قضايا وآراء

قرار أممي وتوافقات متقلبة

| مازن بلال

يتحدث قرار مجلس الأمن بشأن سورية عن «عملية» من المفترض أن تستغرق 18 شهراً، وبعدها ستقدم الانتخابات مشهداً سياسياً جديداً، وعلينا التأقلم في خلال هذه الفترة مع نوعية «العملية» السياسية التي ستقدم بنية مختلفة عما عرفناه منذ عقود، فالأزمة التي سنواجهها على امتداد أكثر من عام هي في نوعية «البيئة» التي ستفرض الحل على جميع الأطراف، لأن مجلس الأمن أبعد مرجعية الحل عن صراعات الأطراف الإقليمية، لكنه في الوقت نفسه أدخلها في تحديد التفاصيل ضمن «مجموعة الدعم»، ورغم أن القرار هو أميركي- روسي بالدرجة الأولى إلا أن آليته لم تسع إلى الخروج من تشابكات الأدوار الإقليمية، وربما لهذا السبب لم يأت تحت الفصل السابع.
في الوقت نفسه فإن المرحلة القادمة ستتأثر بعوامل متعلقة بالإرهاب تحديداً، لأن التوافق بين موسكو وواشنطن جاء هذه المرة لمنع «الصدام»، فهو يحدث على خلفية «محاربة الإرهاب» والقرار الأممي هو لإيجاد قاعدة سياسية تحد من إمكانية التصادم بين القوى الدولية، لذلك من المفترض أن نشهد تحركات مكثفة على صعيد التنسيق لـ«إنهاء» داعش وغيرها من التشكيلات، وإلا فلا معنى لحل سياسي وسط خطر مجموعات مسلحة تسعى للتمدد، وضمن هذا السياق يمكن ملاحظة أمرين أساسيين:
– الأول: إن معركة الإرهاب تجري بشكل غير متوازن، فمسرح العمليات من العراق إلى سورية لا يتضمن جبهات محددة وتقاسم أدوار، ولا تحكمه قواعد واضحة تؤدي إلى النتيجة التي قدمها قرار مجلس الأمن في ضمان وحدة وسيادة الدولة السورية.
ضمن عدم التوازن في هذه الحرب ستتأرجح العملية السياسية في سورية، فالإرهاب هو نقطة التأثير الأقوى بالنسبة لأي دور إقليمي يسعى للتضخم، ومادام قرار مجلس الأمن لا يحمل تحديداً واضحاً للمسؤوليات فإن العملية السياسية ستبقى مهددة، وسترسمها التوازنات المتبدلة على الأرض وعوامل عدم الاستقرار في دول الجوار الجغرافي، فالأزمة السورية لم تنتج اضطراباً فقط بل شبكة من الأزمات يصعب اليوم تجاهلها.
– الثاني: هو الصراع مع الظاهرة الثانية للحرب السورية التي تنحصر باللاجئين، وربما على عكس ما حدث في العراق، فالسوريون ما بين لبنان وتركيا والأردن موجودون ضمن مخيمات، وأحياناً معسكرات، وهي تجمعات ربما يكون بعضها قد لعب أدواراً عسكرية في بعض مراحل الأزمة السورية، وربما لا يزال، وعليه لا يكفي الحديث عنهم بشكل «إنساني» فقط ضمن قرار مجلس الأمن، فمسألة تأمين عودتهم تبدو قراراً سياسياً على الأقل بالنسبة للأردن وتركيا، وهم بالتالي سيلعبون دوراً مفصلياً في «العملية» السياسية، حيث أشار قرار مجلس الأمن إلى مراعاة مصالحهم وكأنهم شريحة منفصلة عن مجمل المجتمع السوري.
عمليا فإن الملامح الأساسية ستتضح سريعاً في خلال الشهرين القادمين مع تحديد «وفد المعارضة»، فهو الذي سيرسم ملامح «التعقيد» في آلية التفاوض، وهذا الوفد لا يحتاج لـ«تماسك إستراتيجي» فقط، بل لتقدير المأزق الذي يمكن أن ينتج عن أي تفاهمات لا تنظر إلى العمق السوري، وإذا كان من الصعب تخيل «وفد معارض» متماسك نتيجة التجربة على امتداد خمس سنوات، فإنه على الأقل يمكن البحث عن قاعدة له تضبط المسار، وتمنع جعل «العملية» السياسية سياقاً لاضطراب مستمر.
الاستحقاق السوري سينتقل إلى القوى السورية، أو هذا على الأقل ما تحمله التصريحات التي تلت قرار مجلس الأمن، ويبقى أن النيات لا تقرر الكثير في السياسة فهي الوجه المرن أمام عدسات محطات التلفزة، وفي العمق هناك الترتيبات التي يحاول أي طرف وضعها في مسار الحل؛ عندها يظهر «الاستحقاق السوري» أمام الجميع وربما على «البنية السياسية» تحويل الزمن القادم باتجاهها وعدم تركه لتقلب التوافقات والتوازنات الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن