قضايا وآراء

الحرب على سورية وقرار مجلس الأمن

| فرنسا- فراس عزيز ديب

مشهدَان على صورةٍ عاليةٍ من التناقض، اختصرا قبل أمس كل شيء:
يطلُّ الرئيس الأسد داخل كنيسة «سيدة دمشق»، ويسأل «جوقة الفرح» بصورةِ المعتذِر ضمناً (خربطنالكون البروفة.. معلش؟). بشكلٍ شبه متزامنٍ وفي مجلس الأمن اجتمعت «جوقات صناعة القرار الدولي» ليناقشوا مستقبل الحل في سورية، وعندما نقارن الكثير من بنود القرار الذي تم اعتماده، وما تخللته كلمات بعض وزراء الخارجية في الدول الخمس الدائمة العضوية من تناقضاتٍ، تبدو أمامنا صورة الرئيس الأسد وهو يسأل «جوقة التآمر» بصورة المتحدي ضمناً (خربطنالكون البروفة.. معلش)، لدرجة تساءلنا فيها هل إن «لوران فابيوس» أو «فيليب هاموند» قرأا مثلاً نص القرار قبل رفع اليد بالموافقة عليه، تحديداً أن كلماتهما تناقضتا بصورةٍ شبه كاملة مع نص القرار، بصورةٍ تجعلنا نقول إن الأمر ربما أكثر من مجرد «خربطات بروفة»، فهل هو «زهايمر سياسي»، أم قبول بأمرٍ واقع فرضه الروس بالاتفاق مع الأميركيين؟!
في الإطار العام، لكي نعرف ماذا جرى في جلسة مجلس الأمن، علينا النظر بمجهر التحليل لأحداثٍ مهمة سبقته:
أولها، المحاولات الجديّة للأتراك لطرق الباب «الإسرائيلي» من دون شروطٍ، لدرجةِ أن نتنياهو كان قد تجاهل دعوات «العدالة والتنمية» لإعادة تطبيع العلاقات، علماً أن هذا المصطلح لا معنى له، لأن العلاقات أساساً بين الجانبين لم تنقطع، تحديداً التجارية منها أو الاقتصادية، بالتالي ربما أن «العدالة والتنمية» قد شعر فعلياً أن العزلة تزداد، وأن الطموحات العثمانية سقطت عند أبواب دمشق، ممهورة بمعلوماتٍ عن عودة التعاون الأمني بين ألمانيا وسورية، وما قد يترتب عليه مستقبلاً من ثمنٍ سياسي ستحصل عليه القيادة السورية.
كذلك الأمر، لم يكن التركي يلجأ لهذه الخطوة الحساسة لو لم يكن قد تبلغ أمراً ما، من دون أن ننسى أن أردوغان ذاته رفع كثيراً سقف مواقفه الكرتونية ضد «إسرائيل»، بهدف رفع شعبيته. هذا الأمر ليس مرتبطاً فقط بقرارٍ أميركي للتفاهم مع الروس على حلٍّ وسط بما يتعلق بالشأن السوري، لكنه متعلق بانحدار العلاقة مع روسيا، وتصنيف الجماعات الإرهابية في سورية التي لن يكون مسموحاً لها بالمشاركة في أي حلٍّ سياسي قادم، وبالطبع لن يكون هناك وجود للجماعات التي تدعمها تركيا، حتى ما يُسمى «القوات التركمانية» التي كان يتم الترويج لاعتدالها في «ريف اللاذقية» تورطت بقتل الطيار الروسي حتى قبل أن تصل مظلته إلى الأرض، بالتالي أراد التركي اللعب بالوقت الضائع لإعادة تعويم نفسه من خلال اللجوء «للإسرائيلي».
الحدث الثاني، مرتبطٌ بقرار «آل سعود» تشكيل تحالفٍ «متأسلم» لمحاربة الإرهاب.
ربما لم يشذ «آل سعود» وأحفاد شخبوط عن أصدقائهم الأتراك بطرق باب «الإسرائيلي» كنوعٍ من الهروب إلى الأمام، فـ«آل سعود» يتوددون عبر «أنور عشقي» ونظرياته «الجيو مذهبية» المثيرة للشفقة، أما أحفاد شخبوط فأكملوا المسيرة بافتتاح مكتب تمثيلٍ «إسرائيلي». لكن هذا التقارب بعكس الأتراك لديه سقفٌ، ولأنهم أدركوا أن الوقت بات يسبقهم كان الإعلان عن تشكيل هذا التحالف، لعل أجمل تسميةٍ لهذا التحالف هو «حلف المتفاجئين»، لأن دولاً كثيرةً «وازنةً» حتى من وجهة النظر المذهبية الموصوف بها هذا الحلف أعلنت أنها فوجئت من ضمها دون علمها، منها إندونيسيا وماليزيا، أي إن الأمر تم برعونة المراهقين والمصابين بجنون العظمة، أما ما تبقى من دولٍ كـ«بينين» والسودان، فالهدف من ضمها واضحٌ، وهو تشريع استجلاب المرتزقة، فالقوانين الدولية تجرِّم استجلاب المرتزقة وتجنيدهم للقتال، ولأن حلم التدخل العسكري البري في سورية ما زال يداعب هؤلاء فلا بد من انضمام دولٍ يمكنها أن تشكل خزاناً بشرياً للمرتزقة المدفوعي الأجر، وبطريقةٍ تبدو قانونية، لكون الحرب على الإرهاب هذه الأيام «موضة».
أما الأمر الثالث، فهو المؤتمر الصحفي السنوي الموسع للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في هذا المؤتمر وضع بوتين الكرة في ملعب الجميع ـ دون استثناءٍ ـ وعليه كان الكلام جدياً عن فرص تحقيق خرقٍ ما، تحديداً بعد زيارة كيري للعاصمة موسكو، فالروس متشبثون برأيهم وكلام بوتين كان واضحاً.. لن يكون هناك تغييرٌ للأنظمة بالتدخل العسكري.
لعل أول اختبار لحدوث هذه التفاهمات هو قرار مجلس الأمن «2253» لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، وضمنها التلميحات الفرنسية الصريحة للأتراك عن ضرورة ضبط هذا الأمر، دون أن ننسى أن القرار بالنهاية يحاكي وجهة النظر السورية حول تمويل الجماعات الإرهابية الموجودة في سورية، وأن هذا التمويل هو شريان الحياة لها. لعل هذا القرار هو ما دفع وزراء خارجية «آل سعود» ومشيخة قطر وتركيا لعقد اجتماعٍ في نيويورك على هامش مناقشة القرار حول سورية، لأنهم شعروا بطريقةٍ ما أن الأمور لا تتجه حيث يريدون بالمطلق.
نجح القرار «2253» في بناء جسور الثقة، وردم هوةٍ ما بين الأفكار الروسية والرؤية الأميركية لتبني قرارٍ جديد حول الحل السياسي في سورية، وربما ما عجَّل بها ليس تصريحات بوتين فحسب، لكن ما قلناه سابقاً (بأن القصة كبرت.. ) والروس باتوا في سورية، وبصورةٍ أدقٍ، بعد تبني القرار حول سورية: (كبرِت.. هل بدأت تصغر؟).
ربما هي كذلك..
بعيداً عن كلام فابيوس غير المفهوم عن «تحويل كامل القوة العسكرية لقتال داعش»، وماذا عن باقي التنظيمات الإرهابية؟ كذلك الأمر بعيداً عن كلام «فيليب هاموند» بأن حل النزاع يستوجب «رحيل الأسد»، فهل تحدث النص الذي وافق عليه عن ذلك؟ هو نوعٌ من الهوة بين ما يريدونه وبين ما وافقت عليه الولايات المتحدة لا أكثر، فهل قرر الأميركيون تبديل إستراتيجيتهم، أم التسليم للروس؟!
عندما نقول «بلشت تصغر» لا يعني هذا الكلام أنها ستبدأ من الغد، ولا يعني أن الأمور ستكون حكماً كما يريد الجميع، فهناك العديد من المصاعب والعقبات أهمها ضمان التزام داعمي الإرهاب ورعاة المعارضة بما اتُّفق عليه، تحديداً أن الأميركيين باتوا ميالين لفرضيةٍ واضحةٍ: لماذا لا يتم اللعب على إسقاط الأسد بالانتخابات؟ يستند الأميركيون في تصورهم المتجدد لعدة أفكار، أولها محاولة استمالة أصوات المهجرين في دول الجوار عبر المال الخليجي، لكن هناك عقبات أيضاً أمام هذه الفكرة، فهل نتحدث عن مهجرين أم مغتربين؟ الفرق واضح، لأننا إن تحدثنا عن مغتربين فهناك ملايين السوريين يحملون الجنسية السورية ويحق لهم التصويت في الخارج، عندها ماذا عن أصواتهم؟ ثم أين سيصوت هؤلاء، ألا يجب أن يصوتوا في سفارات بلدهم؟!
ثانياً تأكيداتٌ استخباراتيةٌ عن ارتفاع الحنق في الوسط المؤيد للرئيس الأسد نظراً لارتفاع أعداد الشهداء، وأمورٌ مرتبطةٌ بالمصالحات التي يرفضها كثرٌ، باعتبار أن الإرهابيين ينالون الكثير من المزايا بينما غيرهم قدموا أبناءهم دفاعاً عن الوطن، بل أكثر من ذلك، هم يفترضون أن معظم المؤيدين بالنهاية لو خيّروا بين نظامٍ ديمقراطي يوسع الخيارات وبين الأسد فلن يكون الأسد خياراً. بالتأكيد هذه الخزعبلات تذكرنا بعبارة «أيام الأسد معدودة»؛ لكن ذات العقلية التي شنت حربها العسكرية على سورية تحت هذا الشعار وجدت نفسها اليوم مضطرةً لتبديل تكتيكاتها انطلاقاً من معلوماتٍ يبدو فيها الكثير من المغالطات، لكن ماذا عن الطرف الآخر؟
إن عملية الانتقال من الإسقاط العسكري إلى الإسقاط السياسي، ستأخذ دورها في قادمات الأيام، فلعبة الانتخابات ليست لعبة سهلة، تحديداً أن هناك من سيحاول الاستفادة جدياً من إخفاقات برلمانية وحكومية باستثمار إنجازات الجيش العربي السوري. بالتالي الجميع مدعو الآن للتجهيز للمرحلة السياسية، والجواب عند أولي الأمر:
هل ستبقون على الطريقة ذاتها في انتقاء من يمثل ومن يدير شؤون هذا الشعب العظيم؟! المرحلة القادمة حساسةٌ.. لا تحتمل الخطأ، والكرة في ملعبكم..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن