى الآن سيتحول رماداً في يوم ريح.. وسيكون لفشلها قصة جديدة!.
علماً بأن المواطن يلاقي صعوبة في تأمين المازوت حتى الآن، كما أنه يصعب التأكد من دقة الأرقام الواردة من حين إلى آخر حول عدد الأسر المستفيدة من المئة ليتر، مع وجود تباين ملموس في الأرقام بين محافظة وأخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن