قضايا وآراء

ماذا نفهم من المؤتمرات؟!..

| مازن بلال

ضمن تزامن متوقع انعقدت ثلاثة مؤتمرات للقوى السياسية في سورية، وهي اجتماعات تقدم تصوراً أولياً عن المنافسة الإقليمية والدولية بعد مؤتمر فيينا، ومن الصعب التمييز في طبيعة الحراك السياسي الذي يمكن أن تقدمه، فإذا كان المجتمعون في الرياض يسعون لمواكبة التحرك الدولي فإن القوى التي اجتمعت في دمشق كانت تبحث عن شرعية تكريس نفسها داخل المشهد السياسي، وأما في الحسكة فظهر تطور آخر يسعى لرسم حدود للصراع على الشمال الشرقي لسورية، فهناك «قوى سورية كردية» تحاول خط ملامح وجودها على الأرض؛ بعد أن تم استبعادها من الرياض.
ربما ليس غريبا أن تفرز الأزمة السورية كل هذه التشعبات داخل حلبة سياسية واحدة، لكن ما يثير الدهشة أن كل تلك القوى كانت تحتاج لعامل إضافي حتى تستطيع تثبيت نفسها داخل المشهد الذي يتطور بشكل سريع، فبالنسبة للمجتمعين في الرياض ظهرت المجموعات المسلحة عاملا أساسيا في دعم أهمية المؤتمر والتلويح بالقدرة على التأثير، وأما في دمشق فإن البعد المكاني هو الأساس لأن المؤتمر أراد تكريس حضوره داخل سورية وضمن مظلة الدولة ليجعل من مقرراته شأنا جوهريا في أي تفاوض قادم، وفي الحسكة فإن زيادة الاهتمام الدولي بالفصائل القادرة على محاربة داعش كانت الشأن الرئيس لاكتساب أهمية تجميع القوى والشخصيات في هذا المؤتمر.
عمليا لا حاجة للدخول في قراءة مقارنة لما حدث نهاية الأسبوع الماضي من مؤتمرات، علماً أن الأزمة السورية لم تعد محكومة بالانسجام الداخلي السوري، بل ببراعة الظهور على خط التناقضات، وهذا ما قام به مؤتمر الرياض الذي وقف ضمن هامش «المجموعات المسلحة» والصراع الدائر حول عملية فرزها، ومن الممكن أيضاً رؤية مؤتمر دمشق الذي يسعى لإيجاد انسجام بين مفهوم المعارضة والالتقاء مع السلطة السياسية في إستراتيجية الحفاظ على الدولة، أو حتى في اجتماعات الحسكة التي تريد وضع الحلول الفيدرالية ضمن إطار «السيادة»!!!
ما يمكن طرحه وسط ضجيج الاستعراض الذي قامت به المؤتمرات يمكن أن يتلخص بثلاث نقاط:
– الأول: إن عملية التفاوض بين السلطة والمعارضة لم تعد محكومة فقط بالصراعات الإقليمية، بل القدرة على تكريس واقع داخل البنية السياسية القادمة يتيح تفاوضا مفتوحا يمكن للقوى الإقليمية إدارته لمنع الصراع المباشر فيما بينها، وهذا ما ظهر بوضوح في مؤتمر الرياض.
– الثاني: إن أي قوة سياسية حالية أو مستقبلية عليها المرور في «مظلة المعارضة» لتكتسب مشروعية الحضور على المشهد العام، فـ«المعارضة» هنا تخرج عن إطار الموقف لتصبح هوية سياسية، ففي مؤتمر دمشق يصعب النظر للمجتمعين وفق الموقف السياسي الذي يتماهى مع التوجه العام للسلطة السياسية، مع فروق تفصيلية، في حين ترى هذه القوى نفسها «معارضة بالهوية» لأنها ظهرت ضمن الأزمة السورية تحديدا.
– الثالث يقدمه المجتمعون في الحسكة عندما يحاولون رسم مسار ضيق في منطقة صراع دولي، فهم يريدون خلق نموذج يلبي التوازنات الإقليمية والدولية ويحاولون خلق هوية مستقلة، وهذه المعادلة ليست صعبة لكنها تصبح مستحيلة نتيجة الجغرافية التي يوجد عليها هذا التوجه، فهو مرغم على حصاره ما بين داعش وتركيا، ومضطر للبحث عن حلول جزئية لا تستطيع فرض نفسها داخل المستقبل السوري.
فخ الجغرافية – السياسية السوري يكمن في وهم التأثير القوي؛ حيث تسيطر على النشطاء والقوى السورية أوهام «الرمز السياسي» مثل شعارات المعارضة والديمقراطية والسيادة والدور الإقليمي، في وقت دخلت فيه السياسة مرحلة مختلفة أصبح التمايز فيها أقوى من أي رمز سياسي، وهي السمة التي تميز اليوم كل القوى الصاعدة في العالم، فهو تمايز ليس بالفكرة فقط بل بالمحفزات التي تقلب المعادلة السياسية، فهل تملك المؤتمرات الثلاثة أي محفزات تدفع الداخل والخارج السوري لتبديل المعادلات؟ إنه السؤال الذي سيبقى معلقاً من دون إجابة واضحة مادامت القواعد السياسية القديمة تحكم الجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن