قضايا وآراء

تجارة الأسلحة الأميركية باسم الحرب على الإرهاب

| تحسين الحلبي 

يبدو أن التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط منذ خمس سنوات بدأت تحمل مؤشرات واضحة على أن الولايات المتحدة تشن حرب استنزاف مستمرة ضد جميع من تعتبرهم أعداء أو منافسين لها في المستقبل القريب وخصوصاً أن الحرب الأميركية المزعومة على الإرهاب ما تزال توفر للسياسة الأميركية توسيع دوائر محاصرتها واعتدائها في مناطق كثيرة وخصوصاً في السنتين الماضيتين.
ومن أول هذه المؤشرات تظهر الأرباح الهائلة التي بدأت تجنيها مصانع الصواريخ المتنوعة الأميركية ومجمع الصناعات العسكرية للذخيرة والأسلحة.
ويكشف (جيسون ديتس) في الموقع الإلكتروني (انتي وور) أن المسؤولين الأميركيين يلاحظون الآن ازدياد الطلب على الصواريخ والذخيرة من أطراف كثيرة إضافة لما يستهلكه الجيش الأميركي إلى حد لم تعد فيه مصانع السلاح قادرة على الالتزام بالمواعيد التي تسلم فيها معدات وذخيرة وصواريخ الحرب الأميركية. وتثبت أرقام وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن 3271 من الذخيرة المتنوعة استخدمها الجيش الأميركي في شهر تشرين الثاني فقط وأن 32 ألفاً من مختلف أنواع الصواريخ والذخائر الحربية تم استخدامها خلال 16 شهراً باسم الحرب على داعش، ويستنتج (ديتس) أن مجمع الصناعات العسكرية الأميركي سيجد نفسه في حالة إنتاج متصاعدة لهذه الصواريخ والذخائر خلال عشرين عاماً بموجب ما تتوقعه الإدارة الأميركية لاستمرار الحرب على الإرهاب؟!
ويكشف الموقع الإلكتروني (ذي انترسيبت) أن بروس تينير نائب رئيس شركة (لوكهيد) الأميركية لصناعة الأسلحة والذخائر أعلن في مؤتمر صحفي أن شركته تحقق «فوائد وأرباحاً غير مباشرة» من الحرب في سورية كلما اشتد تصاعدها على الحدود التركية وأن شركته جاهزة لتوظيف وبيع طائرات (إف 22) و(إف 35) الجديدة لتحقق أرباحاً لم تكن تتوقعها بسبب الحروب في الشرق الأوسط واعترف (تينير) أن الطلب على طائرات شركتها والذخائر بدأ يزداد بعد التورط السعودي والإماراتي في اليمن.. وفي المؤتمر نفسه الذي حمل اسم «المؤتمر الصناعي السنوي الثالث» أعلن أمام ممثلي الصناعات العسكرية الأميركية أن الشرق الأوسط بدأ يوفر مصالح كثيرة لبيع الأسلحة والذخائر والصواريخ وكان (ويلسون جونز) رئيس شركة (أوشكوش) للصناعات العسكرية قد زار منطقة الشرق الأوسط للاطلاع عليها كسوق لتصدير الأسلحة المتنوعة الأميركية التي تنتجها مصانعه. وكشف (توم كينيدي) رئيس شركة (ريثيون) أنه (اجتمع بالملك سلمان السعودي ووجده مفيداً في حالة الحرب التي يخوضها في اليمن وضد سورية والعراق سواء باسم الحرب على الحوثيين أو على داعش).
وأعرب (تينير) عن سروره من قيمة الميزانية العسكرية الأميركية 607 مليارات دولار وأنه سيلبي متطلباتها من الذخائر والصواريخ والمبيعات العسكرية.
ولا شك أن هذه الحقائق التي يتحدث عنها أصحاب الصناعات العسكرية الأميركية تدل على أن واشنطن تخطط لشن حرب استنزاف مستمرة في مناطق كثيرة وتتطلع إلى إطالة زمن هذه الحروب ما دامت من أهم المستفيدين منها مالياً من خلال دور هذه الشركات، وعسكرياً لأنها توفر لها في ساعة الصفر التي تراها مناسبة للانتقال من مرحلة استنزاف من تعتبرهم أعداء أو منافسين إلى مرحلة فرض سيطرتها أو التهديد بحرب عالمية شاملة.. ومع ذلك يتوقع محللون عسكريون في أميركا وخارجها أن هذا السيناريو الذي يخدم مصلحة واشنطن في المحافظة على بقائها قطباً أوحد للقوة العالمية، يواجه صعوبات وتحديات كثيرة لا يمكن للقوة الأميركية التغلب عليها، ويرى البروفيسور (موري غودفري) المؤرخ الأميركي أن الولايات المتحدة تقوم في هذه الظروف بآخر محاولاتها للحفاظ على مكانتها كقطب أوحد وهي لن تنجح لأن العالم المتعدد الأقطاب بدأ يفرض مصالح جديدة ستخسر فيها واشنطن حلفاء لن يقبلوا بالوقوف إلى جانب كل أهدافها.
ويرى (باتريك ديكسون) محرر الموقع الإلكتروني غلوبال تشينج (التغير العالمي) أن الصين ستتحول إلى قدرة اقتصادية خلال السنوات الأربع المقبلة تزيد على قدرة الإنتاج الأميركي وأن واشنطن لن يكون في مقدورها شن حرب شاملة على روسيا والصين لأنها ستجد أن فرنسا وألمانيا ودولاً أوروبية لا مصلحة لها في حرب كهذه وواشنطن لم تشارك في أي حرب وحدها بل كانت تنضم إلى المشاركين فيها أو تضم دولاً للمشاركة في حربها.
ويتوقع (باتريك ديك) أن تتحول الصين إلى القوة الكبرى إلى جانب روسيا خلال السنوات العشر المقبلة ولن يكون بمقدور واشنطن المحافظة على كل مصالحها في الشرق الأوسط بل ستفقد مصالح كثيرة رغم إنشغالها الآن في جني أرباح الحروب التي فرضتها باسم (الحرب على الإرهاب) في الشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن