قضايا وآراء

الأردن والمهمة شبه المستحيلة

| عبد المنعم علي عيسى

يدرك أولئك الذين قاموا بتوكيل الأردن في أعقاب مؤتمر فيينا 14/11/2015 بمهمة فرز المنظمات والفصائل العاملة على الأرض السورية وتبيان الإرهابي منها عن غيره، أن المهمة السابقة هي في غاية الصعوبة وفي غاية الخطورة في آن واحد، ولسوف يكون من على أكتاف الأردن حملها مهما تشعبت آليات الدعم أو حقن المنشطات، وعلى الرغم من ذلك فقد منح الأردن حقّ إصدار صكوك البراءة (والإدانة) لتلك الفصائل ما يعني إخراجها من دائرة النار أو الزج بها في أتونها.
لربما ينبع التكليف الأردني للقيام بتلك المهمة انطلاقاً من رؤية غربية تنظر بعين الرضا لقدرات الأجهزة الأمنية الأردنية التي انخرطت في النار السورية بدرجات متفاوتة على مر المراحل هذا إضافة إلى أن تلك النظرة (الغربية) كانت قد تكاملت مؤخراً بعد ما تم الإعلان عن قيام تنسيق روسي- أردني في ما يخص الشأن السوري في أعقاب مؤتمر فيينا 30/10/2015.
حتى وإن كانت النظرة الغربية صحيحة ودقيقة فإن ذلك المعطى غير كاف وحده للقيام بتلك المهمة الحساسة التي تتطلب العديد من المزايا التي يجب أن تمتلكها الدبلوماسية الأردنية تحديداً فالقرار ومهما كان نصيب «المهنية» الموضوعية فيه فسيبقى قراراً سياسياً، ولذا فإن المطلوب بالدرجة الأولى أن يمتلك الأردن قراره السياسي المستقل، كما المطلوب أيضاً أن تكون الدبلوماسية الأردنية قادرة على تجاهل الضغوط التي ستتعرض لها بالضرورة بمعنى أن تكون قادرة على تغليب المهنية على أية اعتبارات أخرى ومهما تكن، والسؤال هو هل كانت النظرة الغربية الإيجابية إلى الأردن وسياساته تضع في اعتبارها تلك الأمور؟
هناك أيضاً مشكلة أخرى وهي على درجة عالية من الأهمية هي أن الأداء السياسي الأردني وكذلك التصريحات الصادرة عن العديد من مسؤوليه تنبئ بأن النظرة التي يتبناها صانع القرار السياسي الأردني تقول إن السياسات التي يعتمدها الأردن وفي رأس الهرم منها القرارات الملكية هي التي تقف وراء ذلك الاستقرار النسبي الذي يحظى به الأردن في خضم النار الملتهبة في العديد من دول الجوار والمحيط، في حين أن الأمر لا يعدو أن يكون حاله احتياج إقليمية (ودولية أيضاً) نتجت في لحظة تلاق لمصالح إقليمية مع أخرى دولية ترى أن وصول الاضطرابات إلى الجغرافيا الأردنية هو أمر من شأنه أن يهدد الكثير من مصالح الغرب والخليج بمعنى أنه تم استخدام الجغرافيا الأردنية لأن تلعب دور «العازل» بين الجغرافيا السورية الملتهبة وبين جغرافيا الخليج المملوءة بالحطب اليابس والذي لا يحتاج سوى إلى الشرارة، ولا أدل على هذا الدعم الغربي- والخليجي من ذهاب الملك الأردني 8 تموز 2014 نحو إصدار قرار ملكي يحظر عمل جماعة الإخوان المسلمين بعد أن رفضت هذه الأخيرة قانون الإرهاب الذي كان البرلمان الأردني قد أقره في نيسان من العام 2014.
على الرغم من الضربات الموجعة التي أصابت تنظيم الإخوان المسلمين في العديد من الدول العربية مثل تونس ومصر وسورية إلا أن قرار الملك الأردني ما كان له أن يبصر النور لولا ضوء أخضر أميركي بالدرجة الأولى وخليجي بالدرجة الثانية، إذ لطالما كان الأمر يتعلق بموازين القوى الداخلية في الأردن وفيها يحظى الأخوان المسلمون بثقل وازن هو الأكبر بين نظائره في دول المنطقة، وما يزيد من خطورة هذا الثقل هو التداخل الحاصل بين العصبيات التي تعتد بها القوى السياسية بما فيها نظام الحكم الملكي نفسه، ومنها العصبية الفلسطينية التي تحوي بدورها تيارات عديدة كالسلفيين والأخوان المسلمين وفيها الليبراليون والقوميون أيضاً وسط هذه التركيبة المعقدة فإن الأردن سوف يذهب نحو مراضاة التيار الإسلامي الأردني (انطلاقاً من سياسة تقوم بلطمة على الخد وقبلة على الخد الآخر) وهو أمر لا يكون إلا بالتعاطف مع الفصائل المسلحة التي تتبنى الفكر الأخواني في الداخل السوري ما يمكن أن ينتج عنه لوائح أردنية تستثني الأخوان المسلمين (ومن لفّ لفهم) من تهمة الإرهاب مع الإشارة بأن مصطلح من لف لفهم، هو مصطلح مطاط يمكن أن يصل في أحايين عدة إلى تخوم القاعدة وأطراف داعش.
رمت الرياض بقفاز التحدي بوجه الأردن عندما قامت بدعوة حركة أحرار الشام (كذلك جيش الإسلام) إلى اجتماع المعارضة السورية في الرياض (9-10/12/2015) ولربما ستكون طريقة التعاطي الأردنية مع هذا الأمر السابق بعد أن ظله السعوديون بظلهم معياراً أساسياً لنجاح أو فشل المهمة الأردنية التي تبدو شبه مستحيلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن