قضايا وآراء

الأمم العظيمة لا تُكسر ولا تُقهر

| أحمد ضيف الله

ما إن فُتح معبر القائم في الـ30 من أيلول 2019، حتى بدأت الولايات المتحدة الأميركية بالترويج إلى أن فتح المعبر هو لتأمين ممرٍّ استراتيجي للصواريخ الباليستية والدقيقة من إيران والعراق لنشرها في سورية ولبنان، مترافقة مع استهدافات مجهولة المصدر لمخازن أسلحة الحشد الشعبي، حيث تنصل الجيش الأميركي منها، وصمتت إسرائيل عن تبنيها.

في الـ29 من كانون الأول 2019، تعرضت مقرات لواءي 45 و46 للحشد الشعبي في منطقة القائم إلى ثلاث ضربات جوية أميركية أدت إلى استشهاد 25 مقاتلاً بينهم آمر اللواء 45، إضافة إلى جرح 51 آخرين، وحينها قال رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي في كلمة علنية له في جلسة مجلس الوزراء في الـ30 من كانون الأول 2019، إن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر اتصل به هاتفياً وأبلغه أن أميركا ستقوم بمهاجمة قواعد كتاب حزب الله العراق بعد ساعات، مؤكداً له أن «القرار اتخذ وأنا أبلُغ هذا الشيء»، وبين عبد المهدي أنه «حاولنا أن نبلغ القيادات الأمنية والحشدية أن هناك هجوماً سيحل»، معتبراً «الهجوم الأميركي على قوات الحشد الشعبي في مدينة القائـم اعتداء خطيراً وآثماً».

الاستهداف كان توجهاً أميركياً في تثبيت قواعد سياسية جديدة، أساسها الفصل بين سورية والعراق، وتحجيم قوات الحشد الشعبي وباقي قوى محور المقاومة في العراق.

إلا أن اقتحام المنطقة الخضراء من الآلاف من المتظاهرين، بعد انتهاء مراسم تشييع شهداء الحشد الشعبي، وتوجههم إلى وكر السفارة الأميركية في بغداد، وقيامهم بحرق الإطارات أمام مداخلها، وتحطيم أبواب وزجاج مبنى الاستعلامات الرئيسيّة للسفارة، ومن ثم نصب الخيم والاعتصام أمامها، مطالبين بإغلاقها، وطرد القوات الأميركية من العراق، ووقوف القوات الأمنية العراقية أمام ما يجري دون اكتراث، أربك الإدارة الأميركية وشكل صدمة لها، لاعتقادها أن ما كانت قد قامت به من مجزرة كان كافياً لإخافة الشعب العراقي وقواه السياسية والأمنية.

الإدارة الأميركية بعد ذلك ذهبت بعيداً، في تحد سافر لتلك الجماهير والحكومة العراقية، فأقدمت في الـ3 من كانون الثاني 2020 على اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس الذي كان في استقبال سليماني بمطار بغداد الدولي، بأمر مباشر من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في عملية بدت كأنها استعادة لهيبتها التي كُسرت على أعتاب أكبر سفارة لها في العالم وأكثرها تحصيناً، بقتل خيرة قيادات قوى المقاومة في المنطقة، لتدمير منجزاتهما، معتقدة أنها ستجني بذلك ثمار التظاهرات التشرينية التي كانت تجري في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية آنذاك بتحريض ودعم منها.

اغتيال القائدين الشهيدين كان بمنزلة إعلان حرب أميركية على العراق، وهو الأصعب منذ سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش في حزيران 2014، في تحد سافر لأمن وسيادة العراق واستقراره.

إن استهداف ضيف العراق مع أبرز قادة العراق العسكريين، يعد جريمة وإرهاب دولة، اعتادت أن تضرب عرض الحائط بكل الاتفاقيات والمواثيق الدولية والأعراف الدبلوماسية.

إرهاب الإدارة الأميركية لم ينجح حتى الآن، لا في طمس جريمته، ولا في إخفاء المنجزات الجبارة الذي حققها الشهيدان سليماني والمهندس في محاربة الإرهاب الداعشي والأميركي على مساحة المنطقة.

في الذكرى الثالثة لاستشهاد القائدين العظيمين، أحيا الآلاف من العراقيين مساء الثاني من كانون الثاني الجاري حتى فجر اليوم التالي، ذكرى الشهداء ساعة استشهادهم، محولين مكان وقوع الجريمة النكراء على طريق مطار بغداد إلى مزار مقدس، مطالبين بالثأر لدماء شهداء قادة النصر، داعين إلى طرد القوات الأميركية من كل الأراضي العراقية. بينما بات مرقدا الشهيدين في كرمان بإيران، وفي النجف بالعراق، مزارين لإلقاء تحية الاحترام والإجلال كل يوم لمن ضحيا من أجل أن تبقى رؤوسنا مرفوعة.

فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي، أكد خلال مراسم الذكرى التي حضرها بعض المسؤولين والعديد من الشخصيات والنخب السياسية والثقافية العراقية في موقع الاستشهاد، أن الأعداء خاب ظنهم «عندما اعتقدوا أن بالقتل والتغييب تُكسر إرادة الأمم».

الشهيدان سليماني وأبو مهدي المهندس، ليسا مجرد عناوين، إنهما مدرسة، وثقافة مقاومة، ورمز لمقارعة الإرهاب والمعتدين ومن يدور في فلكهم من مجتمع «الميم»، أقصد المرتزقة والمطبعين مع إسرائيل، والمنبطحين جبناً ونذالة، و«المغردين» من قادة العراق السياسيين ممن تَغيبوا عن المشاركة في موقع الاغتيال مكتفين بـ«التغريد» عن بعد بهذه المناسبة!

الأمم التي تتربى على قيم الشهادة، هي أمم عظيمة لا تُكسر ولا تُقهر، ولن تُهزم باستشهاد قادة منها، لأنها قادرة على خلق أجيال تحمل روح الجهاد، والإيمان بالنصر، وما يجري في فلسطين كل يوم خير دليل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن