اقتصاد

في آن واحد الألم والأمل معاً..!

| هني الحمدان

يبدو أن مقولة الرضا والقناعة في النفس، وتقبّل الأمر الواقع حتمية لا مفرّ منها، أي رغم الصعاب ومرارتها والظروف الخانقة، ما عليك سوى التأقلم وتقبّل ذلك مرغماً لا محالة.

من منّا يستطيع أن يقول إنه سعيد أو مرتاح في حياته أو عمله أو مع أسرته؟ طبعاً بعيداً عن أصحاب الكروش والملاءات المالية، فهؤلاء لهم حياتهم المخملية وفلسفاتهم، فلا يحسّون ولا يدرون بأوجاع الأغلبية.

إذاً الأغلبية متعبون، لكنهم متأقلمون أو تأقلموا مع الظروف، ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا: إن مثل ذلك يتجسّد أمامنا يومياً، فمن فتاة تبيع البسكويت وتحلم بغد رغيد العيش، إلى رجل مسنّ يبيع الحطب. كلاهما يعمل بجدّ ونشاط، ويبحث عن رزقه، كلّ على طريقته، وعندما تسمع من كليهما عن ظروفهما سرعان ما تحزن وتفرح في آن معاً، تحزن لصعوبة ظروفهما المعيشية وقلة حيلتهما، سواء الفتاة أم ذاك المسن، وصعوبة تحمّلهما أعباء الحياة. هي في مقتبل العمر، ويفترض أن تتنعّم بطفولتها ضمن أجواء عيش رغيدة، لكن..!

وذاك الرجل الكبير، في الهزيع الأخير من عمره، قابع في زاوية ينتظر أحد المارة ليشتري منه كيلو حطب يؤمّن له ربحاً بسيطاً لعله يستر «شيبته»، مطلوب منه أن يؤمّن دخلاً وبشكل يومي، وهنا يتجلّى الحزن والألم بكل صورهما البائسة، بل المفجعة، وحالته ليست هي الحالة الفريدة في مجتمعنا، بل تماثل وتشابه آلاف حالات العوز والفقر وقلة الحيلة..!

في المقابل ورغم المرارة هناك في النفوس ما يبعث على الأمل والتفاؤل والعزيمة والنشاط ومقارعة الظروف وتحمّل وزرها. هي دروس، صحيح أن تفاصيلها مؤلمة، ولكن معانيها تعبر عن القوة والكفاح، دلالات تعزّز روح العمل والأمل وتقوّي الإرادة عند الجميع بأن الاستسلام والهوان لغة الكسالى..!

كثيرة هي الحالات التي صرنا نشاهدها كل يوم، وخاصة مع اشتداد وقع المعيشة وظروفها الصعبة. حالات تثبت قوة إرادة الأمل رغم ألم قاسٍ يلفّ القلوب، وعوز ثقيل أدمى النفوس، نعيش حالاتهما مطلع كل نهار.

لقد فعلت الظروف الصعبة فعلها، وعلّمت جيلاً، لم يتنعّم بطفولته، أشياء يعجز الكبار عن إتقانها.

بائعة البسكويت مثلاً تستيقظ صباحاً لتدرس قبل ذهابها إلى مدرستها، مستغلة ضوء الشفق، بعد أن غابت الكهرباء وصارت من المنسيات، وعند عودتها تشتري ببضع الليرات قطعاً من البسكويت لتبيعها وتحقّق ربحاً، ولو كان بسيطاً، تشتري به بعض حاجات أسرتها بعد وفاة والدها، لتعود مع المساء بكل رضا وسرور.

لا نفاجأ كثيراً، أسر تتسابق على شحن أجهزة الهاتف لتضيء لهم ظلام الليل، وهكذا هو حالهم في كل يوم، وأسر لم تعد بعد موجات الغلاء قادرة على شراء الفلافل، تأكل الخبز الحافّ، وبعضهم باع حصته «الخمسين ليتراً» من مازوت التدفئة ليشتري بثمنها خبزاً.

تعددت الحالات وصور البؤس التي تتوسع دائرتها، ورغم ذلك تجد ابتسامات هنا وهناك، وآمالاً بالغد المجهول، تتجدد وتحيا كل يوم.

كلكم عظمة أيها السوريون، كلكم عزيمة وإصرار، ستبقون أيقونة وعلامة فارقة على كل الصعد والمستويات، شعب يدفع كل يوم ضريبة حياته بإيمان وصبر وتحمّل، وسيبقى الشعب السوري يسطّر كل يوم ملحمة صمود وبقاء، وسيظل يرفرف عالياً عند الثريا، ويبقى الحاقدون والطامعون بين حبات الثرى ينبحون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن