قضايا وآراء

الغرب المتوحش

| منذر عيد

كسر زلزال أول من أمس الذي ضرب تركيا وسورية، الحجارة الصماء في حلب واللاذقية وحماة وإدلب، وهز ركناً كبيراً من الكرة الأرضية، لكنه لم يستطع أن يهز ضمير مدّعي الإنسانية، ورافعي راية السلام والحب والتآخي زوراً وبهتاناً في دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، فلم تتجاوز مواقف مسؤولي تلك الدول كلمات التضامن الإنشائية، التي لا تسمن ولا تغني الشعب السوري المنكوب من جوع، ولم يتجرأ أحد منهم على إرسال «خيمة أو كيس رز أو بطانية» لضحايا الزلزال في سورية، وهم من أقاموا مخيمات بأكملها لاستقبال المهجرين السوريين من بلدهم قبل حدوث أي طارئ فيها قبل 2011، وهم ذاتهم من أرسلوا آلاف الأطنان من المواد الغذائية والأسلحة ومليارات الدولارات لمرتزقتهم من الإرهابيين لقتل الشعب السوري وتدمير الدولة، تحت شعار الحرية والإنسانية ودعم الشعب السوري، في حين تكاد تغص سماء تركيا بطيران المساعدات، وهذا أمر طبيعي جميعنا معه.

لم يستطع أعداء سورية، أمام صرخة الدم السوري، أن يخرجوا من عقلية العداء، ولم يتمكنوا من فصل الإنسانية عن مصالحهم الخاصة، فكانوا جميعاً ذيلاً لرأس الأفعى الأميركية، فتهافتوا نحو أنقرة، ونؤكد أنه ليس حباً برجب طيب أردوغان، ولا الشعب التركي، وإنما لغاية ومصلحة لهم تكمن تحت قدم أردوغان، فيعملون على تقبيلها عله يرفع قدمه عنها، وينالون ما ينالون من مصالح يسعون إليها، ألا وهي إبعاد أنقرة عن دمشق وموسكو، والاصطفاف إلى جانبهم في أوكرانيا، واللحاق بشكل كامل بركبهم العدائي لسورية وروسيا وإيران.

نكتب وجعاً، ولا نستجدي أحداً في «بطانية أو كيلو رز»، وندرك جيداً سبب برود أعداء سورية تجاه ما ألّم بها من نكبة، ونعلم علم اليقين أن الغرب المجرم الإرهابي، لن يقدم المساعدات إلى سورية أو شعبها، أليس هو من ذبح السوريين من الوريد إلى الوريد بسكين مرتزقته في شتى الجغرافيا السورية؟ أليس هو من دمّر منازلهم قبل الزلزال بعشر سنوات؟ أليس هو من قطع الكهرباء والماء وكل أسباب ومقومات الحياة، قبل أن يتسبب زلزال «أمي» بقطعها عن الشعب السوري؟ أليس ارتداد «زلزال الإرهاب» الذي افتعله أعداء سورية، متواصلاً حتى الآن يهدد الدولة والسوريين ويزرع الخوف في نفوسهم، أكثر بكثير من زلزال أمس، ليكون السؤال الأهم، لماذا لم يتخذ الغرب المتوحش قراراً سريعاً بإرسال المساعدات إلى سورية، يوازي قراره بإرسال الإرهابيين إلى سورية ودعمهم بكل ما يمتلكون من إمكانيات وقوة؟

وإذا كان من غير المستغرب بالنسبة لدمشق، ما قام ويقوم به أعداء سورية تجاهها حتى في وقت الأزمات، فإن المستغرب هو مواقف المنظمات الأممية والدولية، التي قامت على أساس إنساني بحت، بعيداً عن السياسة ومصالح الآخرين، مواقف لم تتجاوز التصريحات والبكاء والتهويل، من دون حراك على أرض الواقع، أو ممارسة أي ضغط على أصحاب القرار العالمي ممن يفرضون حصاراً جائراً ظالماً متوحشاً قهرياً على الشعب السوري منذ سنوات، لتخرج علينا اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمعلومة يعيها السوري ابن الأربع سنوات وتقول: «الوضع الإنساني في سورية مروع وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها»، ولتعزف على المنوال ذاته منظمة الصحة العالمية بقولها: «عدم توفر الوقود في سورية سيشكل تحدياً كبيراً لعملية الاستجابة لمساعدة المتضررين من الزلزال».

وإذا كانت ضمائر الغرب وقلوبه فحماً أسود، لا حياة فيها، فهذا لا يعني أن كامل الصورة سوداء، بل ثمة جانب آخر أبيض قد يوازي بحجمه سواد الغرب، هذا الجانب انبثق من أصدقاء وحلفاء سورية الذين مدوا جسور صداقة وإخوة وإنسانية، قبل أن تكون جسور مساعدات إنسانية، فانتفض العراق بكامل أركانه كأن الحدث الجلل في بغداد أو الموصل «لا قدّر الله» لتصل المساعدات تباعاً إلى مطار دمشق الدولي، وحضرت روسيا بدعمها وجدانياً وعملاتياً، كذلك الأمر الإمارات والجزائر وسلطنة عمان والصين والهند وتونس ولبنان والكويت وووو.

لا جديد في تداعيات الزلزال لجهة المواقف الدولية، بل أعاد من جديد تلك الاصطفافات، فأكد الصديق صداقته، وجدد العدو عداوته، وليكون الأبرز والأهم في مشهدية تداعيات الزلزال، المواطن السوري الذي أثبت مجدداً أنه رغم سنوات عشر من الغدر والإرهاب، قادر على البقاء والصمود، وأنه رغم الجراح والألم، قادر على الانتفاض والنهوض من جديد من تحت أنقاض الزلزال، كما انتفض وخرج من تحت ركام دمار الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن