الأولى

السعودية وتركيا وسياسة المكابرة

| بيروت – محمد عبيد

يبدو أن الإيحاءات الإيجابية التي لمسها وزير خارجية عُمان يوسف بن علوي من لقاءاته بعض القيادات السعودية والتي نقلها إلى القيادتين الإيرانية والسورية لم تتحول إلى تغييرات في مقاربات النظام السعودي تجاه قضايا المنطقة.
فالسعودية التي أنهكها عدوانها على الشعب اليمني بعدما تخلى عنها الحلفاء المفترضون الذين حاولت استدراجهم إلى هذه الحرب كمصر والآخرين الذين انكفؤوا بسبب الخسائر البشرية والعسكرية والمعنوية التي منوا بها كالإمارات العربية المتحدة، اضطرت إلى الاستنجاد بالجنود السودانيين الذين يفرون من المواقع العسكرية وهاهي اليوم تسعى إلى جذب المغرب للمشاركة في هذه الحرب أملاً بتعويض هذه التراجعات والهروب إلى الأمام من الهزيمة المحتومة بعدما رفضت كل المساعي الدولية لإيجاد مخرج لها يحفظ ماء وجهها عبر تسوية سياسية تُبقي لها نفوذاً مقبولاً في الجارة المُقلِقة، وبعدما لم تستجب للنصائح الأميركية بعدم توسيع رقعة الهجوم باتجاه صنعاء والاكتفاء بالسيطرة على عدن ومحيطها والقبول بخطة الأمم المتحدة لحل هذا النزاع، وخصوصاً أن الإدارة العسكرية والأمنية الأميركية تراقب عن كثب التطورات الميدانية في الداخل اليمني وأيضاً على الحدود اليمنية السعودية ما يزيد من قلقها على الكيان السعودي بسبب تغلغل الجيش اليمني مدعوماً من اللجان الشعبية وبعض مقاتلي العشائر في عمق المناطق الحدودية حتى وصلوا إلى مشارف مدينة نجران.
كل ذلك، وأركان النظام السعودي مازالوا يكابرون ويعتقدون أنه بإمكانهم السيطرة على اليمن والإتيان برأس السيد عبد الملك الحوثي كما يرغب ويردد الملك سلمان ما يعني إلحاق هزيمة كبرى بإيران وبجميع حلفائها في المنطقة ومَنْح المملكة السعودية موقع الرياسة على دول الخليج وعلى بعض المنافذ المائية في المنطقة ما يعزز موقعها الإقليمي بعدما اهتز ويكاد يندثر هذا الموقع نتيجة إخفاق مشاريعها في العراق وسورية خاصة.
أما تركيا، الشريك المستجد للسعودية، فقد انتقلت من مرحلة الهجوم إلى حالة من الضياع السياسي والعسكري وعدم القدرة على الاستمرار بالتلاعب ولو المحدود بحركة التطورات العسكرية وبالتالي السياسية في المنطقة، وذلك بسبب الخطوط الحمراء التي رسمتها المشاركة الروسية في الحرب على الإرهاب المدعوم من أنقرة والتي عززها التهور العسكري التركي بإسقاط النفاثة الروسية.
حاول أردوغان وأركانه منذ بداية العدوان على سورية إقناع إدارة أوباما وبعض الحلفاء الغربيين في الحلف الأطلسي (الناتو) بجدوى إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري تكون مقراً لحلفائها مما يسمى «المعارضة السورية» ومنطلقاً للمجموعات العسكرية المدعومة منها إضافة إلى حماية هذه المنطقة جواً عبر فرض حظر جوي على حركة الطيران الحربي السوري فوقها، سعياً خلف حُلُم إسقاط النظام وإجبار الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد على الرضوخ والرحيل. لكن أوباما والحلفاء الآخرين تجنبوا مجاراة أردوغان في سياساته وأطماعه خوفاً من اتساع دائرة المواجهة مع جهات ودول إقليمية ومن استدراج حلف الناتو إلى أتون هذه الحرب مع ما يعنيه ذلك من احتمال تكبده خسائر سياسية وعسكرية وبشرية واقتصادية وخصوصاً أن بعض أركان هذا الحلف ومعه روسيا والصين كان مشغولاً في مسارٍ تفاوضي مع إيران حول ملفها النووي، إضافة إلى تيقن واشنطن وحلفائها من عدم إمكانية تأمين تغطية سياسية- قانونية دولية من خلال مجلس الأمن الدولي لمثل هذه الخطوة بعدما تعرضت مشاريع القرارات الأميركية والحليفة لها إلى انتكاسات عديدة نتيجة الفيتو المشترك الروسي – الصيني ضدها.
رغم ذلك، لا يمل أردوغان من المكابرة ومن الاستمرار في اختلاق التعقيدات الميدانية من خلال الدفع بالإرهابيين وبالأسلحة والعتاد إلى الداخل السوري أملاً بتأخير الهجومات البرية المتقدمة التي يقودها الجيش العربي السوري ومعه حلفاؤه لاستعادة مناطق الشمال المحتلة وعزل الحدود بين سورية وتركيا، مع أن موسكو ماضيةٌ من خلال أدائها المُبرمج والمدروس في الاستثمار على الاعتداء التركي على طائراتها الحربية وبالتالي حشر أنقرة واستفرادها إقليمياً ودولياً وخصوصاً بعد تظهير ارتباطاتها الموثقة بالمجموعات الإرهابية وفي مقدمها ما يسمى «داعش» و«النصرة-القاعدة» في مجالات كثيرة.
لاشك أن النظامين السعودي والتركي يخضعان حالياً لحملة تطويق سياسي وعسكري علهما يُقِران بالمتغيرات الإستراتيجية التي فرضها التحالف السوري-الإيراني-الروسي الجديد مع احتمال التحاق العراق به بعد الاجتياح التركي للأراضي العراقية وصمت واشنطن.. ولكن ماذا لو قررت موسكو توسيع هذا المحور وضم اليمن إليه؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن